الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهؤلاء الذين آمنوا من النصارى هم المذكورون في قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ، لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران 200/ 3] وفي قوله تعالى أيضا:
{الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا: آمَنّا بِهِ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا، إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} إلى قوله: {لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ} [القصص 52/ 28 - 55].
لذا جازاهم الله على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق، فقال:{فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنّاتٍ..} . أي جعل جزاءهم دخول الجنة دار النعيم، التي تجري من تحتها الأنهار، أي تسيل مياهها من تحت أشجارها، وهم ماكثون فيها أبدا، وهذا هو جزاء المحسنين: الذين أحسنوا في اتباعهم الحق وانقيادهم له مهما كان مصدره، ونعيم الآخرة يصعب علينا معرفته وتحديده، لقوله تعالى:{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة 17/ 32].
أما الذين كفروا وكذبوا بآيات الله، أي جحدوا بها وخالفوها، وأنكروا وحدانية الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم فأولئك هم أهل النار والداخلون فيها، والمقيمون إقامة دائمة فيها.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه الآيات مثل عال دقيق للإنصاف والحق والعدل، إذا أنها قسمت الناس إلى فريقين: فريق المؤمنين والموالين لهم وجزاؤهم جنات النعيم، وفريق المشركين والكفار الموالين لهم من اليهود وجزاؤهم نيران الجحيم.
إنه إنصاف من الناس لأنفسهم وإنصاف من الله تعالى لهم.
لقد أنصف جماعة من النصارى أنفسهم بسبب إذعانهم لدين الحق والتوحيد، فآمنوا بالله ورسوله وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يعلّمون الناس أصول الدين
الصحيح من توحيد الله تعالى والتصديق بجميع الأنبياء والدعوة إلى الفضائل والأخلاق الحميدة، وكانوا يتعبدون بإخلاص في الأديرة والصوامع ويخشعون لخالق الأرض والسماء، وليس لهم مطمع في مصالح دنيوية، أو رئاسة فارغة، ولم تعمهم العصبية لدين ما عن ولائهم لدين آخر، ولم تحجبهم عن إعلان إيمانهم بالله ورسله وبما أنزل الله. فتراهم بما استقر في جوانحهم من إيمان صحيح بالله وبالأنبياء يصغون إصغاء تدبر وإمعان وإنصاف للحقائق لما أنزل إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتفيض أعينهم بالدموع، بسبب ما وجدوا من تطابق الحق الذي عرفوه وما سمعوه في القرآن الكريم، فسألوا الله أن يتقبل منهم، وجددوا إيمانهم بالله وبرسله، وطلبوا أن يكونوا من جملة الشاهدين بحق على صدق وصحة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم والشاهدين بالحق من قوله عز وجل، والشاهدين على سائر الأمم يوم القيامة بتبليغ أنبيائهم لهم رسالة الله الحقة.
وهذه أحوال العلماء العاملين المنصفين يذعنون للحق ويستجيبون للإيمان الصحيح، وتخشع جوارحهم لذكر الله، كما قال سبحانه وتعالى:{اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ، تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر 23/ 39] وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال 2/ 8].
والخلاصة: لقد بيّن الله سبحانه في هذه الآيات أن أشد الكفار تمردا وعتوا وعداوة للمسلمين اليهود، ويضاهيهم المشركون، وأن أقرب الناس مودة للمؤمنين هم نصارى ذلك الزمان.
ومن علائم إنصاف أولئك النصارى الذين آمنوا بدعوة الإسلام إيمانا جريئا عدا اعترافهم بصحة المنزل من القرآن في شأن عيسى عليه السلام وإثبات البعث