الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثيرًا بقضايا البلاغة من معان وبيان وبديع، فحين فسر قوله تعالى:{ومكروا ومكر الله} [آل عمران: 54]، ذكر أن هذا من باب المشاكلة. واستشهد بقوله عز وجل:{وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40]، ويقول أبي الرقعمق:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه
…
قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
ومن جرأة الشيخ، بل قل: إنه من وفائه لعلومنا وتاريخنا، وأيضاً من بره بالعامة والارتقاء بأذواقهم وتوسيع مداركهم: ذكره لبعض مصطلحات العلوم الدقيقة، كأصول الدين أو علم الكلام، كالفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال، وصفات الربوبية وصفات الألوهية، وكأصول الفقه، من مثل قولهم: لمح الأصل - لا يعتد بالعارض - دلالة الاقتضاء واللزوم
…
وهكذا كان حال علمائنا وواعظينا في كل الأزمان، كانوا يرون أن للعامة حقاً ونصيباً مفروضاً في هذه المعارف، إن لم يكن من طريق العلم والإحاطة، فمن باب الأنس بها والارتياح إليها.
وتذكر كتب التراجم والرجال أن حلقات الدرس والإملاء كانت تجمع أشتاتاً من الناس، من العلماء وممن دونهم، بل إن الآباء كانوا يحضرون أطفالهم مجالس الإملاء ويثبتون أسماءهم في طبقات السماع، بل كانت حلقات الدرس بالجامع الأزهر إلى عهد ليس ببعيد تجمع عوام الناس يجلسون إلى كبار العلماء، كتفاً إلى كتف مع طلبة العلم من أهل الاختصاص.
الشيخ وعلوم القرآن:
علوم القرآن: مصطلح يراد به الأبحاث المتعلقة بالكتاب العزيز، من حيث معرفة أسباب النزول، وعلم القراءات والرسم، والمكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والغريب والإعراب إلى غير ذلك. وهذه القضايا مبثوثة في كتب التفسير، على منازلها ومناسبتها في سور القرآن الكريم، لكن العلماء أفردوها بتآليف خاصة، من أشهرها البرهان في علوم القرآن اللزركشي، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي. ويطوف الشيخ كثيرًا بهذه العلوم.
أما أبرز علوم من علوم القرآن يقف عنده الشيخ ويطيل الوقوف، ولا يزال يعتاده يوماً بعد يوم فهو «علم الأشباه والنظائر» أو «علم الوجوه والنظائر» ، وهو علم يتناول دوران الكلمة أو التركيب في القرآن على أوجه مختلفة، من حيث اختلاف المعنى الدلالي للكلمة، أو اختلاف التركيب بالتقديم والتأخير. وقد أفرد هذا العلم بالتأليف كثير من العلماء، منهم مقاتل بن سليمان، والدامغاني، وابن الجوزي، ومن أمثلته ما يذكره الشيخ حول قوله تعالى:{ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} [الأنعام: 151]، وقوله:{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31]، وقوله تعالى:{وما أهل به لغير الله} [البقرة: 173]، وقوله:{وما أهل لغير الله به} [المائدة: 3].
ومن القضايا القرآنية التي يحتشد لها الشيخ احتشاداً: قضية دفع التعارض والتناقض بين آي الذكر الحكيم، كقوله تعالى:{ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164]، مع قوله:{ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} [النحل: 25]، وكقوله تعالى:{ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء: 79]، بإزاء قوله:{قل كل من عند الله} [النساء: 78].
أما أسرار النظم القرآني، وإيثار أسلوب على أسلوب، فهو مما يفيض فيه الشيخ كثيراً، وهو يرجع فيه إلى محصول وافر ومحفوظ واسع من ثقافته الأزهرية الغنية، لا إلى ما يقوله بعض مستمعي الشيخ ومريديه من أنه يلهم به إلهاماً، ويحدث به تحديثاً، وكأنه غير مسبوق أو مشارك، ونحن لا ننكر أن الله يفتح على بعض عباده فتحاً، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لكننا نقرر أن كثيراً مما يذكره الشيخ معروف ومذكور ومسطور في الكتب، وفضل الشيخ أنه يذكره إذ نسيه الناس، ويرعاه إذ أهمله الناس، فهو يحيي ما درس، وينفخ فيما خمد.
ولعل القارئ الكريم يسمح لي بالتذكير بصورة مما سبق به علماؤنا مما يذكره الشيخ، وذلك ما ذكره الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي