الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولى خطوات الشيخ مصطفى:
ولقد ردني هذا الكتاب الممتع إلى أيام غالية عزيزة عشناها في القاهرة قبل أن يدهمها السيل وتغشاها النوائب، «إذ الناس ناس والزمان زمان» .
ولقد ذكر الأستاذ النجمي أن أولى خطوات الشيخ مصطفى في القاهرة كانت في حي المغربلين. نعم نزل الشيخ هذا الحي العريق وسكن بالمنزل رقم 18 بحارة العناني، بجوار قريبة له، وسكن أخوه الشيخ محمد بحارة قريبة تعرف بزقاق المسك، والمغربلين تتوسط الدرب الأحمر حيث العتاقة والتراث، والمساجد والمزارات: مسجد المؤيد والصالح طلائع بن رزيك، والسيَّدة فاطمة النبوية، والماردني، وإبراهيم باشا آغا، وأم السلطان شعبان، وعلى مقربة: الأزهر الشريف والحسين والجمالية وباب النصر وباب الفتوح، فإذا أنت أيسرت وجدت مساجد السيَّدة زينب والسيَّدة سُكينة، والسيَّدة نفيسة والإمام الشافعي والإمام الليثي، وكانت هذه المناطق المتجاورة هي قلب القاهرة الذي موج بالعلم والمعرفة والفن.
نزل الشيخ مصطفى إسماعيل القاهرة في أوائل الأربعينات، وترك وراءه طائفة من مشاهير القرَّاء: الشيخ محمد السعودي، والشيخ محمد العُقلة (بضم العين وسكون القاف) بطنطا، والشيخ منصور بَدَّار بالمنوفية، وفي القاهرة كانت هناك طبقتان من القرَّاء: الطبقة الأولى: محمد رفعت، وعبد الفتاح الشعشاعي، محمد الصيفي (وهو والد المخرج السينمائي حسن الصيفي)، ومحمد سلامة، والطبقة الثانية: على حزين ومحمد عكاشة وزكي محمد شرف وأحمد سليمان السعدني ومدين منصور وعبد الرحمن الدوري ومحمود عبد الحكم وعبد العظيم زاهر وطه الفشني وأبو العينين شعيشع وعبد السميع بيومي ومحمد فريد السنديوني وكامل يوسف البهتيمي منصور الشامي الدمنهوري ومحمد قنديل وعبد الرحمن عبده وهاشم هيبة.
وكان المشايخ في ذلك الزمان يعرفون للقرآن حرمته وجلاله، فيقرأون بأدب وخشوع ورعاية لأصل التلاوة، ثم كانوا يقنعون بالقليل. ولقد حدثني الشيخ
محمد رشاد عبد المطلب - أبو زوجته رحمه الله حدثني أنه دعي هو والشيخان عبد العظيم زاهر وطه الفشني لافتتاح إذاعة العربية السعودية بجدة، وكان ذلك في مسم حج كان معهم من المذيعين الأستاذ عبد الحميد يونس، والأستاذ علي الراعي (الدكتور فيما بعد) وافتتح المشايخ الثلاثة الإذاعة السعودية، ثم سجلوا لها بعض التسجيلات لإذاعتها.
فيما بعد قال الشيخ الدوري: ثم جاءنا الأستاذ عبد الحميد يونس أو الأستاذ الراعي وقال لنا إنَّ الإخوة السعوديين يتركون لكم تحديد الأجر المناسب لما قرأتموه، يقول الشيخ الدوري: فبكيت وقلت: كيف نأخذ أآجراً على قرآن قرأناه في البلد الذي نزل فيه القرآن؟ انتهى كلامه. وأقول: أين هذا من بعض قرَّاء هذا الزمان الذين لا يصعدون إلى دكة القراءة حتى يأتيهم إيصال الإيداع على رقم حسابهم بالبنك بالآلاف؟
وفي القاهرة أدرك الشيخ مصطفى إسماعيل طائفة من كبار المنشدين، أصحاب التواشيح الذين خلفوا الشيخين: إبراهيم الفَرَّان وإسماعيل، وعلى رأسهم الشيخ المتفنن علي محمود (صاحب الأذان الشهير) والشيخ درويش الحريري، والشيخ سيَّد موسى، ثم الشيخ محمود صُبْح، ذلك الرجل العجيب الذي كان يتحدى في أسطواناته أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، أن يأتيا بمثل ما يأتي به من الجواب وجواب الجواب، وكان يقطع إنشاده عقب كل «قفلة» ويتحداهما.
نزل الشيخ مصطفى إسماعيل القاهرة وهي تموج بهذه الأصوات: قراءة وإنشاداً، أصوات عجيبة مبدعة، جعل الله لكل منها شِرْعةً ومنهاجاً، حتى جاء الشيخ مصطفى فزلزلهم زلزالًا، فكان مثل المتنبي الذي جاء فملأ الدنيا وشغل الناس، نعم جاء الشيخ بأفانين من النغم، وتصرفات في المقامات لا قبل لهم بها، وهو لم يتلق أصول النغم عن أحد، ولم يحاك أحداً من أصحاب الأصوات، وإنما هي الفطرة والموهبة، وفضل الله الذي يختص به من يشاء من عباده. ولقد قوبل الشيخ مصطفى