الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الكتاب المطبوع هو أساس التواصل العلمي، والأصل فيه أن يكون متاحاً لكل قارئ، إما بالشراء وإما بالإهداء وإما بالإيداع في دور الكتب العامة.
أما الشراء فليس متاحاً لكل الناس؛ لأمرين: الأمر الأول أن بعض هذه الهيئات لا تطرح مطبوعاتها للبيع، والأمر الثاني أن بعض هذه المطبوعات ذات أجزاء كبيرة، قد يصل بعضها إلى عشرة أجزاء، فلو عرض للبيع لشق ثمنه على كثير من أهل العلم.
وأما الإهداء فدائرته محدودة جداً، على أن في هذا الإهداء بعض الآفات، وهو أنه يوجه أحياناً لمن لا يعرف قدره، أو لا يدرك وجه النفع منه، وأعرف بعض من يهدى إليهم كانوا يتركونه في الفندق؛ استثقالاً لحمله، أو فراراً من مؤونة الوزن الزائد وتكاليفه في شركات الطيران.
أهمية إيداع المطبوعات:
فلم يبق إلا الوجه الثالث، وهو إيداع المطبوعات في المكتبات العامة، وهذه المكتبات العامة ينبغي أن ينظر إليها على أنها: إما أن تكون مكتبات الدولة القومية، مثل دار الكتب المصرية، والخزانة العامة بالرباط، وإما أن تكون مكتبات الجامعات (مكتبة الجامعة نفسها، ومكتبات كلياتها ومعاهدها العليا).
فواجب على المنظمات والهيئات العلمية التي تعنى بطبع الكتاب العربي، أن تتيحه لهذه المكتبات العامة، واجباً حتمياً ونصيباً مفروضاً، لا مسامحة فيه، ولا معذرة عنه. وكنت زمان عملي بمعهد المخطوطات التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أرى قوائم ثابتة بالمعهد للجامعات والمراكز العلمية، نهدي إلى هذه وتلك جميع مطبوعات المعهد، دون انتظار لطلب أو استهداء.
وعلى الجانب الآخر ينبغي أن يكون بمكتبات الجامعات والكليات متابعة دائمة يقظة لجهات النشر والطبع شرقاً وغرباً، مما يعرف في علم الكتاب بقسم التزويد، وهذا في رأيي جانب أساسي من عمل مدير المكتبة الجامعية أو أمينها: أن
يتابع ما ينشر، ويستهدي جهات النشر، فليس عمله فقط هو استقبال الكتب وتصنيفها وتوزيعها على الأرفف، وفق نظام «ديوي» أو تنظيم القراءة أو الإعارة بالمكتبة.
ومما يقترح هنا أن تقوم بكل كلية لجنة دائمة، يختارها عميد الكلية بترشيح من رؤساء الأقسام، وتكون مهمة هذه اللجنة معاونة مدير مكتبة الكلية في متابعة ما ينشر، واستهداء المراكز والهيئات العلمية، وأقترح أيضاً أن يكون جمهور هذه اللجنة من المعيدين والمدرسين المساعدين؛ لأن هؤلاء وهؤلاء أقرب إلى الكتاب، وأكثر حاجة له.
ومن وراء الإهداء والاستهداء تبقى قضية بالغة الأهمية، وهي غياب مطبوعات هذه المنظمات والهيئات العلمية عن وسائل الإعلام ففي كل صحيفة ومجلة من صحفنا ومجلاتنا صفحات للأدب والثقافة، ترى فيها أبواباً ثابتة عن «الإصدارات الجديدة» ، لكنك لا تطالع من هذه الإصدارات إلا المجموعة القصصية لفلان، والديوان الشعري لفلان، وكأن دنيا العلم والمعرفة قد خلت إلا من هذه القصص وتلك الأشعار، على ما في بعض هذه وتلك من برد وغثاثة.
ويبدو أن هذه الإصدارات إنما يسعى بها أصحابها إلى صفحات الجرائد والمجلات، لتصنع لهم شهرة لا تقدم في طريق العلم أو الفن شيئاً.
ولو كانت الأمور تجري على وجهها الصحيح لكان المشرفون على هذه الصفحات الأدبية هم الذين يسعون بأنفسهم إلى جهات النشر، ويتابعون نشاط المطابع في كل مكان وفي كل علم.
وأذكر هنا بما كان يصنعه الشاعر المحقق حسن كامل الصيرفي رحمه الله، في مجلة الكتاب العربي، التي كانت تصدرها الدار المصرية للتأليف والترجمة في منتصف الستينات، فقد كان - وهو مدير تحرير هذه المجلة - يحرر باباً عنوانه:(أخبار الكتاب العربي في العالم)، وكان يبذل فيه جهداً طيباً في ملاحقة أخبار الكتاب شرقاً وغرباً.
ولو كانت الأمور تجري على وجهها الصحيح أيضاً لكان مندوبو الصحف في عواصم العالم هم الذين يزودون صحفهم بالنشاط الفكري والطباعي في البلدان التي يقيمون بها، فما ينبغي أن يكون عمل مندوب الجريدة في الخارج هو متابعة أخرى السياسة، ليس غير. وبذلك كله يكون الكتاب هو الرافد الصحيح للتواصل العلمي بين الأفراد والجماعات.
ولم يبق إلا تقديم أصدق التحية إلى الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام - المثقف المتابع - للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، الذي فتح لنا هذه الأبواب من القول.
* * *