الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحاضرات الأدباء، للراغب الأصبهاني، والمستطرف من كل فن مستظرف للإبشيهي، والفلاكة والمفلوكين للدلجي، والكشكول والمخلاة، كلاهما للعاملي.
وهناك باب عظيم أيضاً من باب التراجم: هو ما يعرف بالسؤالات، وذلك أن يسأل عالم عالماً عن جملة من الرجال، مثل سؤالات أبي عبيد الآجري: أبا داود السجستاني، وسؤالات عثمان بن سعيد الدارمي: يحيى بن معين، وسؤالات أبي عبد الرحمن السلمي صاحب طبقات الصوفية: الدارقطني، وسؤالات الحافظ السلفي: خميساً الحوزي عن جماعة من أهل واسط.
وواضح أن هذه «السؤالات» تدور حول علم الرجال - وهو علم الجرح والتعديل - لكنها مع ذلك اشتملت على تراجم لغير المحدثين، ثم تضمنت فوائد جليلة في التاريخ وغيره، كما ترى مثلًا في «سؤالات الحافظ السلفي» المذكورة (طبعة مجمع اللغة العربية بدمشق).
كتاب واحد:
ومن وراء ذلك كله: فإن التراجم تأتيك في غير مظانها - وهو في تراثنا باب طويل جداً - حسبي أن أشير إلى شيء منه هنا، رغبة في إفادة طالب العلم المبتدئ الذي قد تقع هذه المقالة في يده، أما أهل العلم وخاصته فهم أقدر مني على ذلك وأبصر، ثم إني أريد أيضاً أن أؤكد على أن المكتبة العربية كتاب واحد، وأن العلوم يحتاج بعضها إلى بعض، وأنه لا يغني كتاب عن كتاب.
معلوم أن تراجم الصحابة تلتمس من مصادرها: الطبقات الكبرى، لابن سعد، والاستيعاب، لابن عبد البر، وأسد الغابة، لعز الدين بن الأثير، والإصابة، لابن حجر. ولكنك إذا أردت ترجمة صحابي على نحو كامل مستوعب، فلا بد لك من النظر في كتب أخرى، منها دواوين السنة: صحاحها ومسانيدها، فقد أفرد أصحاب السنن في دواوينهم كتباً وأبواباً تسمى: المناقب أو الفضائل، ويسميها الحاكم النيسابوري في المستدرك: معرفة الصحابة. ولا غنى لك أيضاً عن النظر في كتاب
«هدي الساري مقدمة فتح الباري» لابن حجر، فقد أفرد فيه ابن حجر مكاناً ضخماً لتراجم الصحابة والتابعين، لا تقل إنه سيكرر في كتابه هذا ما ذكره في كتبه الأخرى مثل الإصابة أو تهذيب التهذيب، ولا تقل هذا، لأن في كل كتاب من الفوائد ما ليس في الآخر (وانظر على سبيل المثال ترجمة: عكرمة مولى ابن عباس في «تهذيب التهذيب» 7/ 263، وفي «هدي الساري» ص 425، وتأمل الفرق بين مساق الترجمة في الكتابين).
ومن باب التماس التراجم من غير مظانها: ما تراه من تراجم اللغويين والنحاة الأوائل في مقدمة معجم «تهذيب اللغة» للأزهري، وفي كتاب «المزهر» في علوم اللغة للسيوطي، ثم ما نثره العلامة عبد القادر بن عمر البغدادي في موسوعاته: خزانة الأدب، وشرح أبيات مغني اللبيب، وحاشيته على شرح قصيدة «بانت سعاد» لابن هشام، وشرحه على شواهد شرح التحفة الوردية. وباب التراجم عند البغدادي باب واسع جداً لأن مكتبته كانت ضخمة جداً.
وقل مثل هذا في كتاب المرتضى الزبيدي الضخم «تاج العروس» شرح القاموس، ففي هذا الكتاب أنساب وتراجم كثيرة جداً، وبخاصة ما يتصل بالمتأخرين.
وعلى ذكر اللغويين والنحاة، فإن أوسع ترجمة وأشملها لواضع النحو أبي الأسود الدؤلي، تراها في كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني، وما أبعد كتاب الأغاني عن طبقات اللغويين والنحاة! وقد جاءت ترجمة أبي الأسود في الأغاني طويلة جداً استغرقت 38 صفحة من القطع الكبير - انظر:«الأغاني» 12/ 297 - 334 (طبعة دار الكتب المصرية).
والعلة في ذلك واضحة، وهي جامعة «التشيع» التي تجمع بين أبي الأسود وأبي الفرج. على أنه مما ينبغي التنبه له أن صلاح الدين الصفدي قد اعتبر «كتاب الأغاني» من مصادر كتب التاريخ، ووضعه في قائمة «التواريخ الجامعة» كتاريخ الطبري وما إليه (انظر: الوافي بالوفيات 1/ 50).
وكلك تجد أجود ترجمة وأحسن كلام عن أبي سعيد السيرافي النحوي الكبير في «كتاب الإمتاع والمؤانسة» لأبي حيان التوحيدي، وكان هذا شديد الإعظام لأبي سعيد، والتوقير له (انظر: الإمتاع والمؤانسة 1/ 108).
وتنتثر التراجم أيضاً في معارف القوم وعلومهم: ففي موسوعات التفسير والحديث والفقه وأصوله وعلم الكلام، وكتب اللغة والأدب وشروح الشعر - بصورة خاصة - وسائر فروع العلم استطرادات مهمة في تراجم الرجال.
وأريد أن أذكر بما قلته في صدر هذه الكلمة، من أن علم التاريخ الإسلامي بمعنى الحوادث والأحداث قد اختلط بعلم التراجم والطبقات، كما أن هذا العلم اختلط أيضاً بكتب التاريخ القائمة أساساً على الحوادث والأحداث؛ دخل كل منهما في نسيج الآخر والتحم به، بل إن علومنا كلها يجذب بعضها بعضاً، على نحو ما قال سفيان بن عيينة:«كلام العرب بعضه يأخذ برقاب بعض» .
إن علم التاريخ عند المسلمين ليس كعلم التاريخ عند الأمم الأخرى؛ أحداثاً وتقلبات أيام ودول فقط، إن كتب التاريخ عندنا هي مجلى حضارتنا وثقافتنا العربية والإسلامية كلها.
إن علماء الحديث يخرجون الأحاديث من «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي، وأهل الأدب يجمعون أشعار الشعراء من «تاريخ دمشق» لابن عساكر، وكذلك يجمعون الشعر من كتب الجغرافيا العربية: معجم ما استعجم للبكري، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، والروض المعطار في خبر الأقطار للحميري، كما جمعوا منها التراجم من قبل.
بل إن اللغة والشعر يجمعان من كتب النبات وكتب الهيئة، كالذي تراه في كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، وكتاب الأزمنة والأمكنة للمرزوقي، والحديث في هذا ونحوه مما يطول جداً.
* * *
الهجرة وكتابة التاريخ الإسلامي (1)[2]
[كتابة التاريخ الإسلامي من الموضوعات المهمة التي حرص «الهلال» على إلقاء الضوء عليها، وقد تناولنا في الجزء الأول أبرز ما في هذا المجال، ويواصل د. الطناحي في الجزء الثاني كيفية إعادة كتابة التاريخ الإسلامي حيث يقول: ]
وهذا الذي ذكرته في الجزء الأول من هذا المقال والذي نشرته الهلال في الشهر الماضي على سبيل الوجازة والاختصار - وقد فاتني منه الكثير - يدلك، إن شاء الله، على اتساع دائرة علم التاريخ عند المسلمين: أحداثاً وتراجم، ولعله يزهدك في تلك الدعوة التي تثار بين الحين والآخر: وهي دعوة «إعادة كتابة التاريخ الإسلامي» على ما يرى بعضهم من نبذ الكتاب القديم، بعد استخلاص مجمله، وتخليصه من الشوائب التي فيه، ثم تقديمه بلغة العصر، وذلك كله مركب صعب وطريق مخوف، وهو مما يخبط الناس فيه خبطاً شديداً، وليس هنا موضوع الرد على هذه القضية، لكن لا بأس من التذكير ببعض الأمور:
أولاً: إذا ثبت عندك اتساع دائرة التاريخ الإسلامي، فإن من يحاول إعادة كتابة ذلك التاريخ لا بد أن يكون على معرفة بمراجع التاريخ الإسلامي بفرعيه: الأحداث والتراجم، ثم ما يتناثر منه في تضاعيف الفنون الأخرى، كما حدثتك.
ثانياً: اللغة هي الباب الأول في ثقافة أية أمة من الأمم، فواجب على من
(1) مجلة «الهلال» ، يوليه 1994 م.
يتصدى لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي أن يكون متضلعاً - أو على الأقل عارفاً - من اللغة: مألوفها وغريبها، ونحوها وصرفها، ليس على سبيل الإتقان والإحاطة، فهذا غير وارد وغير ممكن، ولكن على سبيل المعرفة التي تعصم من الأخطاء الشنيعة البلقاء.
يقول الحافظ أبو الحجاج المزي في مقدمة كتابه «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» ص 156: «وينبغي للناظر في كتابنا هذا أن يكون قد حصل طرفاً صالحاً من علم العربية، نحوها ولغتها وتصريفها، ومن علم الأصول والفروع، ومن علم الحديث والتواريخ وأيام الناس» . فهذا شأن الناظر في الكتاب، فما بالك بمن يحاول إعادة كتابته أو اختصاره؟
وكذلك يجب التنبه للأعراف اللغوية لكل عصر من العصور، وتظهر المحنة في هذا الأمر واضحة جلية عند من يتصدون للتاريخ المملوكي، وهو زاخر بالأعراف اللغوية والمصطلحات غير المألوفة إلا لمن جمع مراجع ذلك العصر: لغة وأدباً وتاريخاً.
ثالثاً: إن من يعيد كتابة تاريخ من تواريخ السابقين، أو يحاول اختصار كتاب في علم من العلوم، أو تهذيبه، لابد أن يكون في علم صاحب الكتاب الأصلي، أو على درجة مقاربة له؛ لأن المعيد أو المختصر أو المهذب حينئذ يكون سميعاً بصيراً، يعرف ماذا يأخذ وماذا يدع، ولذلك قبل أهل العلم «مختصر صحيح مسلم» للحافظ المنذري، و «مختصر تفسير الطبري» لأبي يحيى محمد بن صمادح التجيبي، وتهذيب أنساب السمعاني؛ المسمَّى «اللباب» لعز الدين بن الأثير، و «مختصر الأغاني» للأصفهاني، و «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر، وكلا المختصرين لابن منظور صاحب «لسان العرب» .
وفي عصرنا الحديث قبلنا «تهذيب الأغاني» للشيخ محمد الخضري، و «عمدة التفاسير» لمحدث العصر الشيخ أحمد محمد شاكر، الذي اختصر فيه بعض أجزاء من «تفسير ابن كثير» ، و «تهذيب سيرة ابن هشام» ، و «تهذيب الحيوان» للجاحظ، كلاهما لأستاذنا عبد السلام محمد هارون.