الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العامة .. وقراءة التراث
(1)
كتب الأستاذ الدكتور عبد العظيم أنيس، في العدد السابق من الهلال، مقالة عن العالم الرياضي الشاعر عمر بن إبراهيم الخيامي الفارسي النيسابوري، المعروف عند جمهرة الناس باسم: عمر الخيام، المتوفى سنة 515 هـ - 1121 م. وكان الخيام عالماً بالرياضيات والفلك واللغة والفقه والتاريخ، وهو صاحب «الرباعيات» التي أذاعت اسمه وأكسبته الشهرة في الشرق والغرب.
وقد افتتح الدكتور أنيس مقالته بكلمات جياد، قال فيها: لا بد أن يكون عمر الخيام هو الرياضي البارز الوحيد الذي اقترن اسمه في هذا العالم بالأندية الليلية والفنادق ومحال بيع الفطائر. ومن الغريب أنه لم ينشأ ناد واحد في العالم بالأندية الليلية والفنادق ومحال بيع الفطائر. ومن الغريب أنه لم ينشأ ناد واحد في العالم العربي لمناقشة إنجازاته الفذة في الرياضيات والفلك، ولا حتى ناد واحد في العالم العربي لمناقشة إنجازاته الفذة في الرياضيات والفلك، ولا حتى ناد واحد لمناقشة الرباعيات المنسوبة إليه والتي اشتهر بها في الغرب، وإنما ارتباط اسمه للأسف الشديد بأندية اللهو والمجون في الشرق والغرب على السواء.
وقد أثارت هذه الكلمات أشجاناً قديمة حول بعض رموزنا التراثية العظيمة التي ارتبطت عند عامة الناس بمفاهيم خاطئة وتصورات غير صحيحة.
ولا سبيل إلى ذكر كل ما تمتلئ به الجعبة من هذه الرموز التي خلط الناس في أمرها تخليطاً منكراً، فلنكتف بذكر مثالين يشتركان مع عمر الخيام، في هذا الارتباط الخاطئ بين اسميها وبين اللهو والمجون. وهما: الخليفة العباسي أبو جعفر
(1) مجلة «الهلال» ، فبراير 1993 م.
هارون بن محمد بن المنصور، المعروف بهارون الرشيد، المتوفى سنة 193 هـ، ومعاصره وجليسه الشاعر أبو نواس، الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمي بالولاء، المتوفى سنة 198 هـ.
فأنت قلما تدخل فندقاً إلا وجدت فيه قاعة أفراح باسم هارون الرشيد أو أبي نواس، إلى ما تراه من أسماء الملاهي الليلية والمطاعم ومحلات الحلوى التي اختارت هذين الاسمين عنواناً وشعاراً، بحيث صار ذكر اسمهما جالباً للأفراح والليالي الملاح والمباهج والمسرات.
أما ما وراء ذلك من التاريخ العريض لهذين العلمين، وأثرهما في الحضارة العربية الإسلامية؛ فهو مما لا معرفة لعامة الناس به، بل إن الأمر قد تعدى العامة إلى بعض الخاصة، وإن كنا لا نستطيع في هذا الزمان أن نجد فرقاً حاسماً بين العامة والخاصة، فقد اختلط المرعى بالهمل. واسأل من شئت من طلبة الجامعة، أو من المتخرجين فيها، عن هذين العلمين، ولن تخرج إلا بما يدور حول اللهو والمجون، وما يفضي إليهما وما ينتج عنهما.
على أننا لا نستطيع - حقّاً وصدقاً - أن نحمل العامة وحدهم تبعة هذا الفهم الخاطئ لتاريخ الرجلين، فمن أين جاءهم هذا الفهم، وكيف تتابعوا عليه؟
إن الأمر متصل بقضية كبرى: هي قضية الجرأة على التاريخ، والاستخفاف بأيام الناس، ثم عدم إعطاء العقل حظه من الأناة والتتبع والتحري والصبر على تكاليف الحق والإنصاف، وقهر الهوى الجامح.
ولا تقل إن الأمر في هارون الرشيد وأبي نواس متصل بالأدب الشعبي الذي يستنزل من الشخصيات بعض صفاتها المثيرة فيضخمها ويتخذ منها مادة للتسلية والترويح، كما نرى في «ألف ليلة وليلة» وما إليها. لا تقل هذا؛ لأن التخليط في أمر الرجلين قد امتد إلى تلك الدراسات التي يفترض أن تكون قائمة على البحث الجاد، والنظر الصحيح؛ لأنها تحمل أسماء وعنوانات توحي بالجد والصرامة العلمية.