الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقضي فيها أكثر من شهور معدودة أستاذاً زائراً في جامعتها، وقد لفت انتباهه النظام الدقيق الذي يضبط الحياة في الكويت، والنظافة في الشوارع والأسواق.
ولقد سطر أحباء الفقيد وأصدقاؤه جملة من المقالات الممتازة حول حياته ومؤلفاته وعلمه الغزير، على أن هناك جوانب أخرى عظيمة يعرفها جميع من التقاه، سواء أكان لقاء مباشرًا أم من خلال كتبه وإنتاجه العلمي الرصين.
هذه الصفات وتلك الجوانب تحتاج إلى تلتقط من سطور تلك الكتب والمقالات، فهي تتناثر في متون كتبه وتتلألأ في هوامشه، ومن هنا رأيت أن أحاول التقاط بعض تلكم الفضائل التي كنا نعرفها في الفقيد، ومن أبرزها:
تواضعه وعلو خلقه ووفاؤه، وقد صرفنا عن الحرص على ذكرها والإشادة بها أنه كان يمتعنا في حياته، أما وأننا قد افترقنا إلى حين فإن الحديث عن تلك اللمحات المحببة في شخصيته يخفف شيئاً ما من مرارة الأسى بوفاته.
فضل الرواد:
وفي مقدمة تلك الفضائل ذلك الدعاء الذي يتناثر بين عبارته عندما يذكر أساتذته ومشايخه وجهودهم وخدمتهم للعلم والتراث، كقوله عن شيخنا الأستاذ محمود شاكر:«حرس الله مهجته، أمتع الله المسلمين ببقائه، أحسن الله إليه وجزاه خير الجزاء» ، ويدعو لمشايخه الآخرين كلما ذكرهم إذا كانوا من الأحياء «أطال الله في الخير بقاءهم» (مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي ص 97) و «عبد السلام هارون حفظه الله» (المرجع نفسه ص 99)، و «شيخنا الأستاذ أحمد راتب النفاخ أطال الله في النعمة بقاءه» (كتاب الشعر لأبي علي الفارسي ج 1 ص 96).
وعندما يتحدث عن شيخنا الأستاذ محمود شاكر وجهوده في خدمة التراث يقول «وعذراً عن الإطالة فهو كلام نفيس عال لا يحذف منه شيء» .
«كيف أكتب عنك أيها الشيخ الجليل؟ ومن أين أبدأ، وكيف أمضي؟ والحديث عنك إنما هو عن تاريخ هذه الأمة العربية الشريفة: عقيدة ولغة وفكراً ورجالًا، وآماداً
رحبة متطاولة، لا يقدرها إلا أنت، ولا يعرف كنهها إلا أنت، وتاريخ أمتنا حاضر بين يديك، ماثل أمام عينيك، لم يغب عنك لحظة، فماذا أنا قائل فيك؟ وماذا أنا بالغ من الكتابة عنك؟ ومعذرة ثم معذرة شيخي أبا فهر إذ أكتب عنك بهذه الوجازة التي تراها - أراك الله الخير كله، ودلك عليه، ورغبك فيه.
ثم معذرة من بابة أخرى: وهو أن كثيراً مما ستقرأه، إن شاء الله، منتزع من كلامك، مدلول عليه بفكرك، فأنا إنما أكتب عنك بك، وأتقدم إليك بسابق فضلك وموصول علمك، وإن كنت أعتقد أن هذا لا يعتذر منه إليك، وأيضاً فإنك كنت قد شجعتني على الكتابة عنك، حين أنبأتك ما أصابني من دوار أرضاني وأسخطني يوم خرجت إلى الناس بطبعتك الجديدة من كتابك الفذ «المتنبي» ، وحدثتنا في الجزء الأول منه، حديثاً غريباً عجيباً، عن فساد حياتنا الأدبية، وعن تفريغ عقولنا من كل ما يردنا إلى تاريخنا وأيامنا، وقلت لك يومها:
إني أريد أن أدل على ما ذكرت بما شاع في كتاباتك الأخرى، ما دق منها وما جل، وقد أذنت لي في الكتابة عنك، ويومها رأيت نفسي - وأنا من أصغر تلاميذك - قد ظفرت بما فوق المنى»، (مدخل إلى تاريخ نشر التراث ص 103).
ومن العلماء الذين كان يحرص على الدعاء لهم الأستاذ عبد السلام هارون - وهو أستاذنا أيضاً، تتلمذنا على يديه يرحمه الله في كلية دار العلوم في الفترة من 1965 م - 1969 م -، فيتحدث في معرض انتقاده لشيوع ظاهرة المختصرات لأمهات الكتب في أيامنا هذه والتي قام بها البعض فأساءوا - بسبب ضعفهم العلمي - إلى الأصول.
ويقول عنه وبعد أن قدم بحديث عن جهود الأستاذ عبد السلام هارون في خدمة التراث: «وخلاصة ما يقال في الأستاذ عبد السلام محمد هارون: أنه لم يخط أحمد في التراث سطراً إلا ولهذا الرجل عليه منة، وذلك أنك لا تكاد تجد قائمة مراجع تراثية إلا وفيها كتاب من تحقيقات شيخنا، حفظه الله» .