الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبخاصة أبواب المجرد والمزيد، والإعلال والإبدال، وقد يعرف المرء هذه الأبواب الصرفية، ثم يصعب عليه التهدي إلى موضع الكلمة من المعجم، لعدم المراس والدربة، كما يجد بعضهم صعوبة في موضع «تترى» و «ترقوة» من المعجم، وكذلك موضع ميناء، بل إن بعض الكلمات تأتي في موضعين من المعجم، كما ترى في «البازي» الصقر، يأتي في (بوز) وفي (بزي)، وكذلك كلمة «الصدد» التي تأتي في قولك «بصدد كذا» أو «في ذلك الصدد» تأتي في مادة (صدد)، وفي مادة (صدى)، وقالوا في قوله تعالى:{فأنت له تصدى (6)} [عبس: 6]، إن أصلها «تتصدد» ، فلما كثرت الدالات قلبت إحداهن ياء، كما قيل إن قوله تعالى:{وقد خاب من دساها (10)} [الشمس: 10]، أصلها «دسسها» بثلاث سينات، فقلبت إحداهن ياء، تنطق ألفاً، ولذلك يأتي شرح هذه الكلمة في موضعين من المعجم، الأول (دسس)، والثاني (دسى)، ولهذا نظائر أخرى في الأبنية، ومنها: قصيت أظفاري، والأصل: قصصت.
أغزر المعاجم اللغوية:
فهذا ما كان من الأمر الأول، أمر المقارنة بين المعجم العربي والمعجم الأوروبي. أما الأمر الثاني، وهو النظر في المعاجم الكبرى فقط، دون المعاجم الأوساط والصغار: فما أظن الذين حكموا على المعجم العربي بسوء الترتيب وتشويش المادة، قد انتهوا إلى هذا الحكم إلا بعد طول معاناة مع أكبر معجمين، وهما «لسان العرب» لابن منظور، و «تاج العروس» للمرتضى الزبيدي، وهذا الثاني هو أغزر المعاجم اللغوية مادة وأكثرها شمولاً، فقد بلغت جذوره اللغوية (11978) جذراً، على حين بلغت جذور لسان العرب (9273) جذراً - انظر دراسة إحصائية لجذور معجم تاج العروس، للدكتور عبد الصبور شاهين، والدكتور حلمي موسى، نقلًا عن حاشية كتاب الاستدراك على المعاجم العربية للدكتور محمد حسن جبل ص 7.
ومما لا شك فيه أن البحث في هذين المعجمين متعب، ولا سيما لمن لم
يألف التعامل معهما وكثرة النظر فيهما، ولا تنتظر من طالب مبتدئ، أو من شخص محدود الثقافة، يريد معنى كلمة أو تركيب أن يرضى عن كتاب لغة موسوعي كهذين المعجمين، يمتد فيهما الكلام ويطول.
إن الحكم الصحيح على هذين المعجمين ينبغي أن يتم في إطار معرفة حال ابن منظور والمرتضى الزبيدي، ثم معرفة حال معجميهما المذكورين، فالرجلان ليسا من واضعي اللغة ولا من رواتها، لتأخر زمانهما كما تعلم، وتآليفهما الأخرى تدور حول شروح الكتب واختصاراتها. أما المعجمان اللذان صنفا هما: لسان العرب وتاج العروس فهما تجميع موسوعي ضخم للمعاجم السابقة عليهما بمناهجها المختلفة وتباينها: اتساعاً وضيقاً، وقلة وكثرة.
ولقد صرح ابن منظور في مقدمة «اللسان» بأنه جمعه من أصول معجمية خمسة، هي بحسب ذكره لها: تهذيب اللغة للأزهري (370 هـ)، والمحكم لابن سيده (458 هـ)، والصحاح للجوهري (حدود 400 هـ)، والحواشي عليه لابن بري (582 هـ) وتسمى هذه الحواشي: التنبيه والإيضاح عما وقع في الصحاح. والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (606 هـ).
وتمثل هذه المعاجم الخمسة ثلاث مدارس في التأليف المعجمي: المدرسة الأولى مدرسة ترتيب المواد اللغوية وفق مخارج الحروف، وهي مدرسة الخليل بن أحمد، ويمثلها من هذه المعاجم: التهذيب للأزهري والمحكم لابن سيده، والمدرسة الثانية: التي ترتب المواد على الجذور اللغوية (أصل الاشتقاق) واعتبار الحرف الأخير منها باباً بيني عليه المعجم، والحرف الأول فصلًا، مع مراعاة الترتيب الألفبائي فيما بين حرفي الباب والفصل، وهذا النظام إلى حرفها الأخير قبل كل شيء، ويمثل هذه المدرسة الصحاح وحواشيه. والمدرسة الثالثة - وهي المدرسة المألوفة لنا - التي ترتب المواد وفق الأول والثاني والثالث - ويمثلها النهاية لابن الأثير.
وقد ارتضى ابن منظور من مناهج هذه المدارس منهج المدرسة الثانية، مدرسة
«الصحاح» ورتب كتابه «اللسان» على أساسها، وأخضع المدرستين الأخريين لها، ويصرح ابن منظور في مقدمته بأن عمله في معجمه لم يخرج عن حدود ما في مراجعه الخمسة، وإن كان قد استطرد إلى ذكر فوائد من قراءاته وسماعاته، ثم تعقب في أحيان قليلة بعض ما وجده في مراجعه الخمسة المذكورة، كما أشرت إلى ذلك في مقالتي عن «لسان العرب» في الهلال (مارس 1992 م)[راجعها ص 177].
فقد ظهر إذن أن المادة المعجمية في «لسان العرب» مجموعة من مراجع خمسة، تخضع لمناهج ثلاثة مختلفة كل الاختلاف، وهذا هو سر ما يبدو من التشويش وعسر الترتيب عنده. فالتكرير وارد لا محالة في كتاب موسوعي صرح مؤلفه بأنه لم يخرج عن مراجعه الخمسة، فهو لم يبح لنفسه أن يغير شيئاً من المادة التي أمامه، غاية ما في الأمر أنه أخضعها لمنهج واحد في الترتيب، وترك كل شيء في الكتب على حاله، إلا أن يتدخل في أحيان قليلة جداً بنقد أو ترجيح، ولذلك قد تجد لديه شرحاً لشيء من غريب الحديث والأثر مختلفاً عن شرح آخر للحديث نفسه في المادة نفسها، لاختلاف مرجعه في ذلك، فقد ينقل في المرة الأولى عن «تهذيب اللغة» للأزهري، وفي الثانية عن «النهاية» لابن الأثير، بل قد تجد شاهداً شعرياً غير منسوب لقائل في موضع من المادة، وبعد قليل تجد الشاهد في نفسه منسوباً، وما ذلك إلا لاختلاف مرجعه في الحالين، وقل مثل هذا في اختلاف الشروح، والحظر اللغوي أحياناً والإباحة أحياناً أخرى، ولذلك يوصي كبار المحققين في الإحالة على ما في اللسان أن تقول:«جاء في اللسان كذا وكذا» ، ولا تقول:«قال صاحب اللسان، أو قال اللسان» .
فهذا هو «لسان العرب» كتاب موسوعي، جمع مادة لغوية ضخمة من خمسة كتب كبار مختلفة المناهج، أخضعها لمنهج واحد، وهو جهد شاق يحسب في موازين الرجل، ولم يكن عدلاً أن ننتظر من مؤلفه أن يصطفي من هذه المعاجم الخمسة معجماً يصنعه على هوانا ووفق مشيئتنا، وعلى حسب مواصفات العصر الحديث - عصر الحاسبات الآلية والكمبيوتر - يجلس الواحد منا متكئاً على أريكته