الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقط خالية من دراسة الكتاب وترجمة مؤلفه وذكر مخطوطاته وفهرسته، لكن النشر في تلك المرحلة اتسم بالدقة المتناهية والتحرير الكامل، وكان يقوم على التصحيح (التحقيق) فئة من أهل العلم، يأتي على رأسهم الشيخ نصر الهوريني، والشيخ محمد بن عبد الرحمن، المعروف بقطة العدوي، كما شمل النشر في تلك المرحلة أصول التراث العربي كله، دون تخير إلى مذهب أو اتجاه.
المرحلة الثانية:
عنيت هذه المرحلة إلى حد ما بجمع النسخ المخطوطة للكتاب المراد نشره، وذكر ترجمة المؤلف
، وبعض الفهارس، وتعرف هذه المرحلة بهذه الأسماء: محمد أمين الخانجي، ومحب الدين الخطيب، ومحمد منير الدمشقي، وحسام الدين القدسي.
المرحلة الثالثة:
مرحلة دار الكتب المصرية. وفي هذه المرحلة أخذ تحقيق الكتب ونشرها يتجه إلى النضج والكمال، من حيث جمع النسخ المخطوطة من مكتبات العال
م، وإضاءة النصوص ببعض التعليقات والشروح، وصنع الفهارس التحليلية الكاشفة لكنوز الكتب، وما يسبق ذلك كله من التقديم للكتاب وبيان مكانه في المكتبة العربية.
وقد تأثر هذا المنهج إلى حد ما بمناهج المستشرقين الذين نشطوا إلى نشر تراثنا وإذاعته من القرن الثامن عشر الميلادي. وقد وقف على رأس هذه المرحلة أحمد زكي باشا، شيخ العربة.
المرحلة الرابعة:
مرحلة الأفذاذ من الرجال، وهي مرحلة الأعلام: أحمد محمد شاكر، ومحمود محمد شاكر، وعبد السلام محمد هارون، والسيد أحمد صقر
. وقد دخل هؤلاء الرجال ميدان التحقيق والنشر مزوَّدين بزاد قوي من علم الأوائل وتجاربهم،
ومدفوعين بروح عربية إسلامية عارمة، استهدفت إذاعة النصوص الدالة على عظمة التراث، الكاشفة عن نواحي الجلال والكمال فيه. ومن أعظم آثار هذه المرحلة تحقيق هذه الكتب العالية: الرسالة، للشافعي، وطبقات فحول الشعراء، لابن سلام، والبيان والتبيين، والحيوان، للجاحظ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، وإعجاز القرآن للباقلاني. وقد أثرت هذه المرحلة تأثيراً كبيراً، في كل مكان نشر فيه تراث عربي.
وفي العقود الأربعة الأخيرة أفسحت الجامعات العربية صدرها لتحقيق المخطوطات سبيلًا للحصول على الشهادات الجامعية العليا (ماجستير - دكتوراه)، لكن الجامعات العربية حين فعلت ذلك لم تزود الطالب بما يعينه على تحقيق ذلك النص، من معرفة لمناهج التحقيق، وقراءة المخطوطات المشرقية والمغربية، وتوثيق النقول وتخريج الشواهد، وصنع الفهارس، وحدود التعليق على النص، والتقديم له، ثم الوقوف على أمهات المراجع العربية، في فنون التراث المختلفة، ومعرفة التعامل معها، والإفادة منها.
وكان مأمولًا أن تثمر تلك الجهود التي بدأها شيخنا عبد السلام هارون رحمه الله، في دار العلوم، والأستاذ مصطفى جواد رحمه الله، في كلية الآداب بجامعة بغداد، تلك الجهود التي استهدفت تعريف الطلاب بفن تحقيق النصوص ومناهجه، من واقع تجارب الشيخين، ولكن تلك الجهود، لم تتم ولم يكتب لها الشيوع. ولم تبق إلا تلك الإشارات العاجلة الخاطفة عن تحقيق النصوص، والتي تجيء في ثنايا مادة «مناهج البحث» التي تدرس للطلبة في السنة المنهجية المؤهلة للدراسات العليا، ومعظمها مما يسقط إلى أساتذة هذه المادة من الترجمات الغربية، ومن منظور اسشراقي بحت. فلم يجد الطالب الذي يتصدى لتحقيق نص سبيلًا أمامه إلا أن يركض هنا وهناك، ويتخبط بين منهج ومنهج ولا يخرج بشيء، لأنه دخل بغير شيء.
وقد كان موقف بعض الجامعات العربية من تحقيق النصوص، موقفاً غربياً
متناقضاً، فهي قد قبلته طريقاً للحصول على الماجستير والدكتوراه، ثم رفضته في أعمال الترقيات العلمية (يحلوُّنه عاماً ويحرَّمونه عامّاً) -. وليست الترقية العلمية أشد خطراً من إجازة الدكتوراه. وكانت حجة الرافضين أن تحقيق النصوص قد اتخذ مركباً سهلًا. وهذا حق، ولكن ما هكذا تكون الأحكام عامة مطلقة، والأولى أن يقال: إن تحقيق النصوص عمل من الأعمال العلمية، جيَّدة جيَّد، ورديئه رديء.
ومهما يكن من أمر: فقد كانت مشاركة الجامعات العربية في تحقيق النصوص سبيلًا لإظهار بعض النصوص التي لا يقبل عليها الناشرون كثيراً، ولا يهتمون بها، لأنها لا تحقَّق ربحاً، لقلَّة جمهورها من القراء.
والله أعلم.
* * *