الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاجم اللغوية .. والهجوم الذي لا ينتهي
(1)
كتب أستاذنا الكبير الدكتور شكري محمد عياد، في عدد «المصور» ، 17 من مارس الماضي كلمة جعل عنوانها «عاشق العربية» حيا فيها شيخنا أبا فهر محمود محمد شاكر، وإذا اجتمع للكلمة شرف الكاتب وشرف المكتوب إليه كانت ذخيرة تحفظ وتصان، وأيضاً فإن الكاتب الجاد يفتح أمام قارئه أبواباً من النظر، ويستخرج منه ألواناً من الفكر كانت دفينة لولا إثارة هذا الكاتب الجاد.
وهكذا عودنا ذلك الأستاذ الجليل: يمتعنا بما يكتب، ثم يمد لنا من حبال الفكر والبيان، ويصلنا بأسبابه، فنمضي معه موافقين أو مخالفين، والكاتب العظيم لا يحفل كثيراً بموافقة أو مخالفة، فحسبه أنه يحرك الساكن، ويجري الراكد، ويهز المألوف، بل إن المخالفة قد تعجبه أحياناً، لأنها ترده إلى الرأي الأول، فيستدرك فائته ويكمل نقصه، فيزداد جلاء ووضوحاً، وقد يقتنع بالرأي المخالف إذا عرف صدقه، ولمعت أمامه أنواره، وثبتت لديه صحته، فيرجع عما قال راضياً سعيداً، على ما قال عمر بن الخطاب في كتابه إلى أبي موسى الأشعري في القضاء:«لا يمنعنك قضاء قضيته اليوم، فراجعت فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك، أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل» ، الكامل للمبرد 1/ 20.
وكان مما قاله الأستاذ الكبير في كلمته عن أبي فهر، وإعجابه بجهوده وجهاده
(1) مجلة «الهلال» ، مايو 1995 م.
في قراءة الشعر الجاهلي وفهمه والإبانة عنه: «وليس بوسع أحد أن ينكر المصاعب التي تكتنف قراءة الشعر الجاهلي، وأولها - لا شك - صعوبة اللغة، فلا بد لنا أن نستصحب الشروح التي قام بها اللغويون القدماء، وربما غصنا في المعاجم القديمة - وهي على ما نعرف من سوء الترتيب - إن أعوزتنا الشروح» .
هكذا قال أستاذنا، وكنت أحب للعبارة أن تكون «عسر الترتيب» وليس «سوء الترتيب» ، وليس يخفى فرق ما بين الكلمتين، على أن «عسر المعاجم» هذا لم يعرف إلا في زماننا هذا، لأسباب كثيرة يأتيك حديث عن بعضها إن شاء الله.
ومهما يكن من أمر، فإن هذا العبارة من أستاذنا الفاضل تحمل على أحسن محاملها، على ما قال عمر بن الخطاب أيضاً:«ضع أمر أخيط على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك عليه» طوق الحمامة ص 264، نحن لم نعرف من أستاذنا إلا حبه للعربية وإجلاله لموروثها، ورأيه هذا في المعاجم العربية لا يطعن فيها جملة، ولا ينقصها قدرها بمرة، وإنما هو رأي من الرأي، يعرضه صاحبه فيناقش فيه فيقبل منه أو يرد عليه، وليس هو أول من نقد المعاجم العربية، ولن يكون آخره، فما برح أهل العلم منذ مطالع العصر الحديث ينقدون تلك المعاجم، ويكشفون عن جهات النقص فيها، وما يظهر من الاضطراب في ترتيب موادها، مع اختلاف مناهج ذلك النقد وغاياته.
يقول الدكتور عدنان الخطيب: «وإذا كان الكلام على عيوب المعجمات العربية يكاد يكون معاداً أو مكروراً، وإذا كان المهتمون بالمعجم العربي اليوم على شبه اتفاق حول كثير من تلك العيوب، إلا أن العلماء الذين تصدوا لنقد المعاجم القديمة، اختلفوا في أسلوب الكشف عن عيوبها، فكان لكل منهم أسلوبه ونهجه، لهذا كانت عيوب المعاجم عند اللغويين غيرها عند النحاة أو علماء الصرف أو الاشتقاق، وكذلك العيوب التي يراها علماء اللغات غير العيوب التي يراها علماء آخرون يهتمون بنواح تاريخية أو جغرافية أو طبية أو نباتية، أو غير ذلك من النواحي التي اشتملت عليها معاجمنا القديمة، ومن هنا نجد أن نقد الشدياق غير نقد الأب