الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استخدم كلمة «تحقيق» في صدر الكتب المنشورة، وهو أيضاً ناشر كتاب «أنساب الخيل» وكتاب «الأصنام» كلاهما لابن الكلبي، وقد جمع مكتبة مخطوطات قيمة عرفت في دار الكتب المصرية بالمكتبة الزكية، ومحب الدين الخطيب العالم الناشر، وهو صاحب المكتبة السلفية، والناشر العظيم ذو الأثر الكبير محمد أمين الخانجي، والعالم التونسي الكبير حسن حسني عبد الوهاب، والفقيه التطواني بمدينة سلا بالمغرب، وأحمد عبيد بدمشق.
وقد أدركت من تلاميذ هذا الجبل العظيم وورثته اسمين كبيرين: فؤاد سيد عمارة، ومحمد رشاد عبد المطلب.
أما فؤاد سيد، فقد كان أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية، وكان هذا الرجل آية في معرفة المخطوطات وقراءتها، وميز صحيحها من زائفها، وعتيقها من محدثها، مع اطلاع واسع وحافظة قوية. وأما محمد رشاد عبد المطلب فقد عمل بمعهد المخطوطات بالقاهرة منذ إنشائه سنة 1946 م إلى حين وفاته سنة 1975 م، وقد خرج في بعثات المعهد لتصوير المخطوطات، من القدس والهند وتركيا والمغرب والسعودية، وكان أعجوبة زمانه في معرفة المخطوطات ومظان وجودها، وكان يتحدث عنها حديث العاشق المدله بحبها، كما كان له معرفة واسعة بالكتاب المطبوع، زماناً ومكاناً، وفرق ما بين الطبعات.
وقد لهذين الرجلين فضل ظاهر على جمهرة الدارسين والباحثين، وأشهد - وقد جلست إليهما زماناً وتعلمت منهما الكثير - أنهما دلا أعداداً كبيرة من طلبة الدراسات العليا على مصادر وموارد في أبحاثهم لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس، بل لعلهم لم يكونوا يقفون عليها لولا عنهما ومساعدتهما.
علماء المخطوطات:
ثم عرفت من علماء المخطوطات غير هذين الكثير، من أمثال صلاح الدين المنجد، وهو سوري تولى إدارة معهد المخطوطات بالقاهرة سنوات، كانت من
أزهى سنوات ذلك المعهد، وكان من أنشط وألمع من تولوا إدارة المعهد، وهو الذي حرك المعهد في أنشطته المختلفة، من تصوير ونشر وفهرسة، وكان أول رئيس تحرير لمجلة المعهد.
ومن المغرب عرفت أسماء كبيرة في علم المخطوطات، مثل محمد العابد الفاسي أمين المخطوطات بمكتبة القرويين بفاس، وكان جبل علم، مات وفي صدره الكثير، ومحمد إبراهيم الكتاني أمين المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط، وله دراسات كثيرة حول علم المخطوطات، وله أيضاً اكتشافات جيدة في نسبة المخطوطات المجهولة إلى أصحابها، أذكر منها هنا اكتشافه لنسبة مخطوطة الجزء الثاني من كتاب «تذكرة النحاة» لأبي حيان الأندلسي، وعبد السلام بن سودة صاحب كتاب «دليل مؤرخ المغرب الأقصى» ، والعلامة التقي التقي بقية السلف الصالح الشيخ محمد المنوني، زين المغرب الأقصى، ونور الرباط وبهجتها، جلست إليه ورويت عنه، وهو إلى جانب اشتغاله بعلم المخطوطات باحث عظيم، وله تحقيقات وتصانيف جياد - وبخاصة في تاريخ المغرب ومظاهر نهضته، ويبذل علمه في سخاء وأريحية لكل من يقصده أو يكاتبه، أطال الله في النعمة بقاءة.
وعرفت أيضاً من علماء المخطوطات: إبراهيم شبوح بتونس، ومحمد بن شريفة بالمغرب، ومن المملكة العربية السعودية علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، وعبد الرحمن بن سليمان العثيمين، ومن اليمن القاضي إسماعيل الأكوع، وأخاه القاضي محمد الأكوع، وعبد الله الحبشي، وهو باحث جيد، ومن العراق أسامة القنشبندي، وقاسم السامرائي، وله اهتمام خاص بتاريخ الورق وصناعته، ومن الكويت عبد الله يوسف الغنيم، وله اهتمام خاص بمخطوطات الجغرافيا العربية، ومن تركيا رمضان ششن.
وإنما استكثرت من ذكر هذه الأسماء - وقد عرفتها من خلال اشتغالي بهذا العلم سنوات ذات عدد - لأدلل على أن عالم المخطوطات في عالمنا العربي يرتبط
بأسماء بأعيانها، ومعظم هذه الأسماء إنما ارتبطت بهذا العلم لاهتمامات خاصة، ومن مخاطر الاهتمام الخاصة أنها تتوقف بتوقف أصحابها، بدواعي التوقف التي لا يمكن حصرها، ومعنى هذا أننا بحاجة إلى تأصيل هذا العلم، ولا سبيل إلى ذلك إلا الجامعات العربية، بأقسام المكتبات بها، أو بمراكزها العلمية، وأعلم أن أقسام المكتبات ببعض كليات الآداب تعنى بتدريس هذا العلم، ولكن بمناهج مخففة، وبالجوانب النظرية فقط، ثم بالاقتصار على أساتذة قسم المكتبات فقط، دون الاستعانة بخبراء هذا العلم الذين هم خارج الإطار الجامعي: أقول قولي هذا وأنا أعلم أن لبعض أساتذة أقسام المكتبات بالجامعات علماً بالمخطوطات ولكنهم قليلون، ولابد من الإفادة من هذه الخبرات التي ليست من أعضاء هيئة التدريس.
كما أني أعلم أيضاً حديث هذه الحلقات التي تقام بين الحين والآخر لدراسة شئون المخطوطات وقد كثرت هذه الحلقات في السنوات الأخيرة كثرة ظاهرة، ولكن التنسيق بينها مفقود، كما أن الجهود اللاحقة فيها لا تستفيد من الجهود السابقة، فكل في فلك يسبحون.
وأعقتد أن الحلقة المفقودة في مثل هذه الجهود أنها لا تتجه إلى تكوين جيل من الشباب يؤسس على المعرفة الصحيحة ليمضي في هذا الطريق على بصيرة، أما أن تلقى بحوث ومحاضرات بخاطب العلماء فيها بعضهم بعضاً، فهذا ما لا غناء فيه ولا طائل تحته. ومن جهات النقص في مثل هذه الحلقات أن الدول التي تدعى غليها والمؤسسات التي تشترك فيها ترسل في الغالب موظفين بدور الكتب وبالإدارات الثقافية بها، والموظف يحرص على أن يقدم تقريراً، لا أن يحصل علماً.
إن علماء المخطوطات يتناقصون يوماً إثر يوم، بالموت الذي لا يرد، وبالصوارف التي لا تدفع. وقد مات كثير من علماء المخطوطات وفي صدورهم الشيء الكثير، فبعضهم ضن واحتجن، وبعضهم تراخى وغره طول الأمل. ولهذا
فإني أدعو كل من أنعم الله عليه بشيء من هذا العلم أن ينشره ويذيعه، فإن الموت لا موعد له، وعلمه عند علام الغيوب.
ثم إنه من أوجب الواجبات على جامعتنا العربية أن تعتني بهذا العلم، وتجعل له من ميزانيتها نصيباً مفروضاً، وأن تستثمر من بقي من خبراء هذا العلم، لتتخرج عليهم أجيال جديدة، تمضي في الطريق وتكمل المسيرة، فلا ينقطع مدد هذا العلم الذي هو الأساس لاكتشاف المغيب من تراثنا، وتأكيد الثقة بما سلم لنا منه، من عوادي الناس والأيام.
* * *
تم القسم الأول من مقالات
العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي
ويتبعه القسم الثاني وفيه:
تتمة مقالاته رحمه الله تعالى