الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجامعة المصرية إلى أين؟
الكتاب الجامعي والطريق الصحيح
(1)
ذات يوم ضمنا مجلس علمي لقسم اللغة العربية بإحدى الكليات، وطرح رئيس المجلس قضية محالة على القسم من عميد الكلية، توصي بأخذ رأي الطالب في تقييم عمل الأستاذ وترقيته. ولم يكد رئيس القسم ينتهي من قراءة هذه التوصية حتى هبت ريح عاصفة كادت تدمر كل شيء، ومادت بنا الأرض، وعلا ضجيج، واختلطت أصوات، وجحظت عيون، وانطلقت ألسن تدفع الضيم وترد الحيف عن الأستاذ الجامعي، وتريد أن ترفعه إلى مكان علي لا ينال ولا يطال، وكأنه ذلك النبي المرسل المصطفى المختار من عباد الله، المؤيد بالوحي، الذي لا ينطق عن الهوى، المعصوم من الخطأ، المبرأ من الهوى، أو كأنه تلك الصخرة التي شبه بها سفيح بن رياح الفرزدق، في قوله:
إن الفرزدق صخرة ملمومة
…
طالت فليس تنالها الأوعالا
(وانتصاب الأوعال بطالت: أي طالت هذه الصخرة المشبه بها الفرزدق الأوعال. وإنما قال هذا؛ لأن مأوى الوعل أعالي الجبال. والوعل: هو التيس الجبلي)، وسمعنا في هذه الجلسة كلاماً ضخماً فخماً عن كرامة العلم وهيبة الجامعة. أما ذلك الطالب المسكين فقد جاءه الذم من كل مكان، ونال حظه موفوراً من التنقص والمعابة، وسوء الرأي وضعف التدبير.
(1) مجلة «الهلال» ، أكتوبر 1994 م.
وتركت القوم حتى سكنت فورتهم، وهدأت ثائرتهم، ثم قلت لهم: على رسلكم يا قوم اربعوا على أنفسكم، ولا تغضبوا ولا تفزعوا، وتعالوا إلى كلمة سوءا: أليس الطالب هو أساس العمل الجامعي كله؟ أليس هو قطب الرحى وعمود الصورة؟ فلماذا نحقر شأنه وإنما نحن أساتذة به؟ ونحن حين نعلمه ونخرجه إنما نتعلم العلم معه مرة أخرى، ولولاه لصدئت عقولنا وتقصفت أقلامنا، والطالب النابه - ولا زال موجوداً بجامعتنا ومعاهدنا والحمد لله - يستخرج من أساتذه علماً خبيئاً حين يدارسه ويفاتشه، وقد يفتح عليه أبواباً من النظر والعلم كانت موصدة دونه لولا مذاكر ذلك الطالب ومدارسته.
وفي موروثنا الثقافي كان التلميذ النابه يسمى صاحباً لشيخه: فأبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني صاحبا أبي حنيفة، والربيع بن سليمان صاحب الشافعي، وهو ناسخ كتابه العظيم «الرسالة» ، وكان الشافعي يقول له:«أنت راوية كتبني» ، وابن جني صاحب أبي علي الفارسي، بل قد تتوثق العلاقة وتشتد الآصرة فيصير التلميذ غلاماً لشيخه، كما ترى في أبي عمر الزاهد غلام ثعلب، فالتلاميذ أصحاب لشيوخهم، وتأمل عبارة الشافعي في الليث بن سعد رضي الله عنهما:«الليث أقفه من مالك إلا أن صحابه لم يقوموا به» .
فينبغي أن ينظر إلى الطالب على أنه صاحب ومشارك؛ لأن العالم لا يكون عالماً إلا بمتعلم، وينبغي أيضاً أن نحتشد لهذا الطالب احتشاداً، وأن نحبر له الكلام تحبيراً؛ تأليفاً ومحاضرات، وقد أدركنا جيلاً من الأساتذة والأشياخ - في مراحل تعليمنا كلها - كانوا يلقوننا بكثير من الجد والإسماح، ومنهم من كان يدور بعينيه علينا واحداً واحداً، في أثناء المحاضرة، يعطي كلا منا حظه من العناية والنظر، وكأنه يلتمس أمارات الرضا عما يقول، ومواقع القبول لما يلقي، بل إن منهم من كان يصرح فيقول: إيه رأيكم يا ولاد؟ كلام حلو؟ عليه نور؟ وكان أستاذنا عباس حسن رحمه الله إذا خاطب أحدنا في المحاضرة قال: «يا حضرة الأستاذ» ، مع أنه كان صاحب كبر وبأوٍ، مع كثير من زملائه، كما كنا نرى - ولا تحتجن علينا بقلة عدد