الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتفسير هذا أن علم التاريخ عند المسلمين ليس هو فقط تلك الكتب الحولية، مثل تواريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير، أو كتب الأحداث العامة، مثل مروج الذهب، والتنبيه والإشراف للمسعودي، وإنما يدخل فيه، بل يمثل الجانب الأكبر منه «فن التراجم والطبقات» وهو بحر خضم.
وينبغي أن يكون واضحاً أن «فن التراجم» عند المؤرخين المسلمين لا يعنى فقط بذكر أحوال المترجم من حيث مولده ووفاته، وشيوخه وتلاميذه، وعلمه وتآليفه، بل إنه غالباً - وبخاصة في الموسوعات - أو عاصرها، أو كان منها، أو كانت منه بسبب، بل إن بعض مصنفي كتب التراجم يعرض للحوادث والأحداث بدواعي الاستطرادليس غير، والاستطراد سمة من سمات التأليف عند كثير من علمائنا ومؤرخينا.
وعلى سبيل المثال فإن كتاباً موسوعياً مثل «طبقات الشافعية الكبرى» لتاج الدين السبكي، يضعه مصنفو العلوم في فن التراجم والطبقات، إذ كان مؤلفه قد أقامه على تراجم الفقهاء الشافعية منذ إمامهم محمد بن إدريس الشافعي في أوائل القرن الثالث، إلى منتصف القرن الثامن، ولكن النظر الصحيح يضعه في المكتبة العربية كلها، إذ كان مؤلفه قد أداره على علوم كثيرة، فهو لا يكاد ينتهي من ترجمة الرجل على رسمها المعروف حتى يخلص إلى مسائل من علم الرجل وفقهه، تفضي به إلى استطرادات ومداخلات كثيرة تكاد تأتي على جمهور علوم العربية، ثم كان لأحداث التاريخ عنده النصيب الأوفى، فأنت تجد عنده أحاديث ضافية عن حادثة الصليبيين، وكائنة التتار، وقصة جنكيزخان وحفيده هولاكو، (انظر مثلًا الطبقات: 1/ 328 - 343، 7/ 344 - 369، 8/ 268 - 277).
وقل مثل هذا في كثير من موسوعات كتب التراجم، مثل وفيات الأعيان لابن خلكان، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ونفح الطيب للمقري.
مناهج كتب التراجم:
ولقد تفنن المؤرخون المسلمون في كتب التراجم تفنناً عجيباً، وأخذت
تصانيفهم في هذا الفن طرائق شتى: فبعد كتاباتهم الأولى في السيرة النبوية والشمائل والمغازي، جاءت تصانيفهم موزعة مفرقة على تراجم الصحابة والتابعين، والقراء والمفسرين، والمحدثين والرواة، وفقهاء المذاهب الأربعة، والأصوليين، والشيعة والمعتزلة، والزهاد والصوفية، والوعاظ والقصاص والمذكرين، والأدباء والشعراء، واللغويين والنحاة، والأطباء الحكماء والفلاسفة، والقضاة، والخلفاء والوزراء، والمؤرخين والنسابين، ثم تراجم النساء، ولكل طائفة من هذه الطوائف كتب تراجم خاصة بهم.
ثم يأتيك هذا الفن أيضاً في التراجم على البلدان، مثل أخبار مكة والمدينة والقدس ومصر واليمن وبغداد والموصل والشام، وجرجان وأصبهان، وإربل وواسط، والمغرب والأندلس، والكتب في هذين القطرين فيض زاخر.
وكذلك في التراجم على القرون: كالدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني، والضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين السخاوي، وما جاء بعد ذلك إلى القرن الرابع عشر (انظر هذه السلسلة من التراجم على القرون في كتابي:«الموجز في مراجع التراجم والبلدان» ص 74، وانظر كتب التاريخ بمناهجها المختلفة في:«الوافي بالوفيات» للصفدي 1/ 47).
ثم تأتي التراجم العامة - وهي كتب التاريخ عند بعض الناس ممن يظنون أنها كتب التاريخ فقك، ولا كتب للتاريخ غيرها - وهذه التراجم العامة على قسمين:
(أ) التراجم المرتبة على السنين، وذلك في كتب التاريخ المعروفة بالحوليات، كتاريخ الأمم والملوك للطبري، والكامل لعز الدين بن الأثير، والمختصر في أخبار البشر لأبي الفداء الملك المؤيد صاحب حماة، والعبر في خبر من عبر (بالعين المهملة وليس بالغين المعجمة) للذهبي، والسلوك للمقريزي، والنجوم الزاهدة لابن تغري بردي، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي.
(ب) التراجم المرتبة على الأسماء، ومن أبرزها وأشهرها: وفيات الأعيان
لابن خلكان، وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي، والوافي بالوفيات للصفدي، وسير أعلام النبلاء للذهبي.
ثم تأتيك التراجم أيضاً في كتب أنساب العرب، مثل جمهرة النسب لابن الكلبي، ومختلف القبائل ومؤتلفها لابن حبيب، والاشتقاق لابن دريد، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم، والإيناس بعلم الأنساب للوزير المغربي، وعجالة المبتدي وفضالة المنتهي في النسب لأبي بكر الخازمي.
وفي كتب الأنساب بوجه عام: إلى قبيلة، أو بلد، أو صناعة، أو مذهب، أو شيخ. ومن هذه الكتب: الأنساب، لأبي سعد السمعاني - والتراجم في هذا الكتاب غنية جداً -، واللباب في تهذيب الأنساب، لعز الدين بن الأثير، ولب اللباب في تحرير الأنساب، للسيوطي.
وفي كتب ضبط الأعلام والكنى والألقاب والأنساب، مثل: المبهج في تفسير أسماء شعراء الحماسة، لابن جني، والإكمال في رفع الارتياب عن المختلف والمؤتلف من الأسماء والكنى والأنساب، للأمير ابن ماكولا، وتكملة الإكمال، لابن نقطة البغدادي الحنبلي، والمشتبه في الأسماء والأنساب والكنى والألقاب، للذهبي، وتوضيح المشتبه، للحافظ ابن ناصر الدين، وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه، لان حجر العسقلاني.
وفي كتب البلدان (الجغرافيا العربية) مثل: «معجم ما استعجم» للبكري، و «معجم البلدان» لياقوت الحموي، و «الروض المعطار في خبر الأقطار» للحميري.
وتأتيك التراجم أيضاً في علم قوائم الكتب (الببليوجرافيا العربية) التي حدثتك عنها قريباً.
ومن هذا الفن فرع مهم جداً، وهو ما يعرف بالمعاجم والفهارس والمشيخات والأثبات والبرامج: وهو لون من التأليف يجمع بين الشيوخ والكتب، فقد جرى كثير من العلماء على أن يصنع لنفسه معجماً أو فهرساً أو مشيخة أو ثبتاً أو برنامجاً، يذكر فيه شيوخه الذين أخذ عنهم العلم، والكتب التي سمعها منهم، مسندةً إلى مؤلفيها.
ومن فوائد هذا اللون من التأليف أنك ترى من حياة الشيوخ في تلك الكتب وخاصة أمرهم، ودقائق سلوكياتهم ما لا تراه في كتب التراجم العامة والخاصة، وما ظنك بتلميذ يكتب عن شيخه؟ والكتب في هذا اللون كثيرة، ومن أشهرها كتاب «فهرسة ما رواه عن شيوخه أبو بكر محمد بن خير الإشبيلي» ، وأحب أن أسجل هنا أن عناية العلماء المغاربة بهذا الفن أظهر وأبين من عناية العلماء المشارقة. وقد كتب في ذلك كلاماً جيداً الدكتور عبد العزيز الأهواني يرحمه الله، في العدد الثاني من مجلة معهد المخطوطات بالقاهرة.
ثم تأتي التراجم أيضاً في ذلك اللون من التأليف الذي يديره المصنفون حول علم واحد أو اثنين أو ثلاثة، ثم يستطردون من ذلك إلى تراجم أخرى بالتبعية أو المناسبة، كما ترى في: مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد ابن الحسن الشيباني، للذهبي، ومناقب الشافعي، للبيهقي، ومناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي، والانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء: مالك والشافعي وأبي حنيفة، لان عبد البر، وتبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، لابن عساكر، وسيرة عمر بن عبد العزيز، لابن عبد الحكم، وسيرة عمر أيضاً، لابن الجوزي، والمصباح المضيء في خلافه المستضيء لابن الجوزي - وسأعيد حديثاً عنه مرة أخرى - ومحاسن المساعي في مناقب الإمام أبي عمرو الأوزاعي، لأحد رجال القرن التاسع، كما ذكر محققه وناشره الأمير شكيب أرسلان.
وتأتيك التراجم أيضاً فيما يسمى بكتب الحضارة الإسلامية، مثل المعارف لابن قتيبة، والمحبر والمنمق، كلاهما لابن حبيب، ومروج الذهب والتنبيه والإشراف، كلاهما للمسعودي، والأوائل، لأبي هلال العسكري، ولطائف المعارف، لأبي منصور الثعالبي.
وتأتي التراجم أيضاً في تلك الكتب التي يظن أنها من كتب المسامرات والمفاكهات والطرائف، مثل: أخبار الأذكياء، وعقلاء المجانين، وأخبار الحمقى والمغفلين، وأخبار الظراف والمتماجنين، وكل أولئك لأبي الفرج ابن الجوزي،