الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلام منقوض من جهاته كلها، لكن الذي يعنيني منه هنا استشهاده على تجاوز القواعد النحوية بالقراءة المنسوبة للإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت، وذلك قوله تعالى:{إنما يخشى الله من عباده العلماء} ، برفع لفظ الجلالة ونصب {العلماء} ، وعندي في هذه القراءة كلام كثير لا يتسع له هذا الموضوع، لكني أوجزه فيما يلي:
أولاً: هذه قراءة منكرة، لا شاذة، كما ذكر الأستاذ حجازي، وفرق كبير في علم القراءات بين القراءة المنكرة والقراءة الشاذة، فالقراءة المنكرة مرفوضة، أما القراءة الشاذة فإن لها حدوداً ومعالم، وليس وصف القراء بالشاذة غضباً منها أو تهمة لها، وإنما وصفت القراءة بالشذوذ لخروجها عن قراء القرَّاء العشرة المعتبرين. ولذلك يقول ابن جني في مقدمة كتاب المحتسب، عن هذا الشاذ: «إلا أنه مع خروجه عنها - أي عن القراءات العشر - نازع بالثقة إلى قرائه، محفوف بالرواية من أمامه وورائه، ولعله، أو كثيراً منه، مساو في الفصاحة للمجتمع عليه.
ونعم وربما كان فيه ما تلطف صنعته، وتعنُف بغيره فصاحته
…
».
القراءات الشاذة:
وقراء القراءات الشاذة أربعة من كبار علماء العربية وهم: ابن محيصن، ويحيى اليزيدي، والحسن البصري، وسليمان الأعمش. وقد ألّفت كتب في ذكر قراءتهم وتوجيهها، وعندي من كتب توجيه القراءات الشاذة هذه ثلاثة كتب، أولها: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لان جني المتوفى سنة 392 هـ، ومختصر في شواذ القراءات لابن خالويه المتوفى سنة 370 هـ.
والقراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب للشيخ عبد الفتاح القاضي، وهو عالم قراءات مصري كبير، توفي منذ عشر سنوات، سنة 1403 هـ، ولا ذكر لهذه القراءة المنسوبة لأبي حنيفة وللخليفة عمر بن عبد العزيز في هذه الكتب الثلاثة، وكذلك لم أجد لها ذكراً في كتاب الدمياطي: إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر.
ثانياً: ذكر الآلوسي في كتابه روح المعاني 22/ 191: أن صاحب النشر - وهو ابن الجزري - طعن في هذه القراءة. وقال أبو حيان في البحر المحيط 27/ 312 بعد أن ذكر نسبة هذه القراءة إلى عمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة: «ولعل ذلك لا يصح عنهما، وقد رأينا كتباً في الشواذ ولم يذكروا هذه القراءة، وإنما ذكرها الزمخشري» .
قلتُ: نعم ذكرها الزمخشري في الكشاف 3/ 308، وعبارته:«فإن قلت: فما وجه قراءة من قرأ: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، وهو عمر بن عبد العزيز ويحكى عن أبي حنيفة؟ قلتُ: الخشية في هذه القراءة استعارة. والمعنى: إنما يجلهم ويعظمهم، كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس من بين جميع عبادة» . انتهى كلام الزمخشري.
وتأمل قول: «ويحكى عن أبي حنيفة» ، فهو أسلوب غير قاطع بنسبة هذه القراءة إلى الإمام الأعظم. وأيضاً فإنَّ انفراد الزمخشري بذكر هذه القراءة وتوجيهه لها على أسلوب الاستعارة يتفق مع منهجه الذي غلب عليه في تفسيره، وهو العناية بالمجاز والاستعارة وتنزيل الكلام عليهما، وواضح أن تفسير الآية الكريمة على نصب لفظ الجلالة {الله} ورفع {العلماء} إنما هو على الخشية الحقيقية، وتفسيرها على العكس، بالرفع والنصب إنما هو على المجاز، كما سبق. فليس معنى الآية واحداً في القراءتين، كما فهم الأستاذ حجازي!
ثالثًا: لم يلتفت إلى هذه القراءة المنكرة أئمة المفسرين الثقات: من أمثال أبي جعفر الطبري، وأبي الفرج ابن الجوزي، وأبي الفداء ابن كثير، فلم يأت في تفاسيرهم شيء عنها البتة.
رابعاً: هذه القراءة المنكرة المنسوبة لأبي حنيفة ليست أول حكاية عن مخالفته لقواعد اللغة والنحو، فقد رُوِي عنه غيرها، كما تراه في ترجمة الخطيب البغدادي له في تاريخ بغداد 13/ 332، ويرى المحققون أن الحامل للخطيب على