الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليدى لهم ميلغة (1) الكلب، حتى إذا لم يبقَ لهم شيء يطلبونه، بقى مع على بقية من المال. فقال علي: هذه بقية من المال لكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أصاب مما لا يعلمه ولا تعلمونه. فأعطاهم ذلك المال، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره (2).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استقرض المال الذي دفعه ديات وتعويضات لبني جذيمة. استقرضه، لأنه لم يكن لدى المسلمين مال عند فتح مكة .. قالوا: استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المال من ثلاثة من كبار تجار مكة وهم حويطب بن عبد العزّى، وصفوان بن أمية، وعبد الله بن أبي ربيعة (3).
حقيقة موقف خالد من قتل بني جذيمة
ليس هناك شك في أن القائد خالدًا قد أخطأ في قتله مَن قتل من بني جذيمة، ولو لم يكن قتلهم ومصادرة أموالهم خطأ ما دفع الرسول صلى الله عليه وسلم لهم الديات والتعويضات. كما أن مما لا جدال فيه أن تصرف خالد الذي انتهى بقتل من قتل من بني جذيمة ناتج عن خطأ في الاجتهاد، فلم يقتلهم عن عمد وإصرار مع علمه أنهم مسلمون. بل حدث التباس في الأمر، فجرى قتلهم على اعتبار أنه أمر بالإغارة عليهم وانطلاقًا من الظن أنهم غير مسلمين. وهذه حقيقة يسندها أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع الديات عن القتلى لبنى جذيمة، ولو ثبت أن خالدًا قتلهم (مع تيقنه أنهم مسلمون) لنفذ فيه الرسول حكم القصاص، ولكن عنصر الخطأ الناتج عن الخطأ في الاجتهاد، لما كان موجودًا في القضية، اكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم بدفع ديات من قتل خالد من بني جذيمة. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم رضي بعد ذلك عن خالد بعد أن كان قد غضب عليه وأعرض عنه فترة من الزمن.
بل لقد جاء في بعض الروايات (صريحًا) أن خالدًا إنما قتل مَن قتل من بني جذيمة بعد أن امتنعوا منه واستعدوا لمقاتلته رغم إعطائهم مهلة كافية نهايتها صلاة العشاء.
(1) الميلغة: الإناء بلغ فيه الكلب.
(2)
سيرة ابن هشام ج 4 ص 72 - 73 ومغازي الواقدي ج 3 ص 880 - 881 - 882.
(3)
مغازي الواقدي ج 3 ص 882.
فقد قال الواقدي: وحدثني سيف بن يعقوب بن عتبة عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن عبد الملك بن عبد الرحمن بن الحارث، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد يغير علي بني كنانة إلا أن يسمع أذانًا أو يعلم إسلامًا، فخرج حتى انتهى إلى بني جذيمة فامتنعوا أشد الامتناع، وقاتلوا وتلبَّسوا السلاح، فانتظر بهم صلاة العصر والمغرب والعشاء، لا يسمع أذانًا، ثم حمل عليهم فقتل من قتل وأسر من أسر فادَّعوا بعد الإسلام.
قلت: بل مما يؤكد الالتباس في مشكلة بني خذيمة ؤان خالدًا أخطأ في قتلهم عن عدم سوء نية ما جاء في صحيح البخاري ج 5 ص 203 من رواية الزهري عن سالم عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا، صبأنا. فجعل خالد يقتل نهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسرى، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين.
وقال بعض من يعذر خالدًا: إن خالدًا قال - لا وجه إليه اللوم - ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمى (1) وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام (2).
وجاء في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه ما حدث لبنى جذيمة على يد خالد سأل رجلًا ممن انفلت من الجيش بالخبر: هل أنكر عليه (أي خالد) أحد فقال: نعم، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة، فنهمه خالد فسكت عنه. وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب، فراجعه، فاشتدت مراجعتهما. فقال عمر بن الخطاب: أما الأول يا رسول الله فابنى عبد الله، وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة (3).
(1) انظر ترجمته (في كتابنا صلح الحديبية).
(2)
سيرة ابن هشام ج 734.
(3)
سيرة ابن هشام ج 4 ص 72.