الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان (للهجرة).
وكان سادنها أفلح بن نُضر الشيبانى من بني سليم، فلما حضرته الوفاة دخل عليه وهو حزين، فقال له أبو لهب: ما لي أراك حزينًا؟ قال: أخاف أن تضيع العزى من بعدى. قال أبو لهب: فلا تحزن، فأنا أقوم علها بعدك. فجعل كل من لقى قال: إن تظهر العزى كنت قد اتخذت يدًا عندها بقيامى علها، وأن يظهر محمد على العزى - ولا أراه يظهر - فابن أخي.
فأنزل الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ويقال: إنه قال هذا في اللات (1).
تاريخ العزي
يدل سياق المختصين بتاريخ الأصنام ونشوء الوثنية في جزيرة العرب أن الصنم (مناة) أقدم وجودًا من الصنم (العزى). وأن العزى إنما اتخذتها قريش وغيرها من العرب إلهًا من دون الله، بعد اللات ومناة، فقد ذكر الكلبى في كتابه (الأصنام) أن العزّى أحدث من اللات ومناة، وعلل ذلك بقوله: إننى سمعت العرب سمَّت بهما قبل (العزى)، فوجدت تميم بن مر سمى ابنه (زيد مناة) بن تميم بن مر بن أن بن طابخة، وعبد مناة بن أد، وباسم (اللات) سمى ثعلبة بن عكابة ابنه (تيم اللات) .. وتيم اللات بن رفيدة بن ثور .. و (زيد اللات) بن رفيدة بن ثور بن وبرة بن مر بن أن بن طابخة .. و (تيم اللات) بن افر بن قاسط و (عبد العزى) بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم فهي (أي العزى) أحدث من الأوليين.
أول من تسمى باسم العزّى من العرب:
وكان عبد العزى بن كعب من أقدم ما سمت به العرب .. وكان الذي اتخذ العزى ظالم بن سعد.
كانت بواد من نخلة الشامية يقال له حراض بإزاء العُمير عن يمين المصعد إلى العراق من مكة، وذلك فوق ذات عرق إلى البستان بتسعة أميال فبنى علها
(1) الوقدى ج 3 ص 378 وما بعدها.
(يريد بيتًا)، وكانوا يسمعون فيه الصوت، وكانت العرب وقريش تسمى بها عبد العزى، وكانت أعظم الأصنام عند قريش، وكانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح (1).
وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول.
واللات والعزى
…
ومناة الثالثة الأخرى
فإنهن الغرانيق العلى
…
وإنَّ شفاعتهن لترتجى
وكانوا يقولون .. بنات الله عز وجل عن ذلك) وهن يشفعن إليه. فلما بعث الله رسوله أنزل عليه {أَفَرَأَيتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إلا أَسْمَاءٌ سَمَّيتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} (2).
وكانت قريش قد حمت للعزى شعبًا من وادي حراض يقال له سقام. يضاهون به حرم مكة، فذلك قول أبي جندب الهذلى ثم القردى في امرأة كان يهواها فذكر حلفها له بالعزى:
لقد حلفت جهدًا يمينًا غليظة
…
بفرع الذي أحمت فروع سقام
لئن أنت لم ترسل ثيابى فانطلق
…
أباديك أخرى عيشنا بكلام
يعز عليه صَرم أم حويرث
…
فأمسى يروم الأمر كل مرام
ولها يقول درهم بن زيد الأوسي:
إني وبيت العزى السعيدة
…
والله الذي دون بيته سرف
وكان لها منحر ينحرون فيه هداياها يقال له الغُبَغُب.
فله يقول الهذلى وهو يهجو رجلًا تزوج امرأة جميلة يقال لها أسماء:
لقد أنكحت أسماء الحى بُقَيرة
…
من الأدم أهداها امرؤ من بني غَنم
رأى قذعًا في عينها إذ يسوقها
…
إلى غبغب العزّى فوضع في القسم
(1) كتاب الأصنام ص 19 نشر الدار القومية للطباعة والنشر - القاهرة.
(2)
النجم 19 - 22.
فكانوا يقسمون لحوم هداياهم فيمن حضرها وكان عندها. فلغبغب، يقول نهيكة الفزاري العامر بن الطفيل:
يا عام لو قدرت عليك رماحنا
…
والرقصات إلى منى فالغبغب
لتقيت بالجعّاء طعنة فاتك
…
مُران أو لثويت غير محسب
وله يقول قيس بن منقذ بن عبيد بن ضاطر بن حبشية بن سلول الخزاعي (ولدته امرأة من بني حداد من كنانة) وهو قيس بن الحدادية الخزاعي:
تلينا ببيت الله أول حلفة
…
وإلا فأنصاب يسُرنَ بغبغب
وكانت قريش تخصها بالإِعظام .. فلذلك يقول زيدين بن عمر بن نفيل. وكان قد تأله في الجاهلية وترك عبادتها وعبادة غيرها من الأصنام:
تركت اللات والمعزى جميعًا
…
كذلك يفعل الجلدُ الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها
…
ولا صنمى بني غنم أزور ..
ولا هُبلًا أزور وكان ربًا
…
لنا في الدهر إذ حلمى صغير
وكان سدنةُ العزّى بنو شيبان بن جابر بن مرة بن عبس رفاعة بن الحارث بن عتبة بن سليم بن منصور من بني سليم، وكان آخر بن سدنها منهم دبية بن حرمى السلمي، وله يقول أبو خراش الهذلى - وكان قدم عليه فحذاه نعلين جيدتين فقال:
حذانى بعدما خذمت نعالى
…
دبيّة إنه نعم الخليل
مقابلتين من صلوى مشبّ
…
من الثيران وصلهما جميل
فنعم معرِّس الأضياف
…
تذحى رحالهم شآمية بليل
يقاتل جوعهم بمكللات
…
من الفرنى يرعبها الجميل
فلم تزل العزى كذلك حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم فعابها وغيرها من الأصنام، ونهاهم عن عبادتها ونزل القرآن فيها.
فاشتد ذلك على قريش، ومرض أبو أحيحة (وهو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف) مرضه الذي مات فيه، فدخل عليه أبو لهب يعوده، فوجده يبكى. فقال: ما يبكيك يا أبا أحيحة؟ أمن الموت تبكى ولابد منه؟ قال: لا. ولكنى أخاف ألا تعبد العزى بعدى. قال أبو لهب: والله ما عبدت في حياتك لأجلك، ولا تترك عبادتها بعدك لموتك فقال أبو
أحيحة: الآن علمت أن لي خليفة، وأعجبه شدة نصبه في عبادتها.
قالوا: فلما كان عام الفتح دعا النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقال: انطلق إلى شجرة ببطن نخلة فاعضدها، فانطلق فأخذ دُبية فقتله، وكان سادنها، فقال أبو خراش الهذلى في دُبية يرثيه:
ما لدُبيّة منذ اليوم لم أره
…
وسط الشروط ولم يلمم ولم يطف (1)
لو كان حيًّا لغاداهم بمترعة
…
من الرواويق من شيزى بني الهطف (2)
ضخم الرماد عظيم القدر جفنته
…
حين الشتاء كحوض المنهل اللقف (3)
أمسى سقام خلاء لا أنيس به
…
إلا السباع ومَر الريح بالغرف
قالوا: وكان سعيد بن العاص أبو أحيحة يعتمّ بمكة، فإذا اعتم لم يعتم أحد بلون عمامته.
وعن ابن عباس. قال: كانت العزى شيطانة تأتى ثلاث مرات ببطن نخلة.
ولم تكن قريش بمكة ومن أقام بها من العرب يعظمون شيئًا من الأصنام إعظامهم العزى. فكانت قريش تخصها دون غيرها بالزيارة والهدية، وكانت ثقيف تخص اللات كخاصة قريش العزى. وكانت الأوس والخزرج تخص مناة كخاصة هؤلاء الآخرين، كلهم كان معظمًا لها (أي العزى).
ولم يكونوا يرون في الخمسة الأصنام التي دفعها عمرو بن لحيٍّ وهي التي ذكرها الله تعالى في القرآن المجيد حيث قال: {وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} كرأيهم في هذه ولا قريبًا من ذلك (4)
(1) يطف: أي يطيف من الطوفان، من طاف يطيف.
(2)
الهطف بطن من بني عمر بن أسد.
(3)
اللقف الخوص المتكسر.
(4)
كتاب الأصنام للكلبى ص 17 إلى 27.