الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لسنوات، كما أن الماء من العيون والآبار متوفرة لديهم بكثرة.
وكان المسلمون في العراء مكشوفين ومعرضين لسهام الثقفيين ومعابلهم. الأمر الذي يجعل المسلمين أكثر تعرضًا للخطر بينما الثقفيون في بلادهم ومعتصمون بحصونهم عندهم أهلهم وأبناءهم، ولم تُجدِ المحاولات الجدية المضنية التي بذلها جيش الإِسلام لاقتحام أسوار الطائف، حيث كانت قوية وعالية ومنيعة، يحميها مقاتلون ورماة ماهرون في القصف بالنبل والمعابل. واستخدام الأسلحة الثقيلة من راجمات باللهب وغيرها.
استمر المسلمون في محاولاتهم فتح الطائف خمسة عشر يومًا (1) وبعض المؤرخين يقول إن الحصار استمر أكثر من عشرين يومًا (2).
وقد فقد المسلمون (وهم يجاهدون لفتح الطائف) اثنى عشر شهيدًا (3) مقابل رجلين من مشركى ثقيف قتلهما المسلمون أثناء الحصار. وجميع شهداء المسلمين، قتلوا رميًا بسهام ثقيف التي كانوا يقصفون بها المسلمين من الأبراج والأسوار.
الرسول يستشير الخبراء بشأن استمرار الحصار أو فكه
وبعد مضى خمسة عشر ليلة أو عشرين على محاصرة الطائف دونما أية نتيجة إيجابية لصالح الجيش الإِسلامي تدارس الرسول صلى الله عليه وسلم الموقف مع بعض كبار مستشاريه والخبراء في الجيش حول ما إذا كان من المفيد استمرار الحصار أم فكه عن الطائف.
وقد انتهت المشاورات إلى اقتناع النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس من مصلحة الجيش الإِسلامي الاستمرار في الحصار. ولذلك قرر أن يفك الحصار عن الطائف ويعود إلى مكة تاركًا ثقيفًا وشأنها حتى يأتي الله بها فتدخل في الإِسلام طائعة بعد أن تجد نفسها معزولة ومحاطة بعناصر عربية كلها دخلت في الإِسلام.
كما جاء في بعض الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يأذن الله في ثقيف (أي
(1) مغازي الواقدي ج 3 ص 936.
(2)
الطبري ج 3 ص 83.
(3)
البداية والنهاية ج 4 ص 351.
باقتحامهم بقوة السلاح).
فقد جاء في الأثر: أن خولة بنت حكيم بن أمية السلمية (وهي امرأة عثمان) قالت: يا رسول الله أعطنى -إن فتح الله عليك الطائف- حلى بادية بنت غيلان بن مظعون بن سلمة، أو حلى الفارعة بنت عقيل- وكانتا من أحلى نساء ثقيف. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة؟ .
فذكرت خويلة ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما حديث حدثتنيه خويلة، زعمت أنك قلته؟ قال: قد قلته، قال: أوما أذن لك فيهم يا رسول الله؟ قال: (لا) قال عمر: أفلا أؤذن بالرحيل؟ قال بلى فأذّن عمر بالرحيل (1).
كذلك ذكر أهل السير أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا فسرت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لن ينال من ثقيف في حصاره لهم ما يريد. وخلاصة هذه الرؤيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق: إنّ رأيت أنى أهديت لي قعبة (2) مملؤة زبدًا، فنقرها ديك فأهرق ما فيها. قال أبو بكر: ما أظن أن تدرك منهم يا رسول الله يومك هذا ما تريد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا لا أرى ذلك (3).
وذكر أصحاب المغازي أن الرسول صلى الله عليه وسلم استشار الخبير المجرب نوفل بن معاوية الديلي (4) بشأن حصار الطائف بعد أن استعصى على المسلمين فتحها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنوفل بن معاوية: ما تقول أو ما ترى في المقام عليهم؟ فقال نوفل: يا رسول الله، ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك شيئًا (5).
(1) سيرة ابن هشام ج 3 ص 127 ومغازي الواقدي ج 3 ص 935 والبداية والنهاية ج 4 ص 350 والسيرة الحلبية ج 2 ص 242.
(2)
القعبة (بفتح القاف): القدح.
(3)
مغازي الواقدي ج 3 ص 936 وسيرة ابن هشام ج 4 ص 127 والبداية والنهاية ج 4 ص 350.
(4)
انظر ترجمة نوفل بن معاوية في كتابنا (فتح مكة).
(5)
البداية والنهاية ج 4 ص 350 وتاريخ الطبري ج 3 ص 84 ومغازي الواقدي ج 3 ص والسيرة الحلبية ج 2 ص 242.