الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد ذكر المقريزى في كتابه (إمتاع الأسماع) أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحرك بجيشه من المدينة صوب مكة، قدم جريدة من الخيل طليعة، فألقت هذه الطليعة القبض على رجل من هوازن، كان يعمل في جهاز استخبارات مالك بن عوف سيد هوازن وقائدها، ليمد هذا الجهاز بما يحتاج من أخبار عن المسلمين، وتحركات جيشهم الذي كانت هوازن تتوقعه بعد نقض قريش صلح الحديبية.
فعندما مَثَلَ هذا الجاسوس الهوازنى بين يدي القائد الأعلى النبي، سأله (أثناء استجوابه) عن حقيقة الوضع العسكري الذي عليه قبائل هوازن فقال:
قد جمعوا الجموع وأجلبوا العرب، وبعثوا إلى ثقيف فأجابتهم، فتركت ثقيفًا قد جمعوا الجموع وأجلبوا العرب وبعثوا إلى جرش في عمل الدبابات والمنجنيق، وهم سائرون إلى هوازن، فيكونون جميعًا .. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وكل هوازن قد أجاب؟ . قال الجاسوس: كلا، أبطأ من بني عامر، كعب وكلاب.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (معقبًا على ما أدلى به جاسوس هوازن من معلومات): ما أراه إلا صدقنى، ثم أمر بحبسه حبسًا تحفظيًا (1).
استخبارات الرسول في ديار هوازن
وهكذا فالرسول القائد صلى الله عليه وسلم قد كان علي علم بما يجرى في ديار هوازن، فلم يكن (بعد استيلائه على مكة) غافلًا عما يجرى هناك.
فقد كان (كما هو واضح) على علم بالعداوة الشديدة التي تضمرها له قبائل هوازن، والنية المبيتة التي تحمل في نفوس هذه القبائل العزم على غزو المسلمين أينما كانوا.
فقد أبلغت الرسول صلى الله عليه وسلم عيونه (استخباراته) التي بثها بين يديه- وهو يتحرك بالجيش نحو مكة قبل فتحها- أبلغته أن هناك تحشدات واسعة تقوم بها الأحلاف من هوازن .. القصد منها مواجهة المسلمين في معركة فاصلة.
(1) انظر إمتاع الأسماع.
إلا أن المعلومات عما يجرى في ديار هوازن ضد المسلمين لم تكن متكاملة لدى الرسول القائد صلى الله عليه وسلم لأن أحدًا من رجال استخباراته (بالذات) لم يكن قد ذهب إلى ديار هوازن، واختلط هناك بالقوم ورأى بعينه وسمع بأُذنه ما يجرى ضد المسلمين.
لذلك قرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث رجلًا من أصحابه إلى ديار هوازن ليجمع له كل المعلومات اللازمة عن كل ما يجرى هناك ضد المسلمين.
فكان رجل الاستخبارات الذي وقع عليه اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للقيام بهذه المهمة الخطيرة، رجلًا من بني سليم المجاورة ديارهم لديار هوازن، وهذا الرجل هو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي (1). الصحابي الشهير، والبطل المشهور في معارك خيبر.
فقد استدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم وكلفه بأن يذهب إلى ديار هوازن، وأن يتنكر لئلا يعرف أحد من هوازن حقيقته، ولكى يتمكن من الاختلاط بهم، ويعرف كل ما يجب أن يلم به الرسول صلى الله عليه وسلم ومدى قوتهم وأى الطرق يريدون سلوكه، إلى غير ذلك مما يجب أن يعرفه قائد مسئول عن حقيقة عدوه من كل النواحى.
وقد صدع ابن أبي حدر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فذهب إلى مقر قيادة هوازن بأرضهم فاختلط بمختلف القيادات الرئيسية والفرعية هناك، واندس داخل جموع القبائل، واستمر هناك عدة أيام يدوِّن في ذاكرته كل ما يهم رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم من معلومات عن تلك الحشود الهوازنية.
وبعد أن رأى عبد الله بن أبي حدرد، أنه قد حصل على ما فيه الكفاية من معلومات يحتاجها الرسول القائد صلى الله عليه وسلم انسل من بين جوع هوازن التي توافدت الآلاف من كل عشيرة وفخيذة منها إلى حيث يعسكر قائدها العام مالك بن عوف النصرى مجيبة دعتهه إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت هوازن (كما قلنا) جيلًا عظيمًا ذا أفخاذ وبطون عظيمة تحتل ديارها مساحة عظيمة من الجزيرة متداخلة من الحجاز ونجد. فهي قبيلة حجازية نجدية.
(1) انظر ترجمة عبد الله بن أبي حدرد في كتابنا (غزوة خيبر).