الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجعل الخيل في مقدمة الجيش، أسلوب يتبعه النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا في حروبه عندما تكون لديه في الجيش خيل متوفرة، لأن الخيل في ذلك العصر أقوى سلاح في أي جيش على الإطلاق، وهو بمثابة سلاح المدرعات في هذا العصر.
كيف عبأ قائد هوازن قواته في حنين
أما قائد هوازن وملكها فقد كان شابًّا في عنفوان شبابه، وهو مالك بن عوف النصرى الذي كان يقود عشرين ألفًا من هوازن يقابلهم (فقط) في الجانب الإسلامي إثنا عشر ألف مقاتل.
كان مالك رغم صغر سنه (وكما دل أسلوبه في تعبئة جيشه) محاربًا ممتازًا من الدرجة الأولى، وكان خبيرًا عسكريًا ومحنكًا في رسم الخطط للمعارك ووضع الكمائن، بالإضافة إلى الشجاعة المتناهية التي بلغت حد التهور .. وكان مع كل هذا يتمتع بسلطات مطلقة على جميع عشائر هوازن، لأنه كان بمنزلة الملك بينهم توَّجوه واعترفوا بسلطانه المطلق.
لقد كانت خطة مالك بن عوف التي رسمها للمعركة خطة محكمة دقيقة أكسبته الجولة الأولى في أول الصدام، حيث أنزلَ بالمسلمين هزيمة منكرة، مزقت كتائبهم، وجعلت بعضهم يدوس بعضًا وهم يفرّون من الشعاب عند طلوع الفجر في اتجاه مكة لا يلوون على شيء، وكادت تكون النهاية المفجعة للجيش الإِسلامي، لولا أن ثبت الله الرسول القائد صلى الله عليه وسلم ونفرًا قليلًا من خلصاء أصحابه، استبسلوا وثبتوا حول نبيهم وأهابوا بالمنهزمين أن يعودوا إلى ساحة الوغى، فعادوا وجالدوا المشركين أعنف مجالدة وقاتلوهم أشرس قتال بقيادة نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى دارت الدائرة على الكفار ونزلت بهم الهزيمة الساحقة. وكتب الله النصر المؤزر للمسلمين.
أما أسلوب القائد مالك بن عوف في تنظيم جيشه وتعبئته وإعداده للمعركة فقد كان كما يلي:
1 -
رفع الروح المعنوية بين جنده
فقد وقف مالك خطيبًا في هوازن مشيدًا بهم ولافتًا نظرهم إلى أن يثقوا
بأنفسهم لأنهم أكثر عددًا من المسلمين، وأقدر (بزعمه) على الصبر والثبات منهم.
فمما قاله في خطابه لهوازن: إن محمدًا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قومًا أغمارًا لا علم لهم بالحرب فيُنصر عليهم.
2 -
حشد نساء هوازن وأطفالها وأموالها خلف الجيش
فقد أصدر مالك أوامره إلى جند هوازن بأن يجعلوا نساءهم وأطفالهم ومواشيهم وراء الصفوف قريبا من ميدان المعركة.
وهدف القائد مالك من هذا التصرف، أن يستبسل المحارب الهوازنى في القتال، لأنه من الصعب على المحارب أن يفكر في الفرار، فينجو بنفسه ويترك نساءه وولده وماله ليقعوا أسرى في أيدى أعدائه.
فكان مالك بذلك يقصد أن يدخل في نفوس المحاربين من جنده عنصرًا جديدًا من عناصر الثبات والصمود.
وكان دريد بن الصمة الجُشمى المحارب الشهير والشاعر المشهور، قد انتقد خطة القائد مالك هذه أثناء التحرك إلى حنين أشد الانتقاد، واعتبرها نوعًا من المغامرة، بل ضربًا من الانتحار، ونصح مالكًا بأن يعيد النظر في خطته هذه بأن يعيد النساء والأطفال والمواشى إلي رؤوس الجبال ويلقى المسلمين على متون الخيل. ولكن مالكًا أصرَّ فنفَّذَ خطته وصحب معه النساء والأطفال والمواشى حتى انتهت المعركة حيث وقعوا جميعًا في قبضة الجيش الإسلامي.
3 -
جرد السيوف وكسر الجفون
وكانت العرب ترى أن كسر جفون السيوف أبلغ في توطين النفس على الموت، وهو يعني عندهم عدم التراجع بل القتال. حتى النصر أو الموت، وذلك هو الذي قصد إليه القائد مالك بن عوف حين خاطب جنود هوازن وهو ينظمهم:(واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسور الجفن).
4 -
وضع الكمائن
كان وادي حنين (كما وصفه المؤرخون) واديًا أجوف ذا منافذ مختلفة وشعاب عدة، وكان مالك لديه كل المعلومات الجغرافية عن هذا الوادي، ولهذا قرر أن يتبع خطة الكمائن لتكون ضربات هذه الكمائن أول ما يلاقيه المسلمون في الحرب.
وفي الحروب القديمة، بل وفي كل الحروب، ليس أضر على الجيوش من تعرضها لضربات الكمائن المفاجئة.
كان مالك بن عوف هو السابق إلى وادي حنين فاختار المكان المناسب لضخامة جيشه فعسكر فيه. وفي الليلة التي كانت صبيحتها معركة حنين، انتخب مالك بن عوف عدة مفارز من رجال هوازن الأشداء وذهب بهم في ظلام الليل إلى الشعاب والمضائق التي سيمر أمامها جيش النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك وزَّع مالك رجاله إلى عدة فصائل، نظمها على شكل كمائن، وبعد أن رتب هذه الكمائن ونظمها في ظلام الليل (زيادة في الكتمان) أصدر إلى قادتها الأوامر المشددة بأن يهاجوا المسلمين في عماية الصبح وقبل أن ينشر الفجر ضوءَه ليدخلوا بذلك الفوضى على صفوفهم ويبثوا الذعر في نفوسهم ويشتتوا شملهم ولا يتركوا لهم فرصة يعيدون فيها تنظيمهم.
وهذا ما حدث بالفعل، فكانت خطة الكمائن أنجع الخطط التي اتبعها مالك بن عوف في حربة ضد المسلمين، حيث نزلت بهم على أيدى الكمائن هزيمة منكرة كادت تكون ساحقة مدمرة لولا أن ثبَّت الله رسوله فثبت مكانه مع قلة من خلصاء أصحابه كان ثباتهم جميعًا سببًا في إعادة تنظيم المنهزمين وعودتهم إلى قلب المعركة بعد أن فروا منها كما سنرى فيما يلي من هذا البحث إن شاء الله.
5 -
البدء بالهجوم واتباع خطة المباغتة
كذلك كان ضمن خطة مالك بن عوف التي رسمها لمعركة حنين: البدء بالهجوم أي أن تكون هوازن آخذة بزمام المبادرة فتهاجم المسلمين قبل أن يهاجموها، لأن النصر يكون (غالبًا) كما صرح مالك بن عوف لمن يكون بادئًا بالهجوم.