الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجيش الإِسلام إلى كارثة مدمرة، وهو تنظيم الكمائن، ووضعها في أضيق المضايق والممرات التي سيمر بها الجيش النبوي عند بزوغ الفجر، مما أدى إلى الهزيمة المنكرة التي نزلت بالعسكر الإسلامي في الصدمة الأولى من المعركة، نتيجة انقضاض الكمائن على أرتال المسلمين وبصورة صاعقة مفاجئة، وفي مكان ضيق ووعر.
أسباب هزيمة المسلمين في البداية:
أ- الغرور والإعجاب:
كان إعجاب المسلمين بكثرتهم والذي تحول لدي بعض عناصر الجيش إلى غرور- السبب الرئيسى في الأهمال والاسترخاء الذي حل لدى كثير من عناصر الجيش محل التنبه واليقظة والحذر مما أدى إلى تمكين العدو من وضع خطة الكمائن وتنفيذها بصورة ناجحة أدت إلى هزيمة المسلمين هزيمة منكرة عند الصدمة الأولى، هذه الهزيمة التي كادت أن تكون كاملة شاملة ساحقة لولا ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم والقائد الأعلى للجيش في الميدان.
ب- مستوى التعبئة الممتاز الذي كانت عليه قوات هوازن قبل المعركة، فقد رأينا كيف أن ذلك الشاب الألمعى قائد هوازن وملكها، مالك بن عوف رغم غلطه التعبوية القاتلة (استصحاب الجند للأهل والمال معهم) قد لجأ عند تعبئة قواته في حنين إلى عامل نفسي كان له أثره الرعب في نفوس جند المسلمين، وهو أنه أركب النساء في الصفوف الخلفية من جيشه على الجمال، فظهرن وكأنهن جزء من الجيش، حتى بدا جيش هوازن وكأنه مائة ألف لا عشرين ألفًا كما شهد بذلك أحد الصحابة الذين حضروا حنين كما تقدم في هذا البحث.
ج- نجاح قائد هوازن في سبق المسلمين إلى وادي حنين واختياره المرابطة بجيشه في المكان المناسب من هذا الوادي، حتى بدا واضحًا وكأنه أجبر المسلمين على المرور في مضايق وشعاب، لا يفضلون المرور فيها لوعورتها وضيقها وشدة انحدارها، وهذه حقيقة أدلى بها أحد الصحابة وهو يتحدث عن التحرك إلى حنين، فذكر أن جيش الإِسلام -وهو يحاول الدخول إلى وادي حنين-لم يكن يتحرك في سهل منبسط، كما هو الأفضل لجيش أكثره
من الفرسان والهجانة، وإنما كان ينحدر في منحدرات وعرة شديدة الانحدار، الأمر الذي جعله يفقد الكثير من انتظام صفوفه، ويسهل على الكمائن التمكن منه وإنزال الهزيمة به وعلى تلك الصورة الخيفة.
د- نجاح قائد هوازن في اختيار مواضع الكمائن التي نصبها لتنقض على عسكر الإِسلام في الوقت الذي حدده لها، حيث اختار مضايق الشعاب والمنحدرات التي سيمر بها جيش الإِسلام، ووضع الكمائن في التلال والأماكن المحيطة بها، ، وضع وحدات من فرسانه عند مخارج هذه الشعاب لتضرب (وبأسلوب صاعق محكم) مقدمة جيش الإِسلام عندما تحاول الخروج من هذه الشعاب. وكانت مقدمة المسلمين أكثرها من بدو بني سليم عليهم خالد بن الوليد.
هـ- نجاح خطة السرية والكتمان التي اتبعها القائد مالك بن عوف، وهو يضع وحدات الكمائن الخاصة في المواقع التي اختارها على طريق الجيش النبوي، حيث قامَ بتفقد هذه المواقع واختيارها بمهارة ودقة، وقام بترتيب الكمائن فيها في ظلام الليل، مما جعل عناصر استطلاع جيش الإِسلام المكلفة بالرصد والاستكشاف على جهل تام بهذه الكمائن ومواقعها، الأمر الذي عرّض المسلمين لتلك الهزيمة المروّعة عند الصدمة الأولى.
و- نجاح استخبارات ودوريات المشركين في الحصول على أدق المعلومات عن عدد جيش الإِسلام ومواعيد تحركاته بشكل لسنا متجنِّين إذا قلنا: إنه أدق من أعمال دوريات واستخبارات المسلمين.
ولولا نجاح دوريات واستخبارات هوازن الممتازة، لما استطاعوا أن يحددوا لقائدهم العام المواضع التي وصلها جيش الإسلام والأماكن التي سيكون فيها عند الفجر، الأمر الذي يسَّر لمالك بن عوف (وفق معادلات وحسابات دقيقة) أن يضع الكمائن في المواقع المناسبة لتنقض على جيش الإِسلام بصورة فعالة في الوقت المناسب.
وكان مالك يعلّق أكبر الآمال على عمليات الكمائن الصاعقة المباغتة، والتي نجحت في مهمتها مائة في المائة، وكاد مالك يقطف الثمرة النهائية اليانعة لنجاح خطة الكمائن، لولا ثبات الرسول القائد صلى الله عليه وسلم والقلة من أصحابه،
الذين ضيَّعوا على ملك هوازن وقائده ثمرة عمليات الكمائن الناجحة.
ز- كذاك من أسباب هزيمة المسلمين أول الأمر أنه يوجد في جيش الإِسلام عناصر من قريش وكنانة مدخولة العقيدة، أسلمت ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم .. كانت هذه العناصر تتمنى أن تنزل الهزيمة الكاملة بالجيش النبوي، وتود أن تتمكن هوازن من أن تعيد للوثنية سلطانها على مكة المكرمة.
لذلك ومن المنطلق السئ فإن هذه العناصر المشبوهة (وكانت جزءًا من الجيش النبوي) كانت أول المنهزمين عندما بدأت كمائن هوازن هجومها المباغت عند الفجر على المسلمين، فكانت هذه العناصر المشبوهة -بالإضافة إلى إسراعها في الهزيمة- عامل بلبلة وإرجاف، حيث قامت عن قصد وسوء نية بإشاعة الذعر والفزع في نفوس المسلمين، للتأثير على معنوياتهما التي كانت قد تعرّضت لهزة عنيفة نتيجة تعرّضها لهجوم الكمائن الصاعق المباغت في عماية الصبح.
ح- وجود عناصر أخرى في الجيش من أهل مكة وكنانة غير سيئة النية- ولكنها على جهل شبه تام بالإِسلام، لحداثة عهدها بهذا الدين حيث انضمت إلى الجيش النبوي ولم يمض على إسلامها سوى حوالي خمسة عشر يومًا. فظلت هذه العناصر لذلك على كثير من المعتقدات الوثنية، فقد رأينا كيف أن هذه العناصر طلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم عند التحرك إلى حنين- أن يسمح لها بمباشرة ما يباشرة المشركون من أعمال وثنية، حيث طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط، فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم (أي المشركين) ذات أنواط (1).
فهذه العناصر قد لا تكون سيئة النية، ولكنها جاهلة حقيقة الإِسلام المبنى على عقيدة التوحيد، مما جعل وجودها عامل بلبلة وعامل ارتباك وضعف في الجيش، لأن أهم حوافز القوة القتالية لدى المسلمين إنما كان قوة عقيدة الإِسلام.
(1) انظر تفاصيل قصة ذات أنواط فيما مضى من هذا الكتاب.