الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذلك قال القائد مالك لهوازن (وهو يضع لهم الخطة): ثم تكون الحملة منكم، واحملوا حملة رجل واحد واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولًا.
وقد نفذت هوازن جميع الخطط التي وضعها للمعركة القائد العام مالك بن عوف وقد أتت هذه الخطط المحكمة ثمارها اليانعة في المرحلة الأولى من المعركة فانكسر المسلمون حتى وصلت طلائع المنهزمين منهم ضواحي مكة. وقال الذين أسلموا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم من عناصر الجيش الإِسلامي: إنها هزيمة لن تنتهي حتى البحر .. غيرأن ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم وقلة من خلصاء أصحابه من المهاجرين والأنصار ساعة الهزيمة أضاع على هوازن ثمرة انتصارها حيث تحوَّل هذا الانتصار إلى هزيمة ساحقة بفضل الله تعالى ثم بفضل ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم والقلة من صفوة أصحابه، هذا الثبات الذي لمَّا علمه المنهزمون المسلمون خجلوا من أنفسهم وكرّوا راجعين وقاتلوا هوازن أشد ما يكون القتال حتى هزموهم شر هزيمة.
التخويف والإِرهاب بالتضليل
كذلك كان من خطط مالك بن عوف وأسلوبه في الاستعداد للصدام التخويف باتباع الحرب النفسية بإدخال الرهبة في نفوس المسلمين من قواته. وذلك يجعل جيشه يظهر أكبر من حجمه الطبيعي بكثير. بحيث خُيِّل لمن يراه من المسلمين على بعد وكأنه مائة ألف مقاتل. وهذا المظهر ولا شك يكون ذا أثر في النفوس. فقد عمد الداهية مالك بن عوف (بالإِضافة إلى جيشه الحقيقي) عمد إلى عشرات الألوف من الجمال التي جلبها معه وجعلها وراء جيشه الحقيقي كالجيش الاحتياطى صفوفًا، ثم أركب عليها النساء، فبدا سواد جيشه وكأنه مائة ألف مقاتل.
وفعلًا ظن المسلمون أن الجمال التي تحمل النساء، تحمل رجالًا محاربين. لاسيما وأن الجمال تأتى في ذلك العصر (بعد الخيل) من أهم الأسلحة في الحرب حيث كان العرب يحاربون وهم عليها كما يحاربون وهم على الخيل.
صحابي يصف ضخامة جيش هوازن
ولنترك أحد كبار الصحابة الكرام ممن اشتركوا في معركة حنين .. يصف
لنا هذه الخدعة الحربية التي لجأ إليها القائد الملك مالك بن عوف النصرى.
وهذا الصحابي الجليل هو أنس بن مالك، فقد قال: لما انتهينا إلى وادي حنين وهو واد من أودية تهامة، له مضائق وشعاب، فاستقبلنا من هوازن شيء لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان قط من السواد والكثرة، قد ساقوا نساءهم وأموالهم وأبناءهم وذراريهم، ثم صُفوا صفوفًا فجعلوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال، ثم جاءوا بالإِبل والبقر والغنم. فجعلوها وراء ذلك لئلا يفرّوا (بزعمهم). فلما رأينا ذلك السواد حسبناه رجالًا كلهم، فلما تحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غلس الصبح، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، فانكشف أول الخيل -خيل سليم- موليِّة فولوا، وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين.
من هذا الوصف الذي رواه الصحابي أنس بن مالك عن خطة التضليل والإِيهام التي اتبعها ورسمها أثناء تعبئته قائد هوازن الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره .. من هذا الوصف يتضح أي خصم عنيد شجاع محنك ومدرب، واجهه المسلمون في موقعة حنين الحاسمة، التي بمهارته وحسن تعبئته لجيشه، كسبها مالك بن عوف في الجولة الأولى وكاد يركب أكتاف المسلمين ويحتل مكة لولا أن أمدَّ الله رسوله وقلة من صفوة أصحابه فَقَلَبُوا (بثباتهم بعد عون الله) ميزان القوى لصالح الإِسلام فرفعوا رصيد الجيش الإِسلامي (الذي عاد إلى الميدان) من الصفر إلى أعلى درجات النصر.