الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بغية فتح الطريق من ثغرات في الأسوار ليقتحم الجيش الإِسلامي الحصون.
ولكن يظهر أن سلاح المنجنيق لم يؤثر التأثير المطلوب في قلاع الطائف. فظل الثقفيون ومن معهم من هوازن صامدين في حصونهم، وكانوا رماة نبل مشهورين بإصابة الهدف.
وقد قامت عناصر من الجيش بمحاولة جريئة، بغية إيجاد السبيل لجمهرة الجيش كى يقتحموا الحصين فيختصروا متاعب الحرب.
وهذه المحاولة الجريئة هي أن مجموعة (يمكن تسميتهم بالفدائيين) زحفوا (متسترين وراء الدبابات) على الحصن حتى وصلوا إلى أسواره، محاولين (تحت حماية الدبابات) إحداث فتحات في السور عن طريق نقبه، حتى يتمكن العسكر الإسلامي من الدخول إلى الحصن، وهناك يضعون حدا للحرب؛ لأن المسلمين على ثقة بأنهم سيتغلبون على المشركين إذا ما تمكنوا من اقتحام الحصن والتحموا معهم في معركة فاصلة.
زرع الحسك حول قلاع الطائف
ومن جهة أخرى (ولكى تعطل تحركات الثقفيين) قامت قيادة الجيش الإِسلامي ببث الحسك حول قلاع الطائف. (والحسك -بفتح أوله وثانيه-: قطع من الحديد صغيرة على هيئة شوك الحسك النباتي ذوي الإبر الحادة المتعددة، وهو من أدوات الحرب يلقى به حول المعسكرات والحصون ليعيق تحركات العدو، فيؤذى المشاة ويعطل حركات الخيل؛ لأنه يعلق بحوافرها فيؤلمها فلا تقوى على الجرى).
وقد لجأ المسلمون إلى استخدام الحسك كوسيلة من وسائل تعويق تحركات العدو، بإيقاعه في حقول الحسك إذا ما حاول رجاله الهجوم على الفدائيين الذين تحركوا -تحت حمايات الدبابات- لنقب أسوار الحصن الرئيسى لثقيف.
فشل الهجوم الفدائي على حصن ثقيف
غير أن محاولة الفدائيين المسلمين لفتح الثغرات في جدار الحصين قد فشلت. فقد تنبه الثقفيون للمحاولة (وكانوا مسلحين بأسلحة دفاعية ثقيلة
من قاذفات للهب وغيرها) فأحبطوها، حيث سلطوا آلاتهم الراجمة بالنار على دبابات الفدائيين الذين وصلوا أسوار الحصن، فأحرقوا الدبابات التي كان يتستر بها الفدائيون. فانكشف هؤلاء الفدائيون، فقصفهم الثقفيون بسهامهم وأحرابهم، وأحدثوا بينهم بعض الإصابات ما بين قتيل وجريح، وهنا اضطر الفدائيون إلى التراجع إلى معسكر الإِسلام.
قال أصحاب السير: فنصب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق. وشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه. فقال له سلمان الفارسى (1) يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم، فإنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون وتنصب علينا، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق، طال الثواء، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقًا بيده، فنصبه على حصن الطائف. وذلك بالإضافة إلى منجنيق ودبابتين قدم بهما الطفيل بن عمرو الدوسى. ونشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسَك حول حصنهم، ودخل المسلمون تحت الدبابة وهي جلود من جلود البقر، وذلك يوم يقال له: الشدخة قيل: وما الشدخة؟ قالوا: ما قتل من المسلمين -دخلوا تحت الدبابات، ثم زحفوا بها إلى جدار الحصين ليحفروه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فحرّقت الدبابات، فخرج المسلمون من تحتها، وقد أصيب منهم من أصيب، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتل منهم رجال (2).
(1) هو سلمان الفارسي، ويكني أبو عبد الله، ويعرف بسلمان الخير، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسئل سلمان عن نسبه، فقال: أنا سلمان بن الإِسلام. أصله من فارس رام هرمز وكان اسمه قبل الإِسلام (مابه ابن يوذخشان بن مورسلان بن يهوذان بن فيروز بن سهرك من ولد آب الملك، وكان يلاد فارس مجوسيا سادن النار. ثم هداه الله للإسلام فجاء من بلاد الفرس يبحث عن دين التوحيد حتى وصل المدينة فأسلم في قصة شيقة مطولة (انظرها في أسد الغابة والاصابة والاستيعاب والحلية لأبي نعيم). كان سلمان من عظماء الصحابة، وكان في مقدمة الزهاد بينهم. وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (سلمان منا أهل البيت). كان سلمان صاحب فكرة حفر الخندق لحماية المدينة من هجوم الأحزاب (انظر كتابنا غزوة الأحزاب)، كان عطاؤه من بيت المال خمسة آلاف، فإذا استلمه فرقه على المحتاجين. وكان لا يأكل إلا من كسب يده حيث كان (وهو أمير بالعراق) يسف الخوص به ويبيعه ويأكل من ثمنه. توفي سلمان في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين، وفي أسد الغابة عن أهل العلم: أن سلمان عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، وقال أبو نعيم في الحلية: كان سلمان الفارسي من المعمرين.
(2)
سيرة ابن هشام ج 3 ص 126، ومعازى الواقدي ج 3 ص 927 - 928.