الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: باب هي اليسرى، ثم خرج منها على نخب، حتى نزل سدرة يقال لها: الصادرة قريبًا من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إما أن تخرج، وإما أن نخرب عليك حائطك، فأبى أن يخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخرابه (1).
بداية حصار الطائف
ثم واصل الرسول صلى الله عليه وسلم التحرك بجيشه نحو الطائف بعد أن بلغه أن ثقيفا قد اعتصموا به، وكانوا محاربين أشداء شديدى التعصب لإِلههم (اللات) التي جاء ذكرها في القرآن الكريم.
وقد عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم بجيشه تمهيدًا لاقتحام قلاع الطائف في مكان مكشوف غير استراتيجى وقريب من الحصون الثقفية، وكانت ثقيف يجيدون الرمي بالسهام والقذف بالحراب من على الأبراج، فما كان الجيش الإِسلامي يحط أثقاله في معسكره الأول حتى تعرّض لقصف شديد من النبال التي انهالت على الجيش الإِسلامي كأنها الجراد، وقد أصيب من المسلمين (نتيجة هذا القصف) أناس كثير، الأمر الذي حمل الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يبدل معسكره، حيث عسكر في مكان بحيث يكون جنده في مأمن من سهام العدو.
وكان هذا التحوُّل بمشورة المحارب المجرب الأنصاري الشهير (الحُباب بن المنذر)(2) صاحب الفكرة يوم بدر والتي بموجبها غير الرسول صلى الله عليه وسلم موقعه الأول بعد أن عمل بمشورة (الحباب بن المنذر) فعسكر في أرض استراتيجية منها أدار الرسول صلى الله عليه وسلم معركة بدر الكبرى وتم له الانتصار فيها. كما كان كذلك (الحباب بن المنذر) المشير على الرسول صلى الله عليه وسلم في حصار اليهود بخيبر، بتغير موقعه الذي كان قد عسكر فيه لمحاصرة اليهود وأصيب من أصحابه بسهام اليهود التي قصفوهم بها من أبراج القلاع، خلق كثير، وكذلك فعل الحباب في حصار الطائف، حين رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يعسكر في مكان كان من
(1) مغازي الواقدي ج 3 ص 923/ 924 وسيرة ابن هشام ج 4 ص 112 و 125.
(2)
انظر ترجمة الحباب بن المنذر في كتابًا (غزوة بدر الكبرى).
وجهة الخبير العسكري الحباب بن المنذر، غير مناسب لأن يكون معسكرًا لفرض الحصار على حصون ثقيف.
قال الواقدي: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى نزل قريبًا من حصن الطائف، فيضرب عسكره هناك، فساعة حلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جاءه الحباب بن المنذر. فقال: يا رسول الله: إنا قد دنونا من الحصن، فإن كان عن أمر سلمنا، وإن كان عن الرأي فالتأخر عن حصنهم، فأسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل في النهاية برأى الحباب بن المنذر، حيث استدعاه وطلب منه (بصفته خبير مجرّب) أن يختار مكانًا صالحًا لأن يعسكر فيه الجيش في مأمن، من سهام العدو. وذلك بعد أن أصيب عدد من جند الإِسلام بجراح من جراء قصف النبال الثقفية.
ولنترك أحد الصحابة الكبار ممن حضر حصار الطائف وهو (عمرو بن أمية الضمرى)(2) يصف لنا بداية الحصار وتحويل موقع العسكر بمشورة الحباب بن المنذر. قال عمرو: لقد طلع علينا نبلهم ساعة نزلنا شيء الله به عليم. كأنه رِجْل (3) من جراد، وترّسنا لهم، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحباب فقال: انظر مكانًا مرتفعًا مستأخرًا عن القوم. فخرج الحباب حتى انتهى إلى موضع مسجد الطائف خارج من القرية. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتحولوا. قال عمرو بن أمية: إني لأنظر إلى أبي مِحجَن يرمى من فوق الحصين بعشرته (4) بمعابل (5) كأنها الرماح، ما يسقط له سهم.
قالوا: وارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسجد الطائف اليوم، ويصفون خرافة جاهلية قبيحة لجأت إليها ثقيف ضمن الدفاع عن حصنها. قالوا: وأخرجت ثقيف امرأة ساحرة فاستقبلت الجيش بعورتها- وذلك حين نزل الرسول
(1) مغازي الواقدي ج 3 ص 925.
(2)
انظر ترجمته في كتابنا (غزوة أحد).
(3)
الرجل (بكسر الراء): الشيء الكثير جدًّا ويختص بالجراد فقط.
(4)
العشرة (بكسر العين): الصحبة.
(5)
المعابل: جمع معبلة: وهي نصال طوال عراض، يرمى بها المتحصنون في القلاع عادة.