الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمور ثلاثة:
أولًا: عدم علم قيادة الجيش الإسلامي بهذه الكمائن وأماكنها ولو علمت بها لأبطلت فعالتها.
ثانيًا: قيام الكمائن بهجومها على المسلمين والظلام لا يزال سائدًا مع بزوغ الفجر حيث تعرض المسلمون لقصف شديد بالسهام، وللهجوم الصاعق بمختلف الأسلحة من كل ناحية فلم يتبينوا من أين يأتيهم الهجوم، فنفرت خيلهم من السهام، ولا شيء يؤذى الخيل ويفزعها مثل السهام، فانسحب أصحابها إلى الخلف وكانوا في المقدمة وهم ألف فارس، فتحول انسحابهم إلى هزيمة كبرى.
ثالثًا: كانت مواقع الكمائن تشرف على منحدرات وعرة وضيقة كثيرة التعاريج، غير صالحة لجولان الخيل التي كانت في مقدمة الجيش والتي كان تراجعها سببًا في إنزال الهزيمة بالجيش النبوي عند فجر يوم الثالث عشر من شوال عام 8 للهجرة.
كيف انهزم المسلمون بفعل الكمائن
يدل سياق المؤرخين على أن قائد هوازن مالك بن عوف قد كان دقيقًا في توقعاته وتوقيته للهجوم الذي قرر أن تكون كمائنه هي البادئة به، وبحيث يكون هذا الهجوم أول هجوم تشنه قواته على الجيش النبوي.
فقد افترض هذا القائد وأدخل في حسابه (وهو يضع الخطة للمعركة) افترض -وضمن حسابات ومعادلات دقيقة- .. افترض وقدَّر (وكان افتراضه وتقديره في محلهما) أن الجيش النبوي سيمر بالأماكن التي وضع فيها الكمائن، عند عماية الصبح وقبل أن يغمر ضوء الصباح الأرض بنوره، فيستفيد مالك من الظلام وهو يشن بكمائنه الهجوم المباغت الصاعق على الجيش الإِسلامي، وقد يكون توقعه وافتراضه هذان بناهما على معلومات نقلها إليه جواسيسه عن سير تحركات الجيش النبوي.
المهم أن الأمور جاءت كما توقع القائد مالك. فعند بزوغ الفجر وقبل أن ينسخ ضياء الصبح ظلام الليل، وجدت مقدمة الجيش الإِسلامي نفسها (وكلها من الخيل) بين كمائن هوازن، فانقضت هذه الكمائن على مقدمة
المسلمين انقضاضة رجل واحد وقصفتها بسيل من السهام وهاجمتها بمختلف الأسلحة من مختلف الجهات، ولم تكن كمائن هوازن من المشاة فقط، بل إن هناك كمائن من الخيل أيضًا اشتركت وقت عماية الصبح في مهاجمة المسلمين حيث كانت هذه الكمائن الهوازنية ترابط في فجاج الشعاب والوديان الصغيرة الرافدة إلى حنين.
وعندما تعرضت مقدمة الجيش النبوي لذلك الهجوم المفاجئ الصاعق من الكمائن انهزمت كلها واتجهت هاربة نحو مكة دون أن تشهر سيفًا أو تشرع رمحًا أو تطلق سهمًا.
وأحدث تراجع مقدمة جيش الإسلام وفرارها الفوضى الشاملة والارتباك الكامل داخل صفوف الجيش النبوي الذي فقد تنظيمه تمامًا، وصارت خيل المسلمين المنهزمة تحطم مَن أمامها وتدوسه من جند المسلمين، وظن الكثير أنها الهزيمة التي لن تقوم للمسلمين بعدها قائمة، وأخذت كتائب الجيش النبوي تتدفق وكأنها السيل الجارف -لا إلى المعركة للقتال- وإنما فرارًا نحو مكة. وشرعت قوات هوازن في مطارة المسلمين الذين لم يباشروا أي قتال بعد لأنهم فروا فور تعرضهم لهجوم الكمائن الصاعق.
كان موقفًا عصيبًا وامتحانًا شديدًا لم تتعرض القيادة الإسلامية العليا لمثله في تاريخ حروبها ضد الوثنية وحتى في يوم أُحد. لأن المسلمين انهزموا ذلك اليوم بعد أن سجلوا نصرًا رائعًا على المشركين في المرحلة الأولى من المعركة.
أما في يوم حنين فإن جيوش الإسلام تمزقت وولت الآلاف المؤلفة من المشاة والفرسان هاربة لا تلوى على شيء، ولو استمر الوضع على ما كان عليه عند الصدمة الأولى لأبيد أكثر الجيش الإِسلامي ولسقطت مكة نفسها في أيدى المشركين من هوازن الذين يبلغ تعداد قواتهم عشرين ألفًا كانوا قادرين على اجتياح مكة في أقل من ساعتين، ولكن الله غالب على أمره فقد كان ثبات النبي صلى الله عليه وسلم ومائة (فقط) من خلصاء أصحابه عاملًا حاسمًا في تغيير مجرى تلك الأحداث الخطيرة لصالح الإِسلام.