الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء دور إظهار سراقة وثيقة الأمان كى ينجو من أي سوء قد يعترض له من الجيش المنتصر، فأبرز سراقة تلك الوثيقة للرسول صلى الله عليه وسلم وهو عائد من الطائف فوفى له بما فيها، ولنترك الصحابي سراقة بن مالك نفسه يحدثنا حديثه الشيق. قال سراقة: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منحدر من الطائف إلى الجعرانة، فتحصلت (1)، والناس يمضون أمامه أرسالًا (2) فوقعت في مقنب (3) من خيل الأنصار، فجعلوا يقرعونى بالرماح ويقولون: إليك، إليك، ما أنت؟ وأنكرونى حتى إذا دنوت وعرفت أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع صوتى، أخذت الكتاب الذي كتبه أبو بكر، فجعلته بين إصبعين من أصابعى، ثم رفعت يدي وناديت: أنا سراقة بن مالك بن جعشم، وهذا كتابى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم وفاء، أدنوه، فأدنيت منه، فكأنى أنظر إلى ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرزه كأنها جمارة، فلما انتهيت إليه سلمَت، وسقت إليه الصدقة، فما ذكرت شيئًا أسأله عنه إلّا أنى قلت: يا رسول الله، أرأيت الضالة من الإبل ترد حياضى وقد ملأتها لإبلى، هل لي من أجر إن أسقيتها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم في كل ذات كبد حَرَّى (4) أجر (5).
وقفة فقهية
وأثناء عودة النبي صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف، اعترض رجل من أسلم معه غنم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فقال: يا رسول الله: هذه هدية قد أهديتها لك، قال: وممن أنت؟ قال: رجل من أسلم. قال: إني لا أقبل هدية من مشرك، قال: يا رسول الله إني مؤمن بالله وبرسوله، قد سقت الصدقة إلى بريدة بن الحصيب (6) لمالى بعينه مصدقًا.
قال: وأقبل بريدة فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدق، هذا من قومى
(1) تحصلت. أي تجمعت وتثبت.
(2)
أرسالًا: أي أفواجًا متقطعة يتبع بعضهم بعضًا، وأحدهم، رسل.
(3)
المقنب (بكسر الميم): قال في الصحاح: ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل.
(4)
قال في النهاية: الحرى. فعل من الحر، والمعنى أن تسقى كل ذي كبد حرى أجرًا.
(5)
مغازي الواقدي. ج 3 ص 939 - 940.
(6)
انظر ترجمة بريدة بن الحصيب في كتابنا (فتح مكة).