الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوس بن عوف من بني مالك، وهذا أثبت عندنا- وكان عروة رجلًا من الأحلاف، فأصاب أكحله (1) فلم يرقأ دمه (2) وحشد قومه في السلاح، وجمع الآخرون وتجايشوا، فلما رأى عروة ما يصنعون قال: لا تقتتلوا فيّ فإني قد تصدقت بدمى على صاحبه ليصلح بذلك بينكم، فهي كرامة أكرمنى الله بها، الشهادة ساقها الله إليّ، أشهد أن محمدًا رسول الله، خبرّني عنكم هذا أنكم تقتلونني، ثم قال لرهطه: ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، قال: فدفنوه معهم، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله فقال: مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله عز وجل فقتلوه.
فلما قتل عروة، قال ابنه أبو مليح (3) بن عروة بن مسعود، وابن أخيه قارب بن الأسود بن مسعود (4) لأهل الطائف: لا نجامعكم على شيء أبدًا، وقد قتلتم عروة، ثم لحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: توليَّا من شئتما، قالا نتولى الله ورسوله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وخالكما أبو سفيان بن حرب، حالفاه. ففعلا، ونزلا على المغيرة بن شعبة، وأقاما بالمدينة حتى قدم وفد ثقيف في رمضان سنة تسع الهجرية (5).
ثقيف كلها تدخل الإِسلام:
وعقب ارتكاب ثقيف جريمتها النكراء المتمثلة في قتل سيدها المسلم عروة بن مسعود، وبعد أن شعرت وأحست بما يشبه العزلة القاتلة بين العرب، تنبه أحد دهاتها وعقلائها وهو عمرو بن أمية أحد بني علاج (6). تنبه إلى
(1) الأكحل (بفتح الحاء): عرق في اليد وهو الشريان.
(2)
رقأ الدم. إذا سكن وانقطع عن الجريان.
(3)
ذكر ابن الأثير ترجمته في أسد الغابة فلم يزد على ما جاء في هذا السياق عن تاريخه.
(4)
هو قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي وهو ابن أخي عروة بن مسعود، كان حامل راية الأحلاف من ثقيف يوم حنين ضد المسلمين. كان سيدًا من سادات ثقيف، وروى له رواة الحديث حديث (رحم الله المحققين). لم أر فيما بين يدي من تراجم عن تاريخ وفاته.
(5)
مغازي الواقدي ج 3 ص 962.
(6)
لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مصادر.
ما ستتعرض له ثقيف من أخطار جسيمة قد يكون فيها هلاكها، إذا لم تسارع إلى إعلان إسلامها أسوة بالقبائل المحيطة بها، والتي أصبحت ثقيف (لبقائها على الشرك) بين هذه القبائل في عزلة تامة، تغير عليها هذه القبائل وتحاربها أينما وجدتها بمن في هذه القبائل سيد هوازن وملكها السابق مالك بن عوف النصرى قائد حشد الشرك في حنين ضد المسلمين. والذي أسلم قبل انصراف الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
كان عمرو بن أمية هذا مغاضبًا ومهاجرًا لعبد ياليل (1) سيد ثقيف الثاني، ولكنّ عمرو تناسى ما بينه وما بين عبد ياليل، وبعث إليه يطلب الاجتماع به، بغية بحث الوضع الشاذ الذي صارت إليه ثقيف بعد أن انتشر الإِسلام وغمر القبائل المحيطة بثقيف.
وقد أجاب عبد ياليل عمرو بن أمية فاجتمعا، فشرح لعبد ياليل خطورة الوضع الذي آلت إليه ثقيف، وأن الحل الوحيد للمخرج من هذا المأزق الذي فيه ثقيف هو أن تدخل ثقيف في الإِسلام، فوافقه عبد ياليل على هذا الاقتراح، فدعيا إلى اجتماع عام حضره وجوه ثقيف وأعيانها بالطائف، وقد وقف فيهم عمرو بن أمية خطيبًا شارحًا لهم خطورة الوضع الذي عليه ثقيف، فوافقوه على الرأي القائل بأن لا مخرج لثقيف إلا بأن تبعث بوفد منها إلى المدينة ليعلن إسلامها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقد جاء في أمهات التاريخ أن عمرو بن أمية أخو بني علاج، كان مهاجرًا لعبد ياليل بن عمرو، لشئ بينهما، وكان عمرو من أدهى العرب، فمشى إلى عبد ياليل بن عمرو حتى دخل داره، ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول: أخرج إليَّ. قالوا: فقال عبد ياليل للرسول: ويلك، أعمرو أرسلك إليّ؟ قال: نعم وها هو ذا واقف في دارك، وكان عبد ياليل يحب صُلحه،
(1) هو عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفى، كان سيدًا من سادات بني مالك من ثقيف، كان رئيس الوفد الذي ذهب إلى المدينة بإسلام ثقيف، قال في أسد الغابة: أرادت ثقيف أن ترسله وحده إلى المدينة فامتنع وخاف أن يفعلوا به ما فعلوا بعروة بن مسعود فأرسلوا معه الخمسة، وهم عثمان بن أبي العاص، وأوس بن عوف، ونمير بن خرشة، والحكم بن عمرو، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة فأسلموا كلهم وحسن إسلامهم وانصرفوا إلى قومهم فأسلموا كلهم.
ويكره أن يمشى إليه، فقال عبد ياليل: إنّ هذا لشئ ما كنت أظنُّه، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك، وما هو إلا عن أمر قد حدث وكان أمرًا سوءًا، ما لم يكن من ناحية محمد. ثم خرج عبد ياليل إلى عمرو فلما رآه رحّب به، فقال عمرو: قد نزل بنا أمر ليست معه هِجرة إنه قد كان من أمر هذا الرجل (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) ما قد رأيت وقد أسلمت العرب كلهما، وليست لكم بحربهم طاقة، وإنما نحن في حصننا هذا، ما بقاؤنا فيه وهذه أطرافنا تصاب، ولا نأمن من أحد منا يخرج شبرًا واحدًا من حصننا هذا، فانظروا في أمركم.
قال عبد ياليل لعمرو: قد والله رأيت ما رأيت، فما استطعت أن أتقدم بالذي تقدمت به، وإن الحزم والرأى الذي في يديك.
قالوا: فدعا زعماء ثقيف إلى مؤتمر عام حضره عامة الثقفيين، فائتمروا فيما بينهم، وقال بعضهم لبعض: ألا ترون أنه لا يأمن لكم سرب (1)،
ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع، فائتمروا بينهم وتم الاتفاق على أن يدخلوا في الإسلام (2).
وعلى أثر الاتفاق على أن لا نجاة ولا مخرج لثقيف من المأزق التي هي فيه، إلا بالإسلام، قررت ثقيف أن تبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم برسول خاص ليفاوضه بشأن دخولها في الإِسلام، فرشحوا لذلك عبد ياليل بن عمرو، وهو يومئذ في منزلة عروة بن مسعود وفي مثل سنه.
وعبد ياليل هذا هو الذي أساء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أبلغ الإِساءة عندما جاء صلى الله عليه وسلم ملتجئًا إلى ثقيف عندما اشتد عليه أذى قريش بعد وفاة زوجه خديجة وعمه أبي طالب.
وقد اعتذر عبد ياليل لثقيف أن يكون رسولها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن اعتذاره عن خوف من أن ينتقم منه النبي صلى الله عليه وسلم لإِساءته تلك .. كلا، فهو يعرف وكل العرب والعجم تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه من أحد، فمن أخلاقه صلى الله عليه وسلم أن يقابل الإِساءة بالإِحسان، ولكن اعتذار عبد ياليل لقومه
(1) السرب (بكسر السين): المسلك.
(2)
سيرة ابن هشام ج 4 ص 183 ومغازي الواقدي ج 3 ص 963 - 964.
ثقيف عن القيام بمهمة القيام بإبلاغ الرسول صلى الله عليه وسلم إسلام ثقيف، هو أنّ عبد ياليل يعرف شراسة قومه ثقيف وجرأتهم على سفك الدماء وتقلبهم، فقد رأى العبرة في أحب الناس إلى ثقيف (عروة بن مسعود) حيث قتلوه بمجرّد أن دعاهم إلى الإِسلام، فهو إذن يخشى أن يكون مصيره مصير عروة بن مسعود إن هو قبل المهمة منفردًا حيث من المحتمل جدًّا أن يقتلوه إن هو عاد من المدينة يدعوهم إلى الإِسلام، لذلك اعتذر عن أن يكون رسول ثقيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، غير أن عبد ياليل- لما رأى إلحاح قومه عليه لكى يكون مبعوثهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وافق ولكن بشرط أن يبعثوا معه من كل فخيذة من ثقيف رجلًا.
فوافقت كل القبائل الثقفية على اقتراح السيد عبد ياليل بن عمرو.
فبعث كلّ من القبيلتين الرئيسيتين في ثقيف (وهما الأحلاف وبنو مالك) بعث كل منهما بصحبة عبد ياليل ممثل عنه في وفد إلى المدينة مكوّن من ثلاثة من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك على أن يكون رئيسهم عبد ياليل بن عمرو (وهو من بني مالك).
وكان هدف عبد ياليل من اشتراك كل عشائر ثقيف ممثلة في جناحيها الرئيسين (الأحلاف وبنى مالك) في الوفد الذاهب إلى المدينة، واضحًا، وهو أن يكف كل رجل في الوفد رهطه عن عبد ياليل إذا ما أرادوا به سوءًا عندما يعود من المدينة إلى الطائف وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام نيابة عنهم.
وهكذا تقرر أن تبعث ثقيف وفدها برئاسة عبد ياليل، الذي يسمون (لشدة شكيمته) ناب القوم، وقد غادر الوفد الطائف قاصدًا المدينة في أواخر السنة التاسعة للهجرة، فوصل الوفد إلى المدينة، وقابل الرسول صلى الله عليه وسلم وأبلغه رغبة ثقيف في الدخول في الإِسلام، فرحب بهم الرسول صلى الله عليه وسلم وعم المسلمين الفرح لدخول ثقيف في الإِسلام، لأن ثقيفًا قبيلة عظيمة ذات قوة وشوكة، وكانت آخر قوة مسلحة في جزيرة العرب، يمكنها مصادمة المسلمين وبدخول ثقيف في الإسلام لم يبق للشرك والوثنية أي أثر في منطقة الحجاز كلها.
قال الواقدي وابن إسحاق: وأجعت ثقيف أن ترسل إلى المدينة رجلًا،
كما أرسلوا عروة، فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، وكان في سن عروة بن مسعود وعرضوا ذلك عليه فأبى أن يفعل، وخشى إن رجع إلى قومه مسلمًا أن يصنع به إذا رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع بعروة، فقال: لست فاعلًا حتى ترسلوا معى رجالًا فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة.
فبعثوا مع عبد ياليل، الحكم بن عمرو بن وهب بن معتَّب (1)، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتّب (2)، وهؤلاء رهط عروة. وبعثوا في بني مالك: عثمان بن أبي العاص (3)، وأوس بن عوف (4) ونمير بن
(1) قال في أسد الغابة في معرفة الصحابة: (الحكم بن عمرو بن معتب الثقفى، كان أحد الوفد الذين قدموا مع عبد ياليل بإسلام ثقيف، وهو من الأحلاف، أخرجه أبو عمر مختصرًا، قلت ثقيف قبيلتان، الأحلاف وبنو مالك، فالأحلاف، ولد عوف بن ثقيف وهذا منهم، فإن معتبًا هو ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عرف بن ثقيف.
(2)
قال المختصون في تراجم الصحابة: هو شرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، أسلم وحسن إسلامه، نزل الطائف، وكان من رواة الحديث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستغفار: بين كل سجدتين من صلاته، كان أحد الرجال الخمسة الذين بعثهم ثقيف بإسلامهم مع عبد ياليل، له ولأبيه صحبه، ذكره ابن شاهين وقال: مات سنة ستين، أخرجه ابن عبد البر وأبو موسى.
(3)
هو عثمان بن أبي العاص بن بشر بن دهمان، بن عبد الله بن همام بن أبان بن سمار بن مالك بن حطيط بن خيثم بن ثقيف، يكنى أبو عبد الله. استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف، قال في أسد الغابة: لم يزل عثمان على الطائف حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، واستعمله عمر سنة خمس عشرة على عثمان والبحرين، فسار إلي عمان، ووجه أخاه الحكم إلي البحرين وسار هو إلي توج فافتتحها ومصرها وقتل ملكها شهرك سنة إحدى وعشرين، كان عثمان كثير الجهاد في سبيل الله فقد كان يغزو صيفًا. ويشتو بتوج، وكان له في الطائف موقف مشرف. فبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حيث اضطربت جزيرة العرب بالردة، وقف عثمان بن أبي العاص موقفًا شديدًا من أهل الريبة، ومنع أهل الطائف من الردة، وكان سيدًا شريفًا مطاعًا فانصناعوا له، فلم تحدث أية ردة في الطائف، كان من مشاهير الصحابة الذين روى عنه أصحاب السنن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه من أهل المدينة، وأهل البصرة، وممن روى عنه الإمام الحسن البصري، كان عثمان قد سكن البصرة.
(4)
قال ابن الأثير في أسد الغابة: إسمه أوس بن حذيفة، لا أوس بن عوف، وهو من بني مالك، وقال ابن سعد في طبقاته الكبرى: كان أوس بن حذيفة المذكور ممن استوطن الطائف، وكان في وفد ثقيف، روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انظر ترجمته مطولة في أسد الغابة ج 1 ص 143 - 144.
خرشة (1) ستة. ويقال: إن الوفد كانوا بضعة عشر رجلًا، فيهم سفيان بن عبد الله (2).
قالوا: فخرج بهم عبد ياليل وهو رأسهم وصاحب أمرهم، ولكنه أحب أن يسهل كل رجل رهطه (3).
اتجه وفد ثقيف صوب الشمال الغربي قاصدًا المدينة المنورة، ليحمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم القرار الذي توصل إليه سادات ثقيف والمتضمن خروج ثقيف من الشرك ودخولها في الإِسلام، وكان ذلك من أعلام النبوّة، فقبل ما يقرب من سنة- وعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفك الحصار عن حصن ثقيف بالطائف بعد معركة حنين الفاصلة- سأل بعض الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف بالهلاك، فأبى سيد الرحماء، ودعا لهم بدلًا من أن يدعو عليهم. فقال: اللهم اهد ثقيفا وأت بهم.
وهاهى ثقيف تأتى إلى المدينة (ممثلة في وفدها الكبير) طائعة مختارة برئاسة رجل كان من أشرس الناس وأشدهم عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وسخرية به وبدينه الحق (عبد ياليل بن عمرو) الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم في أول الإِسلام عندما لجأ إلى ثقيف يطلب نصرتها على مشركى مكة- قال له مستهزئا: (وهو يمرط (4) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك)، وقال له أخوه مسعود بن عمرو:(أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك؟ )، وقال أخوه الثاني حبيب بن عمرو: (والله لا أكلمك أبدًا، لئن كنت رسولًا من الله كما تقول، لأنت
(1) قال ابن الأثير: هو نمير بن خرشة بن ربيعة الثقفى، حليف لهم من بلحارث بن كعب، وروى عنه أنه قال أدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فاستبشر الناس بقدومنا.
(2)
هو سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف، كان من ثقات الصحابة الذين يعتمد عليهم عمر بن الخطاب، ولاه عمر بن الخطاب إمارة الطائف بعد نقل عثمان بن أبي العاص إلى البحرين، روى عنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق كثير منهم ابنه عبد الله، وعروة بن الزبير، ومحمد بن عبد الله بن ماعز، ونافع بن جبير، وسفيان بن عبد الله وعنه روى عروة بن الزبير الحديث التربوى العظيم المشهور الذي قال فيه سفيان: قلت يا رسول الله قل لي قولًا في الإسلام لا أسأل عنه أحدًا بعدك. قال: قل آمنت بالله عز وجل ثم وجل ثم استقم.
(3)
سيرة ابن هشام ج 4 ص 184 ومغازي الواقدي ج 3 ص 963.
(4)
يمرطه: ينزعه فيرمى به.
أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك (1)).
استمر عبد ياليل وأعضاء وفده في تحركهم من الطائف نحو المدينة دون أن يعلم بهم أحد من المسلمين حتى وصلوا ضواحي المدينة وفي وادي قناة (2) على وجه التحديد، فكان أول من تعرَّف عليهم (وأدرك أنهم جاءوا ليعلنوا إسلام ثقيف) أحد أبناء الأحلاف من ثقيف، وهو المغيرة بن شعبة الذي كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم السابقين في الإسلام.
فقد عرف المغيرة رجال الوفد وأثبتهم واحدًا واحدًا لأنهم كلهم أبناء بلده، وقد عايشهم أكثر عمره بالطائف، وعندما عرفهم المغيرة وعلم أنهم جاءوا لإعلان إسلام ثقيف، ترك الوادي (الذي كان فيه يرعى إبلًا للرسول صلى الله عليه وسلم) وصار يعدو على رجليه بأقصى سرعة ليبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بقدوم هذا الوفد، لأن المسلمين (وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم) يدركون أن إسلام ثقيف له ما بعده، مما يعود على الإِسلام والمسلمين بأعظم المكاسب، إذ يعني ذلك تنظيف آخر جيب من جيوب المقاومة الوثنية الخطيرة التي تشغل بال المسلمين، حيث لم تبق قوة وثنية مسلحة تحتاج إلى تجريد الجيوش، سوى ثقيف ذات العدد والعدة، والتاريخ الحربى يثبت هذه الحقيقة، فقد رأينا في أواخر السنة الثامنة الهجرية كيف ضرب إثنا عشر ألفًا من المسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم الحصار على حصون ثقيف فعجزت كل هذه القوات الكثيفة القوية عن فتح بلادهم.
لقد دلت تصرفات كبار الصحابة، حين علموا بقدوم وفد ثقيف ليعلن الإسلام، دلت على أن إسلام ثقيف حدث هام عظيم بدليل أنهم كانوا يتبارون في أيهم الأول يبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بقدوم وفد ثقيف.
فقد ذكر أصحاب المغازي والسير أن وفد ثقيف لما دنا من المدينة ونزل وادي قناة لقوا بها المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 61.
(2)
وادي قناة .. وادي مشهور يمر شمال المدينة بسفوح جبل أحد من الشرق إلى الغرب، وفيه دارت معركة أحد الشهيرة.