الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهم المشركين في سبيل الله.
وقد انضم إلى القائد مالك (وكان زعيمًا شجاعًا مشهورًا) انضم إليه كل الذين دانوا بالإسلام في المناطق القريبة من الطائف، فعقد له الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم لواءًا، فكوّن مالك من هؤلاء المسلمين جيشًا صار يغير بهم على من كان على الشرك.
وهكذا وبعد أن كان هذا الشاب الشجاع مصدر قلق وإزعاج للإسلام والمسلمين حين جيش الجيوش لمحاربة المسلمين وهزمهم في حنين (أول الأمر). تحول إلى عامل توطيد لدعائم الإِسلام، ومصدر إزعاج لمن بقى على الشرك من قبائل تلك النواحى التي يجاورها.
فبعد أن جعله الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا وقائدًا على المسلمين من قومه وسكان النواحى المجاورة صار يشن بهم الغارات، على أهل الشرك وخاصة قومه ثقيف الذين هم أقوى قوة بقيت من هوازن بعد الهزيمة في حنين تناوئ الإِسلام.
كيف يصنع الإِسلام إذا لامس القلب
وهكذا هو الإِسلام إذا لامس قلب الإنسان وخالطه، أزال من الإِنسان كل عوامل الشر، وغرس مكانها عناصر الخير.
فهذا مالك بن عوف النصرى، عندما كان على شركه - غاية في العناد والمكابرة والمضى في مضمار الشيطان. فقد رأينا كيف جمع مالك عشرين ألف مقائل من هوازن وأحلام تدمير الإسلام والاستيلاء على مكة تداعب خياله، فخرج بهذه القوات غازيًا، ومصممًا على إخراج المسلمين من مكة انتصارًا للشرك والوثنية، ورأينا كيف بذل مالك جهده لإنزال الهزيمة المدمرة بالمسلمين، كيف أنه (عنادًا منه) عندما عارض بعض عقلاء قومه حمله النساء والذرية والأموال مع الجيش فعارضوا بعض مخططاته للمعركة، هددهم بأنه سينتحر إذا لم يوافقوه على الخطة التي رسمها لمحاربة المسلمين، ورأينا كيف كان جهده وصبره في القتال لتوطيد دعائم الشرك في حنين.
ولكن ها هو اليوم مالك بنفسه -وبعد أن جعل الإسلام منه إنسانًا آخر، إنسانًا أدّبه القرآن وهذّب طباعه النافرة بالإسلام- ها هو يتحول إلى
سيف باتر سله الله على المشركين، فصار يشن عليهم الغارات صادقًا مخلصًا للإسلام، حتى دوخهم، وخاصة قومه ثقيف، فصار جهاده من أكبر العوامل التي مهدت الطريق لسلطان الإسلام كى يبسط ظله على ثقيف التي ظلت حتى السنة التاسعة للهجرة مستعصية تقاوم الدعوة الإسلامية وتحاربها بكل شراسة وعناد.
قال الواقدي: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف على من أسلم من قومه ومن تلك القبائل حول الطائف من هوازن. وفهم، فكان قد ضوى إليه قوم مسلمون، وعقد له لواء، فكان يقاتل بهم، ولا يخرج لثقيف سرح (1) إلا أغار عليه، وقد رجع حين رجع وقد سرح الناس مواشيهم، وأمنوا فيما يرون حيث انصرف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لا يقدر على سرح إّلا أخذه، ولا على رجل إلا قتله، فكان قد بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالخمس مما يغير به، مرة مائة بعير ومرة ألف شاة، ولقد أغار على سرح لأهل الطائف فاستاق ألف شاة في غداة واحدة. فقال أبو محجن بن حبيب.
تهاب الأعداء جانبنا
…
ثم تغزونا بنو سلمه
وأتانا مالك بهمو
…
ناقضًا للعهد والحُرُمَه
وأتونا في منازلنا
…
ولقد كانوا أولى نقمه
وقال مالك بن عوف شعرًا يمتدح الرسول صلى الله عليه وسلم وهو:
ما إن رأيت ولا سمعتُ بمثله
…
في الناس كلّهمو بمثل محمدِ
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى
…
ومتى تشأ يُخْبِرْك عمَّا في غد
وإذا الكتيبة عرَّدت أنيابها
…
بالمشرفيِّ (2) وضرب كل مهندِ (3)
(1) السرح (بفتح السين وسكون الراء): ما يسرح من الماشية في المراعي من الإبل والشاء والخيل وغير ذلك.
(2)
المشرفى السيف. قال أبو عبيدة: نسبت السيوف المشرفية إلى مشارف، وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف، وقيل: هي في جنوب الشام قرب حدود الجزيرة العربية.
(3)
المهند: السيف المطبوع من حديد الهند.