المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليق على عدد القتلى المسلمين: - من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى - جـ ٩

[محمد بن أحمد باشميل]

فهرس الكتاب

- ‌ 9 -غَزْوَةُ حُنَيْن

- ‌المقدمة

- ‌كلمة المؤلف

- ‌الفصل الأول

- ‌جيوب المقاومة حول مكة قبل هوازن

- ‌حملة هدم العزى 25 رمضان سنة ثمان للهجرة

- ‌تاريخ العزي

- ‌أول من تسمى باسم العزّى من العرب:

- ‌حملة يلملم أواخر شهر رمضان سنة ثمان للهجرة:

- ‌حملة عُرنَة: أواخر رمضان سنة ثمان للهجرة:

- ‌حقيقة موقف خالد من قتل بني جذيمة

- ‌الرسول يرضى عن خالد بعد أن غضب عليه

- ‌الفصل الثاني

- ‌من هم هوازن

- ‌هوازن وحروب الفِجَار

- ‌سوق عكاظ هي السبب

- ‌المعركة الأولى من الفجار الرابع

- ‌المعركة الثانية من الفجار الرابع

- ‌المعركة الثالثة من الفجار الرابع

- ‌المعركة الرابعة من الفجار الرابع

- ‌امرأة من قريش تجير هوازن

- ‌المعركة الخامسة من الفجار الرابع

- ‌نظرة العرب إلى قريش

- ‌دستور غير مكتوب

- ‌أول برلمان عربي

- ‌هوازن تشعر بالخطر وتحشد للصدام

- ‌عداوة هوازن للإِسلام

- ‌المتعداد هوازن للزحف على مكة

- ‌تنصيب مالك بن عوف قائدًا لهوازن

- ‌أسلوب الواقدي في الرواية

- ‌الفصل الثالث

- ‌الحالة بين هوازن وقريش بعد ظهور الإسلام

- ‌أسلوب قائد هوازن المتهور في التعبئة

- ‌أول انشقاق في جيش هوازن

- ‌استخبارات الرسول في ديار هوازن

- ‌التقرير عن حالة هوازن الحربية

- ‌تحرك هوازن صوب مكة

- ‌وادي أوطاس مركز تجمع هوازن الرئيسى

- ‌دريد بن الصمة في جيش هوازن

- ‌القائد العام المستبد لم يستفد من خبرة دريد بن الصمة

- ‌دريد بن الصمة يدعو للرجوع بالجيش وتفادى الصدام مع المسلمين

- ‌قائد هوازن يهدد بالانتحار

- ‌تحرّك الجيش النبوي من مكة

- ‌استعارة الرسول السلاح من المشركين

- ‌استقراض الرسول صلى الله عليه وسلم المال من أهل مكة

- ‌تاريخ تحرك الجيش النبوي من مكة إلى حنين

- ‌نائب الرسول على مكة

- ‌عدد القوات النبوية المتحركة إلى حنينن

- ‌وخامة عواقب الإعجاب بالنفس:

- ‌حديث الجيش عن الإعجاب بالكثرة

- ‌من بقايا تأثيرات الجاهلية المطالبة بذات أنواط

- ‌محاولة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم في الطريق إلى حنين

- ‌تقارير استخبارات هوازن عن الجيش النبوي

- ‌الاستخبارات النبوية في معسكر هوازن

- ‌أعمال الحراسة ليلة المعركة

- ‌كيف عبأ الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه

- ‌الجدول بأسماء القادة في حنين:

- ‌أسماء حملة الرايات

- ‌أسماء حملة الألوية

- ‌أسماء حملة الرايات من أهل البادية

- ‌الخيل في مقدمة الجيش النبوي

- ‌كيف عبأ قائد هوازن قواته في حنين

- ‌التخويف والإِرهاب بالتضليل

- ‌صحابي يصف ضخامة جيش هوازن

- ‌الفصل الرابع

- ‌نشوب المعركة وهزيمة المسلمين

- ‌كمائن المشركين تهزم المسلمين

- ‌أسباب نجاح كمائن هوازن

- ‌كيف انهزم المسلمون بفعل الكمائن

- ‌المرجفون في جيش الإِسلام

- ‌محاولة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة الهزيمة

- ‌حديث المؤرخين عن الهزيمة

- ‌الكمائن بمشورة دريد بن الصمة

- ‌ثبات الرسول القائد ساعة الهزيمة

- ‌الرسول يحاول إيقاف المنهزمين

- ‌الامتحان العظيم

- ‌صيحة العباس تعيد المنهزمين

- ‌احتدام القتال من جديد

- ‌وصف الواقدي للمعركة

- ‌الذين ثبتوا مع الرسول ساعة الهزيمة

- ‌شأن المائة الصابرة مع الرسول

- ‌دعاء النبي يوم حنين

- ‌اشتداد القتال بين الفريقين

- ‌استبسال قائد قبيلة هوازن

- ‌المعجزة السماوية يوم حنين

- ‌تعليق السهيلى على المعجزة

- ‌دور المرأة المسلمة في معركة حنين

- ‌امرأة تطلب إعدام المنهزمين المسلمين

- ‌حكم الفارين من الزحف

- ‌كلام الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان قلوبهم

- ‌كيف كانت هزيمة هوازن

- ‌جرح قائد الفرسان خالد بن الوليد

- ‌مقتلة ثقيف وقتل قائدها

- ‌الفصل الخامس

- ‌مطاردة المنهزمين من هوازن

- ‌مصرع الفارس المعمر دريد بن الصمة

- ‌مصير القائد العام لهوازن

- ‌الرسول ينهى عن قتل النساء والأطفال

- ‌تصفية جيوب مقاومة هوازن

- ‌الرجل الذي انتحر في جيش الإسلام

- ‌الغنائم العظيمة

- ‌تجميد الغنائم حتى العودة من الطائف

- ‌ حصار الطائف

- ‌مصير قبائل هوازن

- ‌تاريخ ثقيف

- ‌ثقيف عند ظهور الإِسلام

- ‌ثقيف تستقدم المنجنيقات للدفاع

- ‌العمليات الحربية قبل حصار الطائف

- ‌النبي يتحرك إلى الطائف

- ‌خالد على مقدمة الجيش إلى الطائف:

- ‌بداية حصار الطائف

- ‌مصرع قاتل يزيد بن زمعة

- ‌محاولة المسلمين اقتحام حصن الطائف

- ‌زرع الحسك حول قلاع الطائف

- ‌فشل الهجوم الفدائي على حصن ثقيف

- ‌خروج بعض مقاتلي ثقيف من الحصن وإسلامهم:

- ‌تصرفات سيد غطفان السيئة بالطائف

- ‌خالد بن الوليد يطلب المبارزة

- ‌الرسول يأمر بإتلاف بساتين ثقيف ثم يعدل عن ذلك:

- ‌فك الحصار عن الطائف:

- ‌الرسول يستشير الخبراء بشأن استمرار الحصار أو فكه

- ‌ملاحاة أبي محجن وابن الخطاب

- ‌تذمر الجيش النبوي لفك الحصار عن الطائف

- ‌عيينة بن حصن يفخر بثقيف فيزجره عمرو بن العاص

- ‌دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لثقيف

- ‌الشهداء في حصار الطائف:

- ‌طريق الرسول إلى مكة:

- ‌مثالية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌قصة سراقة بن جعشم المثيرة

- ‌وقفة فقهية

- ‌هل استسلمت ثقيف لوحدات من جيش الرسول بعد انصرافه عنها

- ‌الغنائم والسبي في الجعرانة

- ‌بناء المساكن للسبى بالجعرانة

- ‌الأعراب يلحون في تقسيم السبى والغنائم

- ‌أمانة وشرف الجندى المسلم

- ‌قسمة غنائم حنين بين الجيش

- ‌الرسول يغدق العطايا على المؤلفة قلوبهم

- ‌أسماء المؤلفة قلوبكم الذين أعطوا من الغنائم:

- ‌أول السائلين من الغنيمة أبو سفيان

- ‌حكيم بن حزام الزاهد:

- ‌معاتبة العباس بن مرداس للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ما قاله بعض المنافقين أثناء تقسيم الغنائم

- ‌عتاب الأنصار للرسول بشأن الغنائم

- ‌سيد الخزرج يبلغ الرسول عتاب قومه الأنصار

- ‌الرسول يناقش الأنصار حين عاتبوه بشأن الغنائم

- ‌أخت الرسول التي كانت بين السبايا

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يحرر سبايا هوازن

- ‌وفد هوازن بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إسلام ملك هوازن وقائدها مالك بن عوف

- ‌النبي يعلن العفو عن مالك بن عوف

- ‌قائد المشركين يتحول إلى قائد المسلمين

- ‌كيف يصنع الإِسلام إذا لامس القلب

- ‌إسلام صفوان بن أمية

- ‌عودة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌أمير مكة الشاب القوي الصالح

- ‌تاريخ وصول الرسول المدينة

- ‌إسلام ثقيف

- ‌ثقيف تقتل سيدها بعد إسلامه

- ‌ثقيف كلها تدخل الإِسلام:

- ‌الشروط السخيفة التي اشترطتها ثقيف لإسلامها:

- ‌أمير ثقيف منهم:

- ‌هدم الطاغية اللات وما صاحبه من متاعب:

- ‌تاريخ اللات ومن هو

- ‌كيف أضحك المغيرة الناس من ثقيف

- ‌حديث الواقدي المطوّل عن ثقيف وصنمها اللات:

- ‌الفصل السادس

- ‌قتلى الفريقين في معركة حنين:

- ‌تعليق على عدد القتلى المسلمين:

- ‌بين أحد وبدر وحنين:

- ‌دروس من حنين

- ‌أسباب هزيمة المسلمين في البداية:

- ‌أهم أسباب انتصار المسلمين بعد انهزامهم:

- ‌أسباب هزيمة هوازن الساحقة بعد انتصارها:

- ‌أسباب فشل المسلمين في حصار الطائف:

- ‌انهيار الوثنية في جزيرة العرب:

- ‌أهم مراجع هذا الكتاب

الفصل: ‌تعليق على عدد القتلى المسلمين:

فكم هي إذن الضحايا بين العشائر الأخرى من هوازن؟ لا شك أنها تعد بالمئات أيضًا، وهذا غير مستغرب، لأن طبيعة المعركة تفرض أن تكون الضحايا كثيرة جدًّا، لأنها معركة لم يدر مثلها (بعد مؤتة) في الضراوة والشراسة والعنف حيث صبر الفريقان فيها صبرًا عظيمًا كما تقدم وصفه في هذا البحث.

‌تعليق على عدد القتلى المسلمين:

وإذا كان يستشف من حديث أصحاب السير والمغازى أن هوازن قد فقدت (تقريبًا) أكثر من ألف قتيل، فإن أصحاب السير، المغازي هؤلاء قد وضعوا جدولًا لقتلى المسلمين لم يذكروا فيه (كما تقدم) أكثر من أربعة شهداء، ونحن -واستنادًا إلى نظرية فيلسوف التاريخ الإِمام ابن خلدون الذي ذكرها في مقدمته- نرى أن هذا العدد (بالنسبة لمستوي المعركة الضارية قليل) فنقول:

مما لا جدال فيه ولا اختلاف بين أصحاب السير والمغازى أن معركة حنين هي (بعد معركة مؤتة) أعنف معركة يخوضها الجيش النبوي، وقد شهد بذلك الصادق المصدوق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال -بعد أن عاد المنهزمون المسلمون إلى الميدان: الآن سمى الوطيس، وهذا قول يصوِّر شدة القتال وضراوته، وهو قول، لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم مثله في وصف أية معركة من المعارك التي خاضها طيلة حياته .. قول يجسد ويصوِّر صبر الفريقين في القتال العنيف الضارى، لأن الوطيس في القتال لا يحمى إلا إذا تصافح المحاربون بالسيوف وتداسروا بالرماح وتراشقوا بالنبل على أعلى مستؤيات القتال في ثبات وصبر وعناد.

وهوازن قبيلة محاربة على مستوى ممتاز وقواتها المشتركة في المعركة قوات كثيفة حددها المؤرخون بعشرين ألف مقاتل، كما أن هذه القوات الكثيفة كانت تحت قيادة ملك فتى باسل هو في القمة من حيث الشجاعة والخبرة بالحرب وأساليبها، وكان جيشه الكثيف شديد الانضباط، إلى درجة رأينا معها كيف أطاع عامة الجيش وسمعوا لقائدهم الشاب، رغم الغلطة التعبوية التي ارتكبها، والمتمثلة في إجبار جند هوازن على أن يصطحبوا معهم إلى ميدان القتال النساء

ص: 231

والأطفال والأموال، وهي الغلطة التي نبه المحارب المجرب دريد بن الصمَّة الجشمى القائد مالكًا إليها وطالبه بشدة أن يتراجع عنها. فرفض استنادًا إلى ما ترسخ في اعتقاده أن ما أقدم عليه بهذا الشأن سيكون من أكبر الحوافز للجند على الثبات وعدم التفكير في الهرب. وفعلًا ثبت جند هوازن حتى فقدوا (وهم صابرون) ما لا يقل عن ألف قتيل في تقديرنا استنادًا إلى إشارات أصحاب المغازي والسير.

ثم إننا (كما شهد المؤرخون أنفسهم) رأينا كيف نزلت الهزيمة المروِّعة بجيش الإِسلام في المرحلة الأولى من المعركة حتى وصلت طلائعه المنهزمة قريبًا من مكة، والمنهزم الهارب يكون القتل فيه كثيرًا دونما جدال، لا سيما إذا كان عدوّه المنتصر يطارده لينزل به أكبر خسارة ممكنة في الأرواح، وهو ما فعلته هوازن المنتصرة (بشهادة أصحاب المغازي والسير) في أول المعركة، وكانت هوازن عشرين ألفًا والمسلمون اثنى عشر ألفًا.

يضاف إلى ذلك (وهو الأهم) نجاح كمائن هوازن في هجومها الصاعق على المسلمين، فقد انقضت الكمائن بأسلوب صاعق مباغت عند الفجر على الجيش النبوي وهاجمته بمختلف الأسلحة بما في ذلك الخيل، كما قصف رجال الكمائن الهوازنية المسلمين من مختلف الجهات بوابل من النبال وصفها بعض المؤرخين لكثافتها كأنما أرجال الجراد. وهذه النبال لا بد وأن تصيب مقاتل كثير من الذين تعرَّضوا لها لاسيما وأنهم كانوا مكشوفين لرماة النبل الذين كانوا يتربصونهم وراء التلال دون أن يعلموا عنهم شيئًا.

وقد رأينا -أثناء حصار الطائف- كيف قُتل أربعة عشر من المسلمين بنبال الثقفيين الذين كانوا في حصونهم، رغم أن المسلمين كانوا على استعداد وحذر، وكانوا بعيدين عن مرمى النبال ومستترين بمختلف، الآلات والوسائل.

فكيف إذن (ومع كل الذي أوضحناه) يكون كل قتلى المسلمين في معركة حنين من أولها إلى آخرها أربعة قتلى فقط؟ .

إن الذي نراه (وهذا مجرد استنتاج وتقييم) أن شهداء المسلمين في معركة حنين أكثر بكثير من الذي ذكره الواقدي وابن إسحاق والطبرى، ولا ندرى (طبعًا) بالتحديد كم هم عدد الشهداء الذين نعتقد أنهم سقطوا في ميدان

ص: 232

الشرف بحنين، ولكنهم (في نظرنا) يبلغون المئات، وهو عدد لا بد وأن يسلم به كل خبير عسكرى درس وصف المؤرخين لمراحل معركة حنين الطاحنة.

ونحن بهذا لا نتهم الأئمة الأعلام من أصحاب السير والمغازى بإخفاء الحقائق، كلا وألف كلا. بل نؤكد أنهم مثال النزاهة والأمانة والصدق، فهم (كما ذكرنا في كتابنا غزوة مؤتة) أمناء ثقات يقدِّرون مسؤولية ما يكتبون لمن بعدهم من الأجيال، وانطلاقًا من قاعدة الأمانة في النقل التي التزموها لم يذكروا من شهداء معركة حنين إلا ما وصل إلى علمهم عن طريق الثقات، وهم أربعة شهداء فقط.

ولكن هؤلاء المؤرخون الأعلام أثبتوا بالتفصيل ضراوة المعركة وشدتها وطول وقتها وذكروا ما يشير إلى أن قتلى المشركين بلغوا المئات دون أن يضعوا جدولًا سوى لأسماء أربعة منهم على رأسهما قائد قوات ثقيف عبد الله بن عثمان.

ثم إننا (مع ترجيحنا القوى بأن قتلى المسلمين في حنين قد وصلوا المئات) وترجيحنا هذا مبنى على ما درسناه من مراحل القتال الشرس والضارى ابتداء من انهزام إثنى عشر ألف مقاتل (أول الأمر) وهم المسلمون وملاحقة عشرين ألف مقاتل لهم يخبطونهما بالسيوف ويطعنونهما بالرماح ويرمونهم بالنبال، وهم المشركون، مدة من الزمن، ثم رجوع المنهزمين المسلمين والتحامهم مع المنتصرين المشركين في قتال شرس ضار لم يصف الرسول مثله في الضراوة بسبب صبر الفريقين وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:"الآن حمى الوطيس". إننا مع ترجيحنا هذا نعتز بنزاهة وأمانة أئمتنا المؤرخين الأعلام الذين لم يكتبوا لنا في مؤلفاتهم إلا أسماء ما وصل إلى علمهم من شهداء المسلمين وهم أربعة .. كما لم يذكروا أيضًا إلا أربعة فقط من القتلى وكلهم من ثقيف.

ثم إن عدم حصول أئمة المغازي والسير على أعداد تفصيلية أو إجمالية لعدد شهداء المسلمين في معركة حنين وفي غيرها مثل معركة مؤتة (وهي في نظرنا أعداد كثيرة) يرجع إلى عدة أمور.

1 -

أنه لم يكن هناك (لا في قيادات المسلمين ولا في قيادات المشركين) قسم إدارى مهمته إحصاء القتلى وتقديم قوائم بأسمائهم كما هو النظام السائد في الجيوش العصرية.

ص: 233

2 -

ليس هناك (كما قلنا في كتابنا غزوة مؤتة) ديوان إحصاء للجند يسجل فيه المنخرطون في سلك الجيش بحيث يمكن الرجوع إلى هذا السجل لعرفة عدد وأسماء الشهداء فيسهل على المختصين بأخبار المغازي والسير وضع قوائم بأسماء هؤلاء الشهداء في مؤلفاتهم.

3 -

يؤلف أبناء البادية من مختلف القبائل الأغلبية في الجيش النبوي يوم حنين، وهؤلاء بعد معركة حنين وحصار الطائف تفرقوا راجعين إلى قمم الجبال وبطون الوديان في بواديهم المنتشرة في طول الجزيرة وعرضها، ولا شك أن كل عشيرة علمت بشهدائها، ولكن من الصعب على المختصين بتدوين أخبار المغازي والحروب في العهد النبوي، الحصول من هؤلاء البدو على عدد وأسماء الشهداء من أبناء هذه العشائر، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاهتمام بتدوين أخبار الحروب الإسلامية في العهد النبوي لم يكن من المؤرخين إلا في أواسط أواخر القرن الثاني الهجرى.

من هنا جاء تقديرنا واستنتاجنا بأن هناك للإسلام جنودًا كثيرين استشهدوا في معركة حنين لم يصل إلى علم المؤرخين الأوائل عددههم وأسماؤهم، وأكثرهم (علي الأرجح) من أبناء البادية الذين يمثلون أكثرية الجيش المحارب في حنين.

هذا كما قلنا (في تعقيبنا على شهداء غزوة مؤتة) مجرد استنتاج وتقييم جعلنا نبديها استساغتنا -بل والتزامنا- للقاعدة الفلسفية التاريخية التي وضعها فيلسوف التاريخ والاجتماع الأول الإِمام عبد الرحمن بن خلدون الكندى الحضرمي في مقدمته الذائعة الصيت، والقائلة: إن على المؤرخ الباحث أن لا يجمد على النصوص المتعلقة بالتاريخ، بل عليه (مع فحص النصوص) أن يقيم الأحداث ويزن الأمور بميزان العقل فيرفض تصديق ما لا يقبله العقل والوجدان (كقصة العبّاسة أخت الرشيد) كما عليه أن يستخرج الحقائق على ضوء الواقع التاريخي والتي قد لا تكون النصوص التاريخية المسطورة قد ذكرتها ولكنَّ سياق هذه النصوص تُستشف منه هذه الحقائق كالترجيح بأن عدد شهداء المسلمين في معركتى حنين ومؤتة أكثر مما أورده أصحاب المغازي في كتبهم رضي الله عنهم.

ص: 234