الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاحاة أبي محجن وابن الخطاب
وذكر المؤرخون أن الفاروق عمر بن الخطاب جرت بينه وبن أبي محجن الثقفى (وكان يومها مشركًا) مشادّة. فقد طلع أبو محجن من علي سور الطائف ونادى المسلمين: يا عبيد محمد، إنكم والله ما لقيتم أحدًا يحسن قتالكم غيرنا، تقيمون ما أقمتم بشرّ محبّس، ثم تنصرفون لم تدكوا شيئًا مما تريدون، نحن قَسى وأبونا قسا (1) والله لا نسلم ما حيينا وقد بنينا طائفًا حصينًا، فناداه عمر بن الخطاب: يا ابن حبيب، والله لنقطعن عليك معاشك حتى تخرج من جحرك هذا، إنما أنت ثعلب في جحر يوشك أن يخرج. فقال أبو محجن: إن قطعتم يا ابن الخطاب حبلات عنب، فإن في الماء والتراب ما يعيد ذلك. فقال عمر: لا تقدر أن تخرج إلى ماء ولا تراب، لن نبرح عن باب جحرك حتى تموت. فقال أبو بكر الصديق: يا عمر لا تقل هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف. فقال عمر: وهل قال لك هذا رسول الله؟ فقال: نعم، . فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لم يؤذن لك يا رَسول الله في فتحها؟ قال: (لا)(2).
تذمر الجيش النبوي لفك الحصار عن الطائف
وبعد مراجعات دقيقة واستشارات قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم بين بعض أصحابه بشأن الاستمرار أو عدم الاستمرار في حصار الطائف، بل وبعد تلقى الرسول الوحى بعدم الإذن في الاستمرار في الحصار لفتح الطائف، قرر الرسول صلى الله عليه وسلم فك الحصار وأمر الجيش بالرحيل إلى مكة تاركًا ثقيفًا في حصونها على أمل أن يأتي بها الله لتدخل في الإسلام طائعة مختارة.
وقد أمرَ الرسول صلى الله عليه وسلم وزيره الثاني عمر بن الخطاب أن يعلم الجيش بأنه تقرر فك الحصار عن الطائف وأن يؤذن في الناس بالرحيل، وقد فعل عمر ما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم به.
وعندما سمعت جمهرة الجيش النبوي وتلقت الأوامر بالرحيل وترك ثقيف في
(1) قسى (بفتح أوله كسر ثانيه): لقب ثقيف. قال في لسان العرب: لأنه مر على رغال، وكان مصدقًا، فقتله فقيل: قسا قلبه فسمى قسيا.
(2)
مغازي الواقدي ج 3 ص 935.
حصونها جرى بين صفوف الجيش شيء من التذمر الواضح، فقد أظهرت بعض وحدات الجيش معارضة صريحة وأبدى بعض عناصر هذه الوحدات امتعاضًا واضحًا .. وقالوا: كيف ننصرف عن ثقيف وهي أضعف من جيوش هزمناها وأخضعناها .. ومشت بعض عناصر مِنْ الجيش مبدين اعتراضهم على الانسحاب .. مشت إلى أبي بكر وعمر وصارحتهما بهذه المعارضة وطلبت هذه العناصر من وزيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعاه كى يستمر في محاصرة ثقيف حتى تستسلم وهي صاغرة.
وحاول أبو بكر وعمر إقناع عناصر المعارضة للانسحاب وفك الحصار، ولكن هذه العناصر أصرَّت على أن يستمر الرسول صلى الله عليه وسلم في محاربة ثقيف.
ولم يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه المعارضة بل استمع إليها، وأمر بمعاودة الهجوم على ثقيف (بعد إصداره الأمر بالانسحاب) ونشب القتال من جديد بين الجيش الإِسلامي وبين ثقيف وكانت ثقيف (كما هو معلوم) معتصمين بقلاعهم والمسلمون مكشوفين. فرمتهم ثقيف بالنبال من على الأسوار. فأصابت عناصر من الجيش الإسلامى جراحات كثيرة دون أن يستطيعوا إحراز أي تقدم لاقتحام الطائف. وعندها اقتنع المعارضون بأن الصواب فيما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بفك الحصار عن حصون الطائف.
قال الواقدي متحدثًا عن قرار الانسحاب وظهور المعارضة في الجيش، ثم رجوع المعارضة وقبولها بقرار الانسحاب وفك الحصار: دخل عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أو لم يؤْذن لك فيهم (أي ثقيف) قال: (لا)، قال: أفلا أؤذّن في الناس بالرحيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى.
فأذّن عمر بالرحيل فجعل المسلمون يتكلمون، يمشى بعضهم إلى بعض، فقالوا: ننصرف ولا نفتح الطائف، لا نبرح حتى يفتح الله علينا، والله إنهم لأذل وأقل من لاقينا جمع مكة وجمع هوازن، ففرَّق الله تلك الجموع، وإنما هؤلاء ثعلب في جحر، لو حصرناهم لماتوا في حصنهم هذا.
وكثر القول بينهم والاختلاف فمشوا إلى أبي بكر فتكلموا فقال أبو بكر رضي الله عنه: الله ورسوله أعلم، والأمر ينزل عليه من السماء، فكلموا عمر فأبى