الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: نعم مجال الخيل، لا حَزن ضَرِس (1) ولا سهل دَهِس (2)، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وثغاء الشاء، وخوار البقر، وبكاء الصغير؟ .
قالوا: ساق مالك من الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم.
وهنا سأل عن موقف قبيلتين من أشد وأقوى قبائل هوازن وأصبرها على القتال، فقال:
- يا معشر هوازن، أمعكم من بني كلاب بن ربيعة أحد؟ .
قالوا: لا.
قال: فمعكم من بني كعب بن ربيعة أحد؟ .
قالوا: لا.
قال: لو كان خيرًا ما سبقتموهم إليه، ولو كان ذكرًا أو شرقًا ما تخلفوا عنه (3).
وقال دريد أيضًا لما بلغه تخلف كعب وكلاب عن المشاركة في حرب المسلمين في حنين: "غاب الجد والحد، لو كان يوم علاء ورفعه لم تغب عنه كعب وكلاب ولوَدِدت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب"(4).
ثم سأل: فمن شهدها منكم؟ .
قالوا: عمرو بن عامر وعوف بن عامر.
قال: ذانك الجذعان (5) من بني عامر لا ينفعان ولا يضران (6).
دريد بن الصمة يدعو للرجوع بالجيش وتفادى الصدام مع المسلمين
وعندما أطلع الخبير الحربى المجرّب المسنّ ابن الصمة على الحقيقة الرهيبة
(1) الحزن: المرتفع من الأرض، والضرس: الذي فيه حجارة محددة.
(2)
دهس: لين كثير التراب.
(3)
مغازي الواقدي ج 3 ص 887.
(4)
تاريخ الطبري ج 3 ص 71.
(5)
الجذع: هو الشاب الحدث: ويعني دريد بذلك أن من شهدها من بني عامر ليست لهم أية قيمة قتالية.
(6)
تاريخ الطبري ج 3 ص 71.
المتمثلة في جلب النساء والأطفال والأموال مع الجند وتخلف أهم أجنحة هوازن المحاربة كعب وكلاب، طلب من وجوه هوازن وشيوخ عشائرها أن يفعلوا فعل كلاب كعب، فيعصوا مالكًا ويرجعوا إلى بلادهم قبل أن يصطدموا بالمسلمين فقال:"أطيعونى يا معشر هوازن، وارجعوا وافعلوا ما فعل هؤلاء" -يعني كعبًا وكلابًا- فأبت عليه هوازن (1).
وعندما لم تستجب شيوخ العشائر ووجوه القبائل في جيش هوازن لنداء دريد بن الصمة، الداعى إلى عصيان القائد مالك بن عوف، والرجوع بالجيش دون أن يلقى المسلمين، وحيث بان له أن القائد المتغطرس المستبد المغرور مصمم على محاربة المسلمين، بذل محاولة جديدة أراد بها تجنيب النساء والأطفال والأموال الهائلة الوقوع في أيدى جيش الإِسلام إذا ما كانت له الدائرة على هوازن.
فاستدعى القائد العام الشاب مالك بن عوف، وبعد أن سأله عن سبب إكرأهه الجيش على حمل نسائهم وأبنائهم وأموالهم معهم، وبعد أن سفَّه رأيش وشرح له خطورة ما أقدم عليه، تقدم إليه باقتراح وطالبه بتنفيذه إنقاذًا لكرامة هوازن التي لم يعد لدى الخبير المحنك (دريد) أدنى شك في أنها ستمسح في الوحل، إذا ما أصر القائد العام على الاستمرار في اصطحاب النساء والأطفال والاموال مع الجيش. وهذا الاقتراح يتلخص في أن يأمر القائد العام مالك بن عوف بإِعادة النساء والأطفال والأموال إلى رؤوس الجبال لينجو من الوقوع في الأسر إذا ما كان النصر للمسلمين في المعركة، وأن يلقى مالك المسلمين على ظهور الخيل ليتمكن جيش هوازن من الانسحاب بأقل خسارة ممكنة إذا ما دارت عليه الدائرة. لكن القائد المغرور مالكًا استكبر أيضًا هذه المرة ورفض الاستجابة لنصيحة الخبير (دريد بن الصمة).
فقد ذكر أصحاب المغازي والسير وأصحاب الحديث أن دريدًا بن الصمة قد أفزعه تصرف القائد مالك بن عوف عندما ساق مع الجيش نساءهم وأبناءهم وأموالهم، لأن ذلك (في نظر دريد كما هو في نظر كل قائد عسكرى
(1) مغازي الواقدي ج 3 ص 887.
مسئول يقدّر المسئولية) ضرب من الانتحار والتهور، لا يقدم عليه من يضع نتائج المعارك في مقدمة حسابه قبل الإِقدام عليها.
ولذلك استدعى دريد بن الصمة الملك والقائد مالكًا، فلما حضر مالك دار بينهما هذا الحوار الحاد:
دريد: يا مالك إنك تقاتل رجلًا كريمًا (يعني النبي صلى الله عليه وسلم)، وقد أصبحت رئيس قومك وأن هذا اليوم كائن لما بعده من الأيام .. يا مالك ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء أو ثغاء الشاء؟ (1).
مالك: سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم.
دريد: ولم؟
مالك: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وولده وماله ونساءه، حتى يقاتل عنهم.
دريد: (بسخرية وحنق) راعى ضأن ماله وللحرب -يعني مالكًا- ثم انقض (2) بيده ..
ثم قال دريد: وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك رجل إلا بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضِحتَ في أهلك ومالك، ثم أردف: يا مالك إنك لم تصنع بتقديم بيضة (3) هوازن إلى نحور الخيل شيئًا. فإذا صنعت ما صنعت فلا تعصنى في هذه الخطة، ارفعهم (أي النساء والأموال والأولاد) إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم وعزهم، ثم الق الصباة (4)(يعني المسلمين) على متون الخيل، فإن كانت لك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك.
(1) اليعار (بضم الياء) والثغاء (بضم الثاء) معنى لكلمة واحدة، وهو صوت الغنم.
(2)
قال في النهاية في غريب الحديث: أنقض أي صفق بإحدى يديه حتى يسمع لها نقيض، أي صوت.
(3)
قال أبو ذر في شرحه ص 385: بيضة هوازن جماعتهم.
(4)
الصباة جمع صابئ، وهو من يخرج من دين إلى دين، وكان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: . قد صبأ. وكانت الرب تسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصابئ لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام. فالصباة في كلمة دريد هم المسلمون .. انظر لسان العرب.