الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحارب الشهير دريد بن الصمّة الجشمى ذلك لمالك بن عوف - وهو ينصحه بإرجاع النساء والأطفال والأموال إلى رؤوس الجبال ويلقى المسلمين متون الخيل -كما سيأتي فيما يلي من هذا الكتاب إن شاء الله.
أول انشقاق في جيش هوازن
ورغم الحشد الكبير الذي حشده مالك بن عوف النصرى (عشرين ألفًا لغزو المسلمين في مكة) فإن شقاقًا خطيرًا قد حدث بين صفوف التجمع الوثنى الهوازني.
فقد عارضت قبيلتان طما وزنهما العسكري الكبير بين هوازن .. عارضت هاتان القبيلتان فكرة مالك بن عوف القائد العام، والقائلة بنقل المعركة إلى مكة ومحاربة المسلمين لإِخراجهم منها، وكانت معارضة هاتين القبيلتين (على ما يبدو) منطلقة من أن ترك هوازن لديارها وزحفها بقضها وقضيضها ونسائها وأطفالها وأموالها لمواجهة المسلمين خارج ديار هوازن، يحمل كل معاني التهور وعدم الحسبان للنتائج حيث يعرض هوازن لخطر مدمر لأن الحرب (أيّ حرب) غير مأمونة عواقبها، إذ لو حديث (وهو ما حدث بالفعل) وأن نزلت الهزيمة بهوازن فإنها ستكون هزيمة فاضحة فاضحة لا يمكن أن تقوم لهوازن بعدها قائمة، حيث سيقع نساؤها وأبناؤها وكل ما تملك غنيمة في أيدى المسلمين.
غير أن مالك بن عوف غلبه طيش الشباب فاصر على تنفيذ فكرته، وقرر الزحف (حسب الخطة المرسومة) على المسلمين في مكة.
وهكذا ولا لم يسمع صوت المعارضة بين هوازن والمتمثل في رجال قبيلتى (كعب (1) وكلاب (2) وهما من بني عامر بن صعصعة) أعلنت هاتان
(1) كعب هؤلاء بطن عظيمة من هوازن، وهم بنو كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وكان منهم من يقطن المنطقة الواقعة بين تهامة والمدينة وأرض الشام. قال في معجم قبائل العرب دخلت الشام منهم قبائل عقيل وقسر وحريش وجعدة فانقرض الثلاثة في دولة الإِسلام، ولم يبق إلا بنو عقيل، وكانوا بنجد عند مجئ الإِسلام، ودارهم الفلج وما أحاط به من البادية، كذا قال في "معجم ما استعجم".
(2)
كلاب هذه بطن عظيمة أيضًا من هوازن قال في معجم قبائل العرب: وهم أبناء كلاب بن ربيعة =
القبيلتان رفض الانضمام إلى جيش هوازن الغازى، فحدث بذلك أول انشقاق خطير في جيش هوازن، لأن قبيلتى (كعب وكلاب) تعتبر من أهم الأجنحة العسكرية ذات القدرة القتالية والكثرة العددية بين قبائل هوازن. هذا ما شهد به الخبير العسكري المجرب (دريد بن الصمة) عندما تبلغ وهو في وادي حنين يجادل القائد العام مالك بن عوف حول الخطأ القاتل الذي ارتكبه باصطحاب الجيش نساءه وأطفاله وأمواله.
فقد سأل دريد بن الصمة (وهو ينصح مالك بن عوف بإرجاع النساء والأطفال والأموال إلى رؤوس الجبال):
- ما فعلت كعب وكلاب؟
قالوا: ليس في الجيش منهم أحد.
فقال: غاب الحد والجد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب (1).
وكان الذي منع كلابًا من حضور حنين مع هوازن، ابن أبي البراء. فقد روى الواقدي في مغازيه ج 3 ص 886 فقال: ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، وقد كانت كلاب قريبة، فقيل لبعضهم: لم تركتها كلاب؟ فقال: أما والله إن كانت لقريبة، ولكن ابن أبي البراء مشى فنهاها عن الحضور فأطاعته، وقال: والله لو ناوأ محمدًا من بين المشرق والمغرب لظهر عليه.
ورغم انشقاق كعب وكلاب من صفوف التجمع الهوازني وتمردها على القائد العام مالك بن عوف بعدم انصياعها لأوامره وإعلانها عدم الانخراط في سلك جيشه، فإن قوة هوازن بقيت (من الناحية الحربية) قوة جبارة مرهوبه حيث انصاع عشرون ألف مقاتل من هوازن لقائدهم الشاب مالك بن عوف، يقابلهم اثنا عشر ألف مقاتل من المسلمين.
= أخو كعب بن ربيعة، قال في معجم قبائل العرب: "كانت ديارهم بحمى ضرية، وهو سمى كليب، وحمى الربذة في جهات المدينة النبوية وفدك والعوالى، ثم انتقلوا إلى الشام، فكان لهم في الجزيرة صيت، وملكوا، وقد اتخذوا في الجاهية بدومة الجندل صنمًا يدعى ودًا، ودخلوا في دين النصرانية ثم في الإسلام).
(1)
البداية والنهاية.
وتدل لهجة المؤرخين في أمهات التاريخ على أن النية كانت مبيتة لدى هوازن لمواجهة المسلمين وغزوهم في أي مكان، وأنهم كانوا يعدون العدة لذلك حتى قبل أن تتم السيطرة للمسلمين على مكة، كما أنهم كانوا في استعدادهم قد ذهبوا إلى أن يدخلوا في حسابهم أسوأ الظروف، فحسبوا (وهم يضعون خطة الحرب ضد المسلمين أينما كانوا) حساب احتمال نزول الهزيمة بهم وهم يشنون الهجوم على المسلمين في أي مكان.
فوضعوا (انطلاقًا من هذا الحسبان) خطة الدفاع -بعد وضعهم الهجوم-، وخطة الدفاع هذه تتلخص في الاستعداد للتحصن في المدن (كالطائف مثلًا) إذا ما كانت الهزيمة نصيبهم من هجومهم على المسلمين.
واستكمالًا لخطة الدفاع هذه (وهي خطة احتياطية) أرسلوا من ثقيف (بطن من هوازن) بعثة أبي مدينة جرش في الأُردن التي كانت جزءًا من الشام الخاضع يوم ذاك لسلطان الإِمبراطورية الرومانية المعادية للإسلام والمسلمين.
وكانت مهمة هذه البعثة التي كان يرأسها (عروة بن مسعود (1) الحصول على آلات حرب ثقيلة تصلح للحروب التي يكون فيها حصار، بحيث تُستخدم في الدفاع عن القلاع والحصون، وفي شن الهجمات المضادة على جيش العدو الذي يتولى الحصار.
وكانت جرش (الرومانية آن ذاك) بها مصانع للمنجنيقات والعرادات (راجمات) والدبابات (آلات واقية يتستر خلفها الجنود عند الزحف في بعض الحالات لتقيهم السهام)، ولذلك قررت هوازن ضمن خطتها الحربية أن ترسل هذه البعثة للحصول من المصانع الرومانية في (جرش) على هذه الأسلحة الحربية الثقيلة.
وكانت هذه الخطة التي تدل على تبييت النية على غزو المسلمين من قبل هوازن قبل وصولهم مكة بل وحتى قبل تحركهم من المدينة .. كانت هذه الخطة قد كشفها جاسوس من هوازن ألقت عليه القبض جريدة من الخيل التابعة لسلاح الاستكشاف في الجيش النبوي الذي كان يتحرك من المدينة نحو مكة.
(1) انظر ترجمة ابن مسعود في كتابنا (صلح الحديبية).