الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل. لقد خبتُ وخسرتُ، إذ لم أعدل فمن يعدل؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله إيذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرّمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم إلى رصافه (1) فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نصله (وهو قدحه) فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه (2) فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدى المرأة أو مثل البضعة، تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعته. قال ابن كثير: ورواه مسلم أيضًا من حديث القاسم بن الفضل عن أبي نضرة عن أبي سعيد به نحوه (3).
عتاب الأنصار للرسول بشأن الغنائم
كان الأنصار (الأوس والخزرج) منذ بيعة العقبة الكبرى وهي (حسب التعبير العصرى) المعاهدة العسكرية التي أبرمت بين الرسول صلى الله عليه وسلم والأنصار. وتعهدوا فيها بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم كما يحمون نساءهم وأنفسهم وأطفالهم .. كان هؤلاء الأنصار (دائمًا وأبدًا) العمود الفقرى للجيش النبوي في أية معركة ضد أعداء الإِسلام، وكانوا هم الذين آووا الرسول صلى الله عليه وسلم وتحملوا مسؤولية حمايته بعد أن هاجر إليهم، مع علمهم بأنهم بذلك يعادون الجزيرة العربية كلها التي كان سكانها يوم ذاك مشركين معادين للتوحيد.
وعلى موقف الأنصار النبيل هذا إزاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هاجر معه من
(1) الرصاف (بكسر الراء): عقب يلوى على مدخل النصل، كذا قال في النهاية في غريب الحديث.
(2)
القذذ (بضم القاف وفتح الذال): ريش السهم.
(3)
البداية والنهاية ج 4 ص 363 ومغازي الواقدي ج 3 ص 948 - 949 وتاريخ الطبري ج 3 ص 92.
أهل مكة، أثنى الله تعالى بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1){وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (2).
فكان الأنصار (كما سمّاهم الله تعالى) أنصار رسوله الريئسيين في كل موقف، وكانوا لكثرة عددهم وشدة بأسهم في الحرب - مركز الثقل في أي جيش يقوده الرسول صلى الله عليه وسلم .. ففي معركة بدر الكبرى التي دخل المسلمون بعدها التاريخ من أوسع أبوابه، كان جيش الإِسلام كله ثلاثمائة وثمانية عشر مقاتلًا، بينهم من الأنصار وحدهم، حوالي مائتين وثلاثين محاربًا.
وفي جيش الفتح الذي فتح الله به مكة المكرمة والذي هو عشرة آلاف مقاتل والمكوَّن من أكثر من عشرين قبيلة. كانت قبيلة الأنصار وحدها تشكل نصف هذا الجيش (تقريبًا) حيث كان عددهم وحدهم فيه أربعة آلاف مقاتل.
وفي معركة حنين الحاسمة وعندما انهزم الجيش في المرحلة الأولى من القتال. إنما ناشد الرسول صلى الله عليه وسلم حينما ناشد المسلمين الرجوع إلى ساحة الشرف -أول ما ناشد الأنصار فعادوا إلى الميدان وصاروا القطب الذي دارت رحى هذه المعركة الفاصلة التي انتهت بنصر المسلمين الساحق على مشركى هوازن.
الأنصار الكرام هؤلاء قد عبّروا عن استيائهم للعطايا الجزيلة التي أعطيت من غنائم حنين لبعض زعماء القبائل الحديثى العهد بالإِسلام والذين لم يمض على إسلام بعضهم (كأهل مكة) أكثر من شهر. والذين أعطى كل واحد منهم مائة من الإبل وذلك من الرسول الهادي الذي لا مكان لحب الدنيا في قلبه- بدافع الحرص على تألف قلوبهم وجذبهم نحو الإِسلام كما بيَّن هذا الدافع فيما بعد للأنصار عندما قالوا ما قالوا حول هذا الموضوع.
فقد ذكر المؤرخون وأصحاب الحديث كالبخارى ومسلم. أن الأنصار لما
(1) الحشر 9.
(2)
الأنفال 74.
أجزل الرسول صلى الله عليه وسلم العطاء من الغنائم لزعماء القبائل من الأعراب ومن أهل مكة. صدر عنهم ما يمكن تسميته عتابًا للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
ولما بلغ هذا العتاب إلى مسامع الرسول صلى الله عليه وسلم تأثر له كثيرًا حتى بدا عليه الغضب واضحًا. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب الأنصار كثيرًا. لذلك استدعى زعماءهم وأجرى بينه وبينهم حوارًا مفتوحًا صريحًا حول ما قالوه، وحول ما كان السبب في عتابهم للذي صنع الرسول صلى الله عليه وسلم من إجزاله العطاء للمؤلفة قلوبهم.
وقد شرح الرسول صلى الله عليه وسلم لأحبابه الأنصار وجهة نظره والأسباب التي يجزل العطاء لهؤلاء المؤلفة قلوبهم من زعماء مكة وزعماء القبائل الأخرى. فاقتنع الأنصار في تأثر بلغ حد البكاء - بشرح وإيضاح الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى أعلنوا رضاهم بما صنع.
فقد ذكر رواة الحديث وأصحاب المغازي والسير تفاصيل قصة العتاب هذه، فذكروا أن الأنصار الذين لم تكن حصة جندى المشاة منهم من غنائم حنين أكثر من أربع من الإِبل، بينما حصل مثل عيينة بن حصن وأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس، كل واحد منهم على مائة من الإِبل ولم تكن لهم أية سابقة في نصر الإِسلام.
ذكر رواة الحديث وأصحاب السير أن مما قاله الأنصار في عتابهم للرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الصدد: (لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه أما حين القتال فنحن أصحابه، وأما حين القسم (أي قسم الغنائم) .. فقومه وعشيرته .. وددنا أن نعلم ممن كان هذا .. إن كان هذا من الله صبرنا، وإن كان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبناه (1).
وقال آخرون من الأنصار حين طفق الرسول صلى الله عليه وسلم يعطى رجالًا المائة من الإِبل: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطى قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم (2).
(1) مغازي الواقدي ج 3 ص 956 - 957 والسيرة الحلبية ج 2 ص 247.
(2)
البداية والنهاية ج 4 ص 356 من حديث صحيح البخاري.