الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أفائل (1) أعطيتُها
…
عديدَ قائمها الأربعِ
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
…
فلم أعط شيئًا ولم أمنع
وما كان حِصن (2) ولا حابس
…
يفوقنا مرداسَ في المجمعِ
وما كنتُ دون امرئ منهما
…
ومن تضع اليومَ لا يرفَعِ
فلما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم عتاب عباس بن مرداس الشعرى لم يغضب ولم يحاسبه على ما فاه به من عتاب. وكل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أمر بأن يعطى العباس بن مرداس مائة من الإِبل بدلًا مِن الأربع حيث قال صلى الله عليه وسلم اقطعوا لسانه عنى. وقطع اللسان تعبير تعبّر به العرب عندما تريد إسكات إنسان بما يحرص على الحصول عليه بمثل الأسلوب الذي سلكه العباس بن مرداس وقد أعطوه مائة من الإِبل (3).
ما قاله بعض المنافقين أثناء تقسيم الغنائم
وأثناء تقسيم غنائم حنين وإعطاء المؤلفة قلوبهم كميات خاصة من الإِبل تأليفًا لهم، تحركت أفاعى النفاق الكامنة في بعض نفوس العناصر الموجودة في الجيش النبوي. فقالوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا منكرًا حيث اتهموه بعدم العدل وعدم إرادة وجه الله فيما صنع. فتألم لما سمع ولكنه لم يتخذ أي إجراء تأديبى أساءوا إليه بأقاويلهم المنكرة تلك.
فقد روى أهل الحديث في الصحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنائم في حنين قال رجل (هو في عداد الأنصار): ما أراد بها وجه الله فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول فتغير وجهه ألمًا. ثم قال: رحمة الله على موسى لقد أوذى بأكثر من هذا.
(1) الأفائل جمع أفيل، وهي من صغار الإِبل. قاله أبو ذر في شرحه ص 413.
(2)
يعني به عيينة بن حصن الذي أعطى مائة من الإِبل.
(3)
سيرة ابن هشام ج 4 ص 137 ومغازي الواقدي ج 3 ص 947 وتاريخ الطبري ج 3 ص 91 وجاء في سيرة ابن هشام والواقدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعباس بن مرداس: أنت القائل: (فأصبح نهى ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟ ) فقال أبو بكر: بين عيينة والأقرع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما واحد، سواء ما يضرك بدأت بالأقرع أم عيينة. فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله (وما علمناه الشعر وما ينبغي له).
وفي رواية صحيحة أخرى عن أبي وائل: قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم ناسًا، أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإِبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى ناسًا، فقال رجل: ما أريد بهذه القسمة وجه الله. فلما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم قول ذلك المنحرف. قال صلى الله عليه وسلم: رحم الله موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر (1).
وفي روايات أخرى صحيحة، يدعم بعضها بعضًا أن رجلًا من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، وقف على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعطى الناس (من الغنائم) فقال له: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل فكيف رأيت؟ . قال لم أرك عدلت. قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ . فقال عمر بن الخطاب: ألا نقتله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية (2)، ينظر في النصل (3) فلا يوجد شيء، ثم في القدح (4) فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم (5).
ومن طريق آخر عن جابر بن عبد الله. قال: أتى رجل بالجعرانة النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطى الناس، فقال (الرجل): يا محمد إِعدل، قال: ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل، لقد خبتُ وخسرتُ إذا لم أكن أعدل. فقال عمر بن الخطاب: دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن تتحدث الناس أنى أقتل أصحابي، إنَّ هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. وفي رواية أخرى في الصحيحين من حديث الزهري عن أبي سعيد عن أبي سلمة. قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا (أي بالجعرانة) إذ أتاه ذو الخويصرة، رجل من بني تميم. فقال: يا رسول الله إعدل، فقال رسول الله
(1) صحيح البخاري ج 5 ص 202.
(2)
الرمية بكسر الراء: الشيء الذي يرمى به.
(3)
النصل: حديد السهم.
(4)
القدح: بكسر القاف وسكون الدال: السهم.
(5)
سيرة ابن هشام ج 4 ص 39 والبداية والنهاية ج 4 ص 362.