الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطاردة المنهزمين من هوازن
.
وبعد أن تمَّ ذلك النصر الساحق للمسلمين على المشركين من هوازن في حنين أمر الرسول القائد صلى الله عليه وسلم قادة جيشه بمطاردة المشركين وتعقبهم في كل اتجاه يتجهونه، لئلا يتمكنوا (مجددًا) من جمع قواتهم المهزومة وتنظيمها.
فتحركت كل وحدات الجيش الإسلامي (بقيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم) تطارد هوازن، واستمرت وحدات الجيش النبوي في المطاردة حتى وصلت بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم في مطاردتها الطائف حيث تحصنت ثقيف، أحد الأجنحة الهامة في هوازن. فضرب الرسول القائد الحصار على هذا الجناح من هوازن كما سيأتي تفصيله في هذا البحث إن شاء الله.
مصرع الفارس المعمر دريد بن الصمة
وأثناء مطاردة الجيش الإسلامي لمشركي هوازن، قتل أحد جنود الإِسلام شيخ هوازن المعمر وفارسها وشاعرها (دريد بن الصمة)(1) وكان له من العمر مائة وستون سنة.
(1) هو دريد بن الصمة، من جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، ويكنى أَبا قرة، وهوازن أخو سليم بن منصور، وكان دريد من فخذ من جشم يقال لهم غزية، وأمه ريحانة بنت معدى كرب، أخت عمرو بن معدى كرب الزبيدي. فعمرو على هذا خاله. هكذا جاء في ترجمة دريد في كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة ج 2 ص 536. ودريد أحد الشجعان المشهورين، وذوى الرأي في الجاهلية. ومن جيد شعر دريد المشهور، قوله:
أمرتهموا أمرى بمنعرج اللوى
…
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
فلما عصونى كنت منهم وقد أرى
…
غوايتهم وإننى غير مهتد
وهل أنا إلا من غزية إن غوت
…
غويت، وإن ترشد غزية أرشد
تنادوا فقالوا: أرت الخيل فارسًا
…
فقلت: أعبد الله ذلكم الردى
فجئت إليه والرماح تنوشه
…
كوقع الصياصى في النسيج الممدد
فطاعنت عنه الخيل حتى تبددت
…
وحتى علانى حالك اللون أسود
قتال امرئ آسى أخاه بنفسه
…
ويعلم أن المرء غير مخلد
فإن يك عبد الله خلى مكانه
…
فما كان وقافا ولا رعش اليد
كميش الإزار خارج نصف ساقه
…
صبور على الجلى وطلاع أنجد
قليل تشكيه المصاثب حافظ
…
من اليوم أعقاب الأحاديث في غد
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه
…
فلما علاه قال للباطل أبعد
وطيب نفسي أنني لم أقل له
…
كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي
ودريد بن الصمة هذا، هو الذي عارض الملك القائد لهوازن (مالك بن عوف النصرى) عارضه عندما ساق مع الجيش نساءهم وأطفالهم ومواشيهم وكل أموالهم إلى وادي حنين. ولكن مالكًا عصاه فوقع كل أموال ومواشى وذرارى هوازن غنيمة في أيدى الجيش الإِسلامي وهو ما حذر دريد مالكًا من أن تقع هوازن فيه.
قال المؤرخون: وكان دريد بن الصمَّة الذي أقعده الكبر (ولكنه حضر حنين) يحمل في هودج على جمل لأنه لا يستطيع الحركة للقتال لكبر سنه. وعندما شتتت الهزيمة هوازن لم يعد هناك من يعتنى بالشيخ المعمر (دريد بن الصمة) فترك لوحده يسير به الجمل (وعليه الهودج) على غير هدى، فأدركه شاب يقال له ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن يربوع من بني سليم، فأخذ بخطام جمله وهو يظنه امرأة. وذلك أنه كان في هودج، فأناخ الشاب به فإذا هو شيخ كبير ابن ستين ومائة سنة، وكان الشاب ربيعة لا يعرف أنه (دريد بن الصمة المشهور). فقال الفتى السلمي: ما أريد إلى غيره مِمن هو على مثل دينه؟ . قال له دريد: من أنت؟ .
قال الغلام: أنا ربيعة بن رفيع السلمي. ثم ضربه بالسيف فلم يؤثر فيه سيف الفتى السلمي. فقال دريد: بئس ما سلحتك أمك، خذ سيفى من وراء الشجار (أي الهودج) فاضرب به، وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب يوم قد منعت فيه نساءك. ويقال: إن ربيعة لما ضرب دريدًا تكشف للموت عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل. فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله دريدًا، فقالت: والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثًا في غداة واحدة. وجز ناصية أبيك (1) (أي أطلق سراحه بعد أن
= وكان عبد الله بن الصمة أخو دريد أغار على إبل لعبس وفزارة، ومعه دريد، بعد أن شار عليه دريد ألا يفعل فخالفه، فخرجت عليهم الخيل فاستحر القتال في بني جشم، وقتل عبد الله بن الصمة، وصرع دريد. ثم تولى دريد زعامة قبيلته بعد أخيه عبد الله. فأغار على عبس وذبيان فقتل منهم مائة قتيل بينهم قاتل أخيه عبد الله وأسمه (ذؤاب بن أسماء بن زيد). قتل دريد عن مائة وستين عامًا.
(1)
مغازي الواقدي ج 3 ص 914 و 915 والسيرة الحلبية ج 2 ص 236 وسيرة ابن هشام ج 4 ص 95 و 96.