المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وفد هوازن بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم - من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى - جـ ٩

[محمد بن أحمد باشميل]

فهرس الكتاب

- ‌ 9 -غَزْوَةُ حُنَيْن

- ‌المقدمة

- ‌كلمة المؤلف

- ‌الفصل الأول

- ‌جيوب المقاومة حول مكة قبل هوازن

- ‌حملة هدم العزى 25 رمضان سنة ثمان للهجرة

- ‌تاريخ العزي

- ‌أول من تسمى باسم العزّى من العرب:

- ‌حملة يلملم أواخر شهر رمضان سنة ثمان للهجرة:

- ‌حملة عُرنَة: أواخر رمضان سنة ثمان للهجرة:

- ‌حقيقة موقف خالد من قتل بني جذيمة

- ‌الرسول يرضى عن خالد بعد أن غضب عليه

- ‌الفصل الثاني

- ‌من هم هوازن

- ‌هوازن وحروب الفِجَار

- ‌سوق عكاظ هي السبب

- ‌المعركة الأولى من الفجار الرابع

- ‌المعركة الثانية من الفجار الرابع

- ‌المعركة الثالثة من الفجار الرابع

- ‌المعركة الرابعة من الفجار الرابع

- ‌امرأة من قريش تجير هوازن

- ‌المعركة الخامسة من الفجار الرابع

- ‌نظرة العرب إلى قريش

- ‌دستور غير مكتوب

- ‌أول برلمان عربي

- ‌هوازن تشعر بالخطر وتحشد للصدام

- ‌عداوة هوازن للإِسلام

- ‌المتعداد هوازن للزحف على مكة

- ‌تنصيب مالك بن عوف قائدًا لهوازن

- ‌أسلوب الواقدي في الرواية

- ‌الفصل الثالث

- ‌الحالة بين هوازن وقريش بعد ظهور الإسلام

- ‌أسلوب قائد هوازن المتهور في التعبئة

- ‌أول انشقاق في جيش هوازن

- ‌استخبارات الرسول في ديار هوازن

- ‌التقرير عن حالة هوازن الحربية

- ‌تحرك هوازن صوب مكة

- ‌وادي أوطاس مركز تجمع هوازن الرئيسى

- ‌دريد بن الصمة في جيش هوازن

- ‌القائد العام المستبد لم يستفد من خبرة دريد بن الصمة

- ‌دريد بن الصمة يدعو للرجوع بالجيش وتفادى الصدام مع المسلمين

- ‌قائد هوازن يهدد بالانتحار

- ‌تحرّك الجيش النبوي من مكة

- ‌استعارة الرسول السلاح من المشركين

- ‌استقراض الرسول صلى الله عليه وسلم المال من أهل مكة

- ‌تاريخ تحرك الجيش النبوي من مكة إلى حنين

- ‌نائب الرسول على مكة

- ‌عدد القوات النبوية المتحركة إلى حنينن

- ‌وخامة عواقب الإعجاب بالنفس:

- ‌حديث الجيش عن الإعجاب بالكثرة

- ‌من بقايا تأثيرات الجاهلية المطالبة بذات أنواط

- ‌محاولة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم في الطريق إلى حنين

- ‌تقارير استخبارات هوازن عن الجيش النبوي

- ‌الاستخبارات النبوية في معسكر هوازن

- ‌أعمال الحراسة ليلة المعركة

- ‌كيف عبأ الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه

- ‌الجدول بأسماء القادة في حنين:

- ‌أسماء حملة الرايات

- ‌أسماء حملة الألوية

- ‌أسماء حملة الرايات من أهل البادية

- ‌الخيل في مقدمة الجيش النبوي

- ‌كيف عبأ قائد هوازن قواته في حنين

- ‌التخويف والإِرهاب بالتضليل

- ‌صحابي يصف ضخامة جيش هوازن

- ‌الفصل الرابع

- ‌نشوب المعركة وهزيمة المسلمين

- ‌كمائن المشركين تهزم المسلمين

- ‌أسباب نجاح كمائن هوازن

- ‌كيف انهزم المسلمون بفعل الكمائن

- ‌المرجفون في جيش الإِسلام

- ‌محاولة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة الهزيمة

- ‌حديث المؤرخين عن الهزيمة

- ‌الكمائن بمشورة دريد بن الصمة

- ‌ثبات الرسول القائد ساعة الهزيمة

- ‌الرسول يحاول إيقاف المنهزمين

- ‌الامتحان العظيم

- ‌صيحة العباس تعيد المنهزمين

- ‌احتدام القتال من جديد

- ‌وصف الواقدي للمعركة

- ‌الذين ثبتوا مع الرسول ساعة الهزيمة

- ‌شأن المائة الصابرة مع الرسول

- ‌دعاء النبي يوم حنين

- ‌اشتداد القتال بين الفريقين

- ‌استبسال قائد قبيلة هوازن

- ‌المعجزة السماوية يوم حنين

- ‌تعليق السهيلى على المعجزة

- ‌دور المرأة المسلمة في معركة حنين

- ‌امرأة تطلب إعدام المنهزمين المسلمين

- ‌حكم الفارين من الزحف

- ‌كلام الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان قلوبهم

- ‌كيف كانت هزيمة هوازن

- ‌جرح قائد الفرسان خالد بن الوليد

- ‌مقتلة ثقيف وقتل قائدها

- ‌الفصل الخامس

- ‌مطاردة المنهزمين من هوازن

- ‌مصرع الفارس المعمر دريد بن الصمة

- ‌مصير القائد العام لهوازن

- ‌الرسول ينهى عن قتل النساء والأطفال

- ‌تصفية جيوب مقاومة هوازن

- ‌الرجل الذي انتحر في جيش الإسلام

- ‌الغنائم العظيمة

- ‌تجميد الغنائم حتى العودة من الطائف

- ‌ حصار الطائف

- ‌مصير قبائل هوازن

- ‌تاريخ ثقيف

- ‌ثقيف عند ظهور الإِسلام

- ‌ثقيف تستقدم المنجنيقات للدفاع

- ‌العمليات الحربية قبل حصار الطائف

- ‌النبي يتحرك إلى الطائف

- ‌خالد على مقدمة الجيش إلى الطائف:

- ‌بداية حصار الطائف

- ‌مصرع قاتل يزيد بن زمعة

- ‌محاولة المسلمين اقتحام حصن الطائف

- ‌زرع الحسك حول قلاع الطائف

- ‌فشل الهجوم الفدائي على حصن ثقيف

- ‌خروج بعض مقاتلي ثقيف من الحصن وإسلامهم:

- ‌تصرفات سيد غطفان السيئة بالطائف

- ‌خالد بن الوليد يطلب المبارزة

- ‌الرسول يأمر بإتلاف بساتين ثقيف ثم يعدل عن ذلك:

- ‌فك الحصار عن الطائف:

- ‌الرسول يستشير الخبراء بشأن استمرار الحصار أو فكه

- ‌ملاحاة أبي محجن وابن الخطاب

- ‌تذمر الجيش النبوي لفك الحصار عن الطائف

- ‌عيينة بن حصن يفخر بثقيف فيزجره عمرو بن العاص

- ‌دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لثقيف

- ‌الشهداء في حصار الطائف:

- ‌طريق الرسول إلى مكة:

- ‌مثالية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌قصة سراقة بن جعشم المثيرة

- ‌وقفة فقهية

- ‌هل استسلمت ثقيف لوحدات من جيش الرسول بعد انصرافه عنها

- ‌الغنائم والسبي في الجعرانة

- ‌بناء المساكن للسبى بالجعرانة

- ‌الأعراب يلحون في تقسيم السبى والغنائم

- ‌أمانة وشرف الجندى المسلم

- ‌قسمة غنائم حنين بين الجيش

- ‌الرسول يغدق العطايا على المؤلفة قلوبهم

- ‌أسماء المؤلفة قلوبكم الذين أعطوا من الغنائم:

- ‌أول السائلين من الغنيمة أبو سفيان

- ‌حكيم بن حزام الزاهد:

- ‌معاتبة العباس بن مرداس للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ما قاله بعض المنافقين أثناء تقسيم الغنائم

- ‌عتاب الأنصار للرسول بشأن الغنائم

- ‌سيد الخزرج يبلغ الرسول عتاب قومه الأنصار

- ‌الرسول يناقش الأنصار حين عاتبوه بشأن الغنائم

- ‌أخت الرسول التي كانت بين السبايا

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يحرر سبايا هوازن

- ‌وفد هوازن بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إسلام ملك هوازن وقائدها مالك بن عوف

- ‌النبي يعلن العفو عن مالك بن عوف

- ‌قائد المشركين يتحول إلى قائد المسلمين

- ‌كيف يصنع الإِسلام إذا لامس القلب

- ‌إسلام صفوان بن أمية

- ‌عودة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

- ‌أمير مكة الشاب القوي الصالح

- ‌تاريخ وصول الرسول المدينة

- ‌إسلام ثقيف

- ‌ثقيف تقتل سيدها بعد إسلامه

- ‌ثقيف كلها تدخل الإِسلام:

- ‌الشروط السخيفة التي اشترطتها ثقيف لإسلامها:

- ‌أمير ثقيف منهم:

- ‌هدم الطاغية اللات وما صاحبه من متاعب:

- ‌تاريخ اللات ومن هو

- ‌كيف أضحك المغيرة الناس من ثقيف

- ‌حديث الواقدي المطوّل عن ثقيف وصنمها اللات:

- ‌الفصل السادس

- ‌قتلى الفريقين في معركة حنين:

- ‌تعليق على عدد القتلى المسلمين:

- ‌بين أحد وبدر وحنين:

- ‌دروس من حنين

- ‌أسباب هزيمة المسلمين في البداية:

- ‌أهم أسباب انتصار المسلمين بعد انهزامهم:

- ‌أسباب هزيمة هوازن الساحقة بعد انتصارها:

- ‌أسباب فشل المسلمين في حصار الطائف:

- ‌انهيار الوثنية في جزيرة العرب:

- ‌أهم مراجع هذا الكتاب

الفصل: ‌وفد هوازن بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم

‌الرسول صلى الله عليه وسلم يحرر سبايا هوازن

قلنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب عودته من حصار الطائف انتظر حوالي شهر في الجعرانة، لم يقسم السبايا من هوازن على الجيش الإِسلامي، على أمل أن يتقدم وجوه هوازن وزعماؤها بطلب يلتمسون فيه تحرير نسائهم وأطفالهم، ولكن هوازن توانت في التقدم بمثل هذا الطلب إلى الرسول القائد صلى الله عليه وسلم وألح عامة الجيش الإِسلامي المنتصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم طالبين منه تقسيم الغنائم بما في ذلك السبى فقسم الرسول صلى الله عليه وسلم على الجند لأن ذلك حق من حقوقهم كما تقضى بذلك قوانين الحرب في الإِسلام. فنساء العدو المحارب وأبناؤه. وأمواله يكونون ملكًا للجيش المنتصر، ومن السبى يتكوّن الرقيق.

وقد ذكرنا في كتابنا الرابع (غزوة بني قريظة) بالتفصيل موقف الإسلام من الرق، وأن هذا الدين قد جاء لتحرير البشرية فردم جميع منابع الرق المتعارف عليها في العالم آن ذاك، ولم يبق إلا على الرق الحربى كعملية عسكرية مقابلة. ومع ذلك فقد رغب الإِسلام ترغيبًا كبيرًا في تحرير هذا النوع من الرقيق الذي أقره (1)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص دائمًا على تحرير الرقيق بدليل أنه (كما سيأتي في هذا البحث) حرر ستة آلاف من سبى هوازن بعد أن شفع لأهاليهم عند جند الجيش الإسلامي.

‌وفد هوازن بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم

-

وكا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوقع، فقد بعثت هوازن بوفد من كبار زعمائها لمقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم ليقدم التماسا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب فيه المنّ على السبى وتحريرهم.

ولكن وفد هوازن جاء بعد أن جرت قسمة السبى بين عامة الجيش، فكانت إعادتهم إلى أهاليهم وتحريرهم فيها شيء من الصعوبة والتعقيد. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم تغلب على هذه الصعوبة واتخذ الإجراءات الكفيلة بإعادة السبى إلى ذويه من هوازن.

(1) انظر البحث الواسع المفصل في مواقف الإِسلام من الرق وتنفيذ شبه أعداء الإِسلام التي يثيرونها بسبب موقفه من الرق الحربى .. انظر ذلك في كتابنا (غزوة في قريظة) في الفصل بعنوان (الإِسلام والرق).

ص: 184

كان وفد هوازن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مكوّنًا من أربعة عشر رجلًا. وكان رئيسهم، أبو صرد زهير بن صرد (1) وكان في الوفد عم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أحد المتكلمين. وكان وفد هوازن قد جاء مسلمًا كما جاء بإسلام من وراءه من هوازن.

استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم في الوفد أكرمهم وأحسن استقبالهم، ثم تكلم رجال الوفد في المهمة التي من أجلها جاءوا، فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قد تأنى في قسمة السبى وانتظرهم كثيرًا حتى ظن أنهم لن يأتوا، فأجرى السهمين على السبى وجرت قسمته بين عامة الجيش، غير أنه صلى الله عليه وسلم وعدهم بأنه سيسعى لتحرير السبى رغم أنه قد توزع وقسم على الجند كجزء من الغنائم. وفعلًا بذل الرسول صلى الله عليه وسلم مساعيه لدى عامة الجيش كي يحرر كل منهم ما في يده من سبى هوازن، ومن تمسك بحقه في السبى دفع له الرسول صلى الله عليه وسلم تعويضًا من بيت مال المسلمين حتى حرر جميع سبى هوازن وعددهم ستة آلاف رأس.

قال الواقدي: فقدم وفد هوازن، وكان في الوفد عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قال يومئذ: يا رسول الله، إنما في هذه الحظائر من كان يكفلك من عمّاتك وخالاتك وحواضنك وقد حضنَّاك في حجورنا، وأرضعناك بثدينا، ولقد رأيتك مرضَعًا فما رأيت مرضَعًا خيرًا منك، ثم رأيتك شابًّا فما رأيت شابًّا خيرًا منك، وقد تكاملت فيك خلال الخير، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك، فامنن علينا من الله عليك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون وقد قُسم السبى وجرت فيهم السهمان.

ويؤكد الواقدي إسلام الوفد وإسلام من خلفهم من هوازن وإنهم جاءوا بإسلام الجميع فيقول: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر رجلًا من هوازن مسلمين، وجاءوا بإسلام من وراءهم من قومهم، فكان رأس القوم والمتكلم أبو صرد زهير بن صرد، فقال: يا رسول الله، إنا أهلك وعشيرتك، وقد

(1) هو زهير بن صرد (بضم الصاد وفتح الراء) أبو صرد وقيل: أبو جرول، الجشمى: السعدي، من بني سعد بن بكر (فهو خال رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن زهير المذكور الشام. ذكر ذلك ابن الأثير في أسد الغابة ثم ساق قصة خطبة زهير وغيره بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 185

أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك. يا رسول الله، إنما في هذه الحظائر عمّاتك وخالاتك وحواضنك اللاتى كن يكفلنك، ولو ملحنا (1) للحارث بن أبي شمر وللنعمان بن المنذر، ثم نزلا منا بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفهما وعائدتهما (2)، وأنت خير المكفولين. ويقال إنه قال يومئذ أبو صرد-: إنما في هذه الحظائر أخواتك وعمّاتك وبنات عمّاتك وخالاتك وبنات خالاتك، وأبعدهنّ قريب منك يا رسول الله، بأبي أنت وأمى، إنهن حضنّك في حجورهن، وأرضعنك بثديهن، وتوركنك على أوراكهن وأنت خير المكفولين ثم أنشد:

أمنن علينا رسولَ الله في كرم

فإنك المَرءُ نرجوه وندَّخِرُ

أمنن على نسوة قد عاقها قَدَر

مُمزّق شملها في دهرها غيَرُ

أمنن على نسوة قد كنت ترضَعُها

إذ فوك مملوءة من محضها الدرر (3)

اللائى إذا كنت طفلًا كنت ترضَعُها

وإذ يزينك ما تأتى وما تذرُ

ألا تداكها نعماه تنشرها

يا أرجح الناس حتى حين يختبرُ

لا تجعلنا كمن شامت نعامته (4)

واستبق منّا فإنّا معشرَ زهرُ

إنا لنشكر آلاء وإن قدمت

وعندنا بعد هذا اليوم مدّخرُ

قالوا: وبعد أن تكلم رجال وفد هوازن في أسراهم وطالبوا بتحريرهم والمن عليهم تكلم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فقال: إن أحسن الحديث أصدقه وعندى من ترون من المسلمين، فأبناءكم ونساؤكم أحب إليكم من أموالكم (5) قالوا: يا رسول الله خيَّرتنا بين أحسابنا وبين أموالنا، وما كنا نعدل بالأحساب شيئًا، فرّد إلينا أبناءنا ونساءنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما ما لي ولبني عبد

(1) قال في النهاية لابن الأثير: ملحنا، أرضعنا لهما.

(2)

العائد: الفضل، قاله أبو ذر في شرحه ص 411.

(3)

الدرر (بكسر الدال): الدفعات الكثيرة من اللبن قاله في السيرة الحلبية ج 3 ص 250.

(4)

شالت نعامتهم قال في القاموس المحيط: تفرقت كلمتهم أو ذهب عزمهم.

(5)

وفي السيرة الحلبية ج 2 ص 250 جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد هوازن: قد وقعت المقاسم مواقعها، فأى الأمرين أحب إليكم، أطلب لكم السبى أم الأموال، وإنما قال صلى الله عليه وسلم لهم: قد وقعت المقاسم، أي لأنه لا يجوز للإِمام أن يمن على الأسرى بعد القسم، وإنما يمن عليهم قبله، كما وقع له صلى الله عليه وسلم في يهود خيبر ولا يخفى أن هذا في الرجال دون الذرارى.

ص: 186

المطلب فهو لكم، وأسأل لكم الناس، وإذا صليت الظهر بالناس فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين. وبالمسلمين إلى رسول الله، فإني سأقول لكم: ما كان لي ولبنى عبد المطلب فهو لكم، وسأطلب لكم إلى الناس، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالناس قام الهوازنيون فتكلموا بالذي أمرهم به، فقالوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله، فقال رسول الله أما ما كان لي ولبنى عبد المطلب فهو لكم، فقال المهاجرون: فما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت الأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتنع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعباس بن مرداس والسلمى عن التصدق بتحرير ما في أيديهم من سبايا.

فقد قال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة: أما أنا وفزارة فلا، وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا.

إلا أن بني سليم خالفوا سيدهم عباس بن مرداس، وقالوا: أما ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عباس: وهنتمونى (أي أضعفتمونى).

وبعد الأخذ والرد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم خطيبًا وأعلن أن جميع السبى من هوازن سيحرر وأن كلًّا من هذا السبى سيعود إلى أهله، وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم أن من لم تطب نفسه بالتصدق بالعتق، فإن بيت مال المسلمين سيدفع له التعويض اللازم عما في يده من سبى لا يرغب في التصدق بعتقه.

فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقادة الجيش وزعماء القبائل المشتركين في معركة حنين: إن هؤلاء القوم (يعني هوازن) جاءوا مسلمين، وقد كنت استأنيت بهم فخيَّرتهم بين النساء والأبناء والأموال، فلم يعدلوا بالنساء والأبناء، فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه فليرسل (أي يطلق) ومن أبي منكم تمسك بحقه فليرد عليهم، وليكن فرضًا علينا ست فرائض (أي ست من الإبل) من أول ما يفئ الله به علينا.

وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم نوع التعويض للمتمسكين بحقهم في السبى فجعل

ص: 187

فداء الفرد من السبى (من بيت المال) ثلاث حقاق (1) وثلاث جذاع (2).

وقد قبل الممتنعون بالتعويض الذي حدده الرسول صلى الله عليه وسلم.

أما الأغلبية الساحقة من الجيش الإسلامي المنتصر في حنين وهم المهاجرون والأنصار وبنو سليم فقد تصدقوا بعتق ما في أيديهم من سبى.

أما المتمسكون بحقهم في السبى (وهم أقلية قليلة من الأعراب) فقد قبلوا بالتعويض الذي حدده الرسول صلى الله عليه وسلم: وقالوا رضينا وسلمنا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمروا عرفاءكم أن يدفعوا ذلك إلينا حتى نعلم ففعلوا.

وهكذا حرر الرسول صلى الله عليه وسلم ستة آلاف من سبى هوازن في حنين فأعتقهم جميعًا ومنع أن يجرى عليهم الرق. وبهذه المناسبة روي أن معاذ بن جبل كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لو كان ثابتًا على أحد من العرب ولاء أو رق لثبت اليوم، ولكن إنما هو إسار وفدية.

ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لكى يستوثق أكثر من المهاجرين والأنصار (وهم الأغلبية الساحقة بين الجند الذين شاركوا في تحقيق النصر يوم حنين) بعث مندوبَين ليطوفا عليهم فيستوثق بأنهم راضون بعتق ما في أيديهم من سبايا هوازن.

فإلى المهاجرين بعث عمر بن الخطاب، وإلى الأنصار بعث زيد بن ثابت، فكان زيد بن ثابت يطوف على الأنصار يسألهم: هل سلموا ورضوا؟ فخبّروه أنهم سلموا ورضوا. ولم يتخلف رجل واحد، وبعث عمر بن الخطاب إلى المهاجرين يسألهم عن ذلك، فلم يتخلف رجل واحد، وكان أبو رهم الغفاري يطوف على قبائل العرب، ثم جمعوا العرفاء، واجتمع الأمناء الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتفقوا على قول واحد، تسليمهم ورضاهم ودفع ما كان في أيديهم من السبى (3).

(1) الحقاق (بكسر الحاء): جمع الحق والحق من الإِبل الداخلة في السنة الرابحة، القاموس المحيط ج 2 ص 221.

(2)

الجذاع: جمع الجذع، وهو من الإِبل ما دخل في السنة الخامسة.

(3)

طبقات ابن سعد الكبرى ج 2 ص 153 - 154 وتاريخ الطبري ج 3 - ص 86 - 87 وسيرة ابن هشام ج 4 ص 131 - 132 ومغازي الواقدي ج 3 ص 950 - 951 - 952 - =

ص: 188