الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاستهانة بالعدو في حالة الحرب من أخطر ثمراتها التساهل في أخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة هذا العدو.
والتساهل وعدم أخذ الحيطة تؤدى بالتالى إلى الهزيمة والانكسار من حيث لا يتوقع المتساهلون المعجبون بأنفسهم.
وهذا ما حدث بالفعل في صفوف الجيش النبوي، حيث أدى الإعجاب بكثرته إلى الجزم (سلفًا) بأن انتصاره على هوازن أمر مفروغ منه. وهو اعتقاد أدى إلى الاستخفاف بهوازن وقواتها الضاربة المدربة المنسقة، فكانت النتيجة أن هُزم المسلمون في حنين هزيمة كادت تكون ساحقة مدمرة، لولا أن ثبت الله القائد الأعلى النبي صلى الله عليه وسلم ساعة الهزيمة ونفر قليل من أصحابه الذين ثبتوا معه ساعة الهزيمة المنكرة، الأمر الذي أعاد للمسلمين المنهزمين تنظيمهم الذي فقدوه عند الصدمة الأولى حين انقضت عليه في غلس الفجر كمائن هوازن من الشعاب التي نظمهم ورتبهم فيها قائدهم الشاب وملكهم الشجاع مالك بن عوف.
فتحول (بعد ذلك) ميزان القتال لصالح الجيش النبوي، بعد أن محصهم الله بالهزيمة عند الصدمة الأولى، تحول ميزان القتال من هزيمة مزقت شمل الجيش الإسلامي (حتى وصل بعض المنهزمين منه قرب مكة) إلى انتصار ساحق كان أعظم ظفر من وجهة النظر الحربية يحرزه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في معركة خاضوها في العهد النبوي، نظرًا للقوى الكثيفة الشرسة المحاربة التي اصطدموا بها في وادي حنين، حيث كانت هذه القوى من هوازن لا تقل عن عشرين ألف مقاتل، بينما جيش المسلمين لا يزيد على اثنى عشر ألف مقاتل.
حديث الجيش عن الإعجاب بالكثرة
لقد تفوهت عناصر مِنْ الجيش النبوي بما يشبه الزهو والغرور بكثرة هذا الجيش، ويوحى بغفلة بعض القلوب عن الله نتيجة الإعجاب بالكثرة، فعاقبهم الله بالهزيمة التي ردتهم إليه تعالى.
فقد جاء في كتب التفسير والسير والتاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فصل من مكة
باثنى عشر ألف مقاتل، قال رجل من أصحابه (بلهجة الإِعجاب): لو لقينا بني شيبان ما بالينا. ولا يغلبنا اليوم أحد من قلة، وذكر بعض المؤرخين أن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله لن تغلب من قلة (1).
والخلاصة أن كثرة المسلمين قد أعجبتهم إلى حد وصل مرحلة الغرور في نفوس بعض العناصر منهم، مما أدى إلى هزيمتهم في المرحلة الأولى من المعركة.
وهذه حقيقة أشار إليها القرآن الكريم بكل وضوح. فقال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئًا وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. (2)} .
قال العلامة سيد قطب رحمه الله (في كتابه: في ظلال القرآن): (ثم لمسة للمشاعر بالذكرى وباستعراض صفحة من الواقع الذي عاشه المسلمون إذ ذاك منذ قريب يوم حنين، يوم غفلت قلوب الممسلمين لحظات عن الله مأخوذة بالكثرة في العدد والعتاد ليعلم المؤمنون أن التجرد لله وتوثيق الصلة به هي عدة النصر التي لا تخذلهم حين تخذلهم الكثرة في العدد والعتاد وحين يخذلهم المال والإخوان والأولاد.)
ثم يقول (مشيرًا إلى ما ذكره القرآن من نتائج إعجاب المسلمين بكثرتهم): والنص يعيد عرض المعركة بمشاهدها المادية وبانفعالاتها الشعورية {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئًا وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ} فمن انفعال الإعجاب بالكثرة إلى زلزلة الهزيمة الروحية، إلى انفعال الضيق والحرج حتى لكأن الأرض كلها تضيق بهم وتشد عليهم. إلى حركة الهزيمة الحسية، وتولية الأدبار والنكوص على الأعقاب {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وكأنما السكينة رداء ينزل فيثبت القلوب الطائرة، ويهدئ الانفعالات الثائرة {وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} فلم تعلم
(1) مغازي الواقدي ج 3 ص 889 و 890 وتفسير الطبري ج 14 ص 179 - 180.
(2)
التوبة 25 و 26 و 27.