المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدليل الخامس: (614 - 178) ما رواه أحمد، قال: ثنا حسين - موسوعة أحكام الطهارة - الدبيان - ط ٢ - جـ ٣

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف الفطرة

- ‌دليل من قال الفطرة: الخلقة

- ‌دليل من قال: الفطرة: البداءة، والفاطر البادئ

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل من قال: الفطرة السنة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال الفطرة هي الإسلام

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌دليل من قال الفطرة الميثاق والعهد

- ‌الراجح من هذه الأقوال:

- ‌فرعمناسبة تسمية هذه الخصال خصال الفطرة

- ‌المبحث الثانيذكر خصال الفطرة

- ‌الباب الأولفي الختان

- ‌الفصل الأولفي تعريف الختان

- ‌تعريف الختان في اللغة:

- ‌الختان في الاصطلاح:

- ‌الفصل الثانيفي كيفية الختان

- ‌الفصل الثالثذكر أول من اختتن

- ‌الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفصل الرابعفي وقت الختان

- ‌أدلة القائلين من سبع إلى عشر

- ‌أدلة القائلين بالاستحباب في اليوم السابع

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل القائلين بكراهة اليوم السابع

- ‌دليل القائلين بأنه يحرم ختانه قبل عشر سنين

- ‌دليل من قال: لا يجب الختان إلا بالبلوغ

- ‌دليل من قال: يجب على الولي أن يختن الصغير قبل البلوغ

- ‌الراجح من الخلاف

- ‌الفصل الخامسفي حكم الختان

- ‌المبحث الأولفي ختان الذكر

- ‌دليل القائلين بأن الختان سنة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل القائلين بالوجوب

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌الدليل التاسع:

- ‌المبحث الثانيفي ختان المرأة

- ‌دليل القائلين بأنه سنة

- ‌دليل القائلين بأنه واجب في حق المرأة

- ‌دليل القائلين بأنه مستحب وليس بسنة

- ‌شبهة وردها:

- ‌فرعفي أنواع الخفاض

- ‌المبحث الثالثفي ختان الخنثى

- ‌دليل القائلين بأنه يختن ولكن من أمته أو زوجته

- ‌دليل القائلين بأن على الإمام أن يزوجه امرأة ختانة

- ‌دليل القائلين لا يجوز ختانه مطلقاً

- ‌دليل من قال يجب ختان فرجيه بعد البلوغ

- ‌الراجح:

- ‌فرعحكم ما لوكان للرجل ذكران

- ‌المبحث الرابعفي حكم ختان الميت

- ‌دليل من قال لا يختن مطلقاً

- ‌التعليل الأول:

- ‌التعليل الثاني:

- ‌التعليل الثالث:

- ‌دليل من قال يختن مطلقا

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل من قال يختن إن كان كبيراً

- ‌الفصل السادسفي من يولد وهو مختون

- ‌دليل من قال يجب إمرار الموسى

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال لا يجب

- ‌فرع

- ‌فرع آخر

- ‌الفصل السابعفي موانع الختان

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السادس:

- ‌السابعة:

- ‌الفصل الثامنفي عبادة الأقلف

- ‌المبحث الأولفي طهارة الأقلف

- ‌المبحث الثانيفي إمامة الأقلف

- ‌دليل من قال تصح إمامته

- ‌دليل من قال تكره إمامته

- ‌دليل من قال لا تصح صلاته

- ‌المبحث الثالثفي ذبيحة الأقلف

- ‌دليل من قال لا تحل ذبيحته

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال يجوز أكل ذبيحته

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل من قال بالكراهة

- ‌المبحث الرابعفي حج الأقلف

- ‌المبحث الخامسفي شهادة الأقلف

- ‌دليل من قال تقبل شهادته

- ‌دليل من قال ترد شهادته

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفصل التاسعإجابة الدعوة في وليمة الختان

- ‌دليل من قال بالسنية

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌دليل من قال بالكراهة

- ‌دليل من قال بالإباحة

- ‌الراجح

- ‌الفصل العاشرفي ضمان ما أتلف بالختان

- ‌مذهب الحنفية

- ‌مذهب المالكية:

- ‌المذهب الشافعي:

- ‌المذهب الحنبلي:

- ‌الفصل الحادي عشرفي فوائد الختان

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السادس:

- ‌السابع:

- ‌الثامن:

- ‌الباب الثانيفي الاستحداد

- ‌تمهيدفي تعريف الاستحداد

- ‌ الاستحداد: لغة

- ‌الاستحداد اصطلاحاً:

- ‌الفصل الأولحكم الاستحداد

- ‌دليل الجمهور على الاستحباب

- ‌دليل القائلين بالوجوب

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الراجح من الخلاف:

- ‌فرعإذا قلنا بأن الاستحداد سنة فهل له أن يجبر زوجته على الاستحداد

- ‌الفصل الثانيفي وقت الاستحداد

- ‌دليل من وقت بالأربعين

- ‌وأجاب القائلون بعدم التوقيب عن هذا الحديث

- ‌الفصل الثالثفي كيفية الاستحداد

- ‌دليل من قال السنة الحلق ويكره النتف للجنسين

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل من قال يزيل الشعر بأي شيء

- ‌دليل من قال الحلق للرجل والنتف للمرأة

- ‌الراجح:

- ‌الفصل الرابعفي حلق شعر الدبر

- ‌دليل من قال بالاستحباب

- ‌دليل من قال لا يشرع

- ‌دليل من قال بالإباحة

- ‌الراجح

- ‌الفصل الخامسفي حلق شعر عانة الميت

- ‌دليل من قال بالتحريم

- ‌دليل من قال بالكراهة

- ‌دليل من قال بالجواز أو الاستحباب

- ‌التعليل الأول:

- ‌التعليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الراجح من الخلاف:

- ‌الفرع الأولإذا قيل بجواز حلق عانة الميت فكيف تؤخذ

- ‌الفرع الثانيهل يدفن مع الميت ما أخذ من شعره وظفره

- ‌الفرع الثالثلا يلي حلق العانة أجنبي

- ‌الفرع الرابعفي استخدام النورة

- ‌الباب الثالثفي تقليم الأظفار

- ‌[تمهيد]

- ‌المبحث الأولتعريف تقليم الأظفار

- ‌المبحث الثانيالدليل على أن تقليم الأظفار من سنن الفطرة

- ‌الفصل الأولفي حكم تقليم الأظفار

- ‌الفرع الأولهل يجبر الزوج زوجه على تقليم الأظفار

- ‌الفرع الثانيتوفير الأظفار في الحرب

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفصل الثانيهل يستحب تقليم الأظفار يوماً معيناً

- ‌دليل من قال يستحب التقليم يوم الجمعة

- ‌الدليل الأول

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌دليل من قال: يستحب تقليم الأظفار يوم الخميس

- ‌دليل من قال لا توقيت في تقليم الأظفار والمعتبر طولها

- ‌الفصل الثالثفي كيفية تقليم الأظفار

- ‌دليل الشافعية على تقديم المسبحة ثم الوسطى

- ‌دليل استحباب المخالفة بتقديم الخنصر ثم الوسطى ثم الإبهام

- ‌الخلاصة:

- ‌الفصل الرابعفي إزلة الوسخ التي تحت الظفر

- ‌دليل من قال تجب إزالته ولا يصح الوضوء معه

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌دليل من قال: لا تجب إزالته

- ‌دليل من قال يعفى عن يسير النجاسة في الظفر وغيره

- ‌الراجح

- ‌الفصل الخامسفي دفن الظفر والشعر

- ‌دليلهم على هذا الاستحباب

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الفصل السادسفي من قلم أظفاره هل يعيد الوضوء

- ‌دليل من قال ليس عليه شيء

- ‌دليل من قال عليه الوضوء أو مسحه بالماء

- ‌الراجح

- ‌فرعفي غسل رؤوس الأصابع بعد القص

- ‌الباب الرابعفي نتف الإبط

- ‌الفصل الأولحكم نتف الإبط والتوقيت فيه

- ‌الفصل الثانيفي كيفية نتف الإبط

- ‌الفصل الثالثالوضوء من نتف الإبط

- ‌الباب الخامسفي الشارب

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولحكم قص الشارب

- ‌دليل القائلين بالوجوب

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل القائلين بأن قص الشارب سنة

- ‌الفصل الثانيهل يقص الشارب أو يحلق

- ‌دليل من قال: السنة قص الشارب

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌الدليل التاسع

- ‌الدليل العاشر

- ‌الدليل الحادي عشر:

- ‌الدليل الثاني عشر:

- ‌الدليل الثالث عشر:

- ‌الدليل الرابع عشر:

- ‌دليل من قال: السنة الحلق

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌دليل من قال بالتخيير بين الحلق والقص

- ‌جواب القائلين بأن السنة القص

- ‌جواب القائلين بالحلق

- ‌الراجح

- ‌فرعكلام أهل العلم في السبالين

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال بقص السبالين

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الفصل الثالثفي التوقيت في قص الشارب

- ‌الباب السادسفي أحكام اللحية

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولما جاء في أن إعفاء اللحية من الفطرة

- ‌الفصل الثانيفي حكم إعفاء اللحية

- ‌المبحث الأولفي تحريم حلق اللحية

- ‌دليل تحريم حلق اللحية

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌الحديث الثالث:

- ‌الحديث الرابع:

- ‌دليل من قال بجواز حلق شعر الخدين

- ‌دليل من قال: حلق اللحية مكروه

- ‌المبحث الثانيحكم الأخذ من اللحية

- ‌دليل من كره أن يأخذ من اللحية شيئاً إلا في النسك

- ‌أدلة القائلين بالأخذ من اللحية

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌الدليل التاسع:

- ‌الدليل العاشر:

- ‌الراجح من الأقوال:

- ‌الأدلة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كثيف اللحية

- ‌الفصل الثالثحلق ما تحت الذقن

- ‌الفصل الرابعفي نتف الشيب

- ‌دليل من قال بالكراهة

- ‌دليل من قال بالتحريم

- ‌دليل من قال بالجواز

- ‌الفصل الخامسفي تغيير الشيب

- ‌المبحث الأولتغيير الشيب بغير السواد

- ‌دليل من قال بالسنية

- ‌الدليل الأول

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال يباح تغيير الشيب وليس بسنة

- ‌دليل من قال لا يسن تغيير الشيب

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌المبحث الثانيتغيير الشيب بالسواد

- ‌دليل القائلين بالتحريم

- ‌الدليل الأول

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌الدليل التاسع:

- ‌دليل القائلين بكراهة الخضاب بالسواد

- ‌دليل من قال يجوز تغيير الشيب بالسواد

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌دليل القائلين بأنه يجوز للمرأة دون الرجل

الفصل: ‌ ‌الدليل الخامس: (614 - 178) ما رواه أحمد، قال: ثنا حسين

‌الدليل الخامس:

(614 - 178) ما رواه أحمد، قال: ثنا حسين وأحمد بن عبد الملك، قالا: ثنا عبيد الله يعنى ابن عمرو، عن عبد الكريم، عن ابن جبير - قال أحمد: عن سعيد بن جبير -

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد. قال حسين: كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة

(1)

.

[رجاله ثقات إلا أنه اختلف في وقفه ورفعه]

(2)

.

= صدوق لا بأس به. قيل له: يحتج بحديثه؟ قال: لا. الجرح والتعديل (6/ 82)، وعلى كل حال، فعباد ثقة قد جاوز القنطرة، ولكن حديثه هذا مرسل، والله أعلم.

(1)

مسند أحمد (1/ 273).

(2)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 499): " ولأبي داود، وصححه ابن حبان من حديث بن عباس مرفوعاً (يكون قوم في آخر الزمان يخضبون كحواصل الحمام لا يجدون ريح الجنة) وإسناده قوي إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وعلى تقدير ترجيح وقفه، فمثله لا يقال بالرأي فحكمه الرفع.

قلت: لم أقف على هذا الاختلاف في الحديث من مخرج واحد، فليتأمل.

وهذا الإسناد مداره على عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الكريم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

واختلف في عبد الكريم. فورد في أكثر الروايات غير منسوب.

وورد في سنن أبي داود (4212) من طريق توبة

وعند البيهقي في شعب الإيمان (5/ 215) رقم 6414 من طريق هلال بن العلاء الرقي، عن أبيه وعبد الله بن جعفر، ثلاثتهم عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم الجزري مصرحاً بأنه الجزري.

ورأى ابن الجوزي أنه ابن أبي المخارق، فذكره في الموضوعات، قال (1455): " هذا =

ص: 434

. . . . . . . . . . . . . . . . .

= حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية البصري " اهـ

فتعقبه الحافظ ابن حجر في القول المسدد (ص: 48) فقال: " أخطأ ابن الجوزي فإن عبد الكريم الذي هو في الإسناد هو ابن مالك الجزري، الثقة المخرج له في الصحيح، ثم ذكر من خرج الحديث. اهـ

وقال ابن عراق في التنزيه (2/ 275): وسبق الحافظَ ابن حجر إلى تخطئة ابن الجوزي في هذا الحديث الحافظُ العلائي ".

والحق مع الحافظ للأسباب التالية.

أولاً: أنه ذكر منسوباً عند أبي داود، وسنده صحيح، وعند البيهقي في شعب الإيمان، وسنده حسن.

ثانياً: أن عبيد الله بن عمرو الرقي لا يروي عن ابن أبي المخارق فلم يذكر المزي في تهذيب الكمال أنه من تلاميذه، بينما معروف أن عبيد الله الرقي يروي عن الجزري، وهذه قرينة في أن عبد الكريم هو الجزري، بل ذكر الحديث في تحفة الأشراف (4/ 424) من مسند عبد الكريم الجزري، عن سعيد، عن ابن عباس.

وعبيد الله بن عمرو راوية الجزري، لكن تفرد الجزري عن سعيد بن جبير بهذا الحديث، ولم يروه غيره من أصحاب سعيد بن جبير كأيوب والمنهال بن عمرو وغيرهما.

وقد قال ابن حبان: كان صدوقاً، ولكنه كان ينفرد عن الثقات بالأشياء المناكير، فلا يعجبني الاحتجاج بما انفرد من الأخبار، وإن اعتبر معتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير، وهو ممن استخير الله فيه ". المجروحين (2/ 146).

وقال يعقوب بن شيبة: هو إلى الضعف ما هو، وهو صدوق، وقد روى عنه مالك، وكان ممن ينقي الرجال. تهذيب التهذيب (6/ 333).

والحق أن عبد الكريم ثقة، متفق على ثقته، وتعميم ابن حبان غير مرضي، ولم ينتقد حديث عبد الكريم إلا في روايته عن عطاء، وابن حبان إذا جرح عمَّم، لكن الأئمة قد يعلون الحديث إذا تفرد به ثقة عن أقرانه، وكان أصلاً في الباب، ولم يصححه معتبر، فكيف وقد اختلف في إسناده ومتنه، وإليك بيانه: =

ص: 435

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الحديث رواه عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس كما سبق.

ورواه الحكيم الترمذي في المنهيات (199) من طريق أبي حمزة السكري، عن عبد الكريم، عن مجاهد، أنه ذكر عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر الزمان قوم يصبغون بالسواد، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة.

وعبد الكريم هذا هو الجزري، لأن أبا حمزة السكري لا يروي إلا عن الجزري، ومجاهد لم يصرح أنه سمعه من ابن عباس.

والأول أقوى إسناداً، والحكيم الترمذي متكلم فيه، لكنه قد توبع على الأقل في ذكر مجاهد.

فقد رواه الخلال في كتاب الترجل (ص:139) أخبرنا يحيى، قال: أخبرنا عبد الوهاب، قال: أخبرنا هشام بن عبد الله، عن عبد الكريم بن أبي أمية، عن مجاهد، قال: يكون قوم في آخر الزمان يسودون شعورهم، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة.

وهذا إسناد حسن إلى عبد الكريم بن أبي أمية، رجاله كلهم ثقات إلا عبد الوهاب، فإنه صدوق، وهنا صرح في الإسناد أن عبد الكريم هو ابن أبي أمية المتروك.

كما أن فيه مخالفة أخرى، وهو أن المتن ليس فيه:" لا يريحون رائحة الجنة ".

كما أن هشاماً توبع في كون الحديث من قول مجاهد، فقد روى عبد الرزاق في المصنف (20183) قال: أخبرنا معمر، عن خلاد بن عبد الرحمن، عن مجاهد، قال: يكون في آخر الزمان قوم يصبغون بالسواد لا ينظر الله إليهم، أو قال: لا خلاق لهم.

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات.

وأما ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 148) رقم 25031 قال: حدثنا ملازم بن عمرو، عن موسى بن نجدة، عن جده زيد بن عبد الرحمن، قال: سألت أبا هريرة: ما ترى في الخضاب بالوسمة؟ فقال: لا يجد المختضب بها ريح الجنة.

وهذا إسناد ضعيف، فيه موسى بن نجدة لم يرو عنه غير ملازم بن عمرو، ولم يوثقه أحد، ولذلك قال الحافظ: مجهول

ورواه الخلال في الوقوف والترجل (ص: 139): أخبرنا محمد بن علي، حدثنا مهنا، =

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال: حدثني أبو عصام داود، حدثنا زهير بن محمد العنبري،

عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون قوم يغيرون البياض بالسواد، قال مرة: يغيرون بياض اللحية والرأس بالسواد يسود الله وجهوهم يوم القيامة.

وهذا مع كون إسناده ضعيفاً، فإنه من مراسيل الحسن، وهي من أضعف المراسيل، والله أعلم.

وأما قول الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 499): " ولأبي داود، وصححه ابن حبان من حديث بن عباس مرفوعاً (يكون قوم في آخر الزمان يخضبون كحواصل الحمام لا يجدون ريح الجنة) وإسناده قوي إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وعلى تقدير ترجيح وقفه، فمثله لا يقال بالرأي فحكمه الرفع.

فإن كان يعني الحافظ أنه موقوف على صحابي فمسلم، ولم أقف عليه موقوفاً على ابن عباس.

وإن كان يقصد الحافظ أنه موقوف على مجاهد

فليس بجيد لأن قول التابعي قولاً لا مجال للرأي فيه كأن يكون من الغيبيات، هل يكون له حكم الرفع؟، بحيث يقال: إنه في حكم المرسل.

أو يقال: إنه موقوف عليه، وفرق بينه وبين الصحابي من وجوه.

الأول: أن الصحابي الغالب منه أنه يروى عن صحابي مثله، أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتالي الواسطة ثقة، فيكون له حكم الرفع، بينما التابعي قد يروي عن تابعي آخر، والتابعي الآخر قد يكون حافظاً، وقد لا يكون.

الوجه الثاني: أنه على التسليم بأن له حكم المرسل، فمرسل التابعي ضعيف، بخلاف مرسل الصحابي رضي الله عنه.

الوجه الثالث: إذا كنا نشترط في الصحابي ألا يكون ممن يروى عن الاسرائليات إذا أخبر بأمور غيبية من قوله، فما بالك بالتابعي. وعلى كل حال فهذا البحث من المباحث الأصولية الحديثية التي ينبغي أن تحرر من أقوال المجتهدين، وعمل المحدثين.

فالشاهد هل هذا الاختلاف يؤثر في الحديث أم لا؟

قد يقال: لا يؤثر؛ لأن الإختلاف إذا اختلف مخرج الحديث لا يعل الموقوف المرفوع، =

ص: 437

. . . . . . . . . . . . . . . . .

= بل ربما يقويه. ووجهه:

عندنا رواية مجاهد فيها اختلاف:

فقيل: عن مجاهد يذكر عن ابن عباس.

وقيل: عن مجاهد من قوله. والراجح من رواية مجاهد أنها من قوله؛ لأنها أقوى إسناداً.

أما رواية عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فهي طريق آخر لم يأت من طريق مجاهد، فيكون الحديث من هذا الطريق محفوظاً. وهذا القول وجيه جداً.

وأما حديث أبي هريرة فضعيف جداً؛ لأن في إسناده راوياً مجهولاً عيناً.

وأما مرسل الحسن، فهو ضعيف أيضاً فيه علتان:

كونه مرسلاً، وفي إسناده من تكلم فيه.

وقد يقال: إن هذا الاختلاف مؤثر فيه:

ذلك أن طريق مجاهد وطريق سعيد بن جبير، كلاهما قيل فيه عن ابن عباس.

ومع ذلك ثبت عن مجاهد من قوله.

وعبد الكريم تارة ينسب إلى الجزري الثقة في طريق عبيد الله بن عمرو الرقي.

وتارة ينسب إلى ابن أبي أمية كما في طريق هشام الدستوائي.

وتارة عن الحسن مرسلاً، وتارة من مسند أبي هريرة،

ولا يكفي أن يكون طريق عبيد الله بن عمرو مستقلاً حتى يكون مقبولاً، فالعلماء يعلون الحديث للمخالفة، ولو كان الطريق مستقلاً، فإذا كان الأكثر أو الأحفظ على إرساله أو وقفه رجح على الموصول والمرفوع، وأقرب مثال على هذا ما رواه ابن أبي شيبة (1/ 171) رقم 1973، وأحمد وغيرهما ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين.

فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، وهو طريق مستقل كما أفصح عنه ابن دقيق العيد، فقال في نصب الراية (1/ 180): " ومن يصححه يعتمد بعد تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفاً لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه، ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة، لم يشارك المشهورات في سندها. اهـ

وقال ابن التركماني في الجوهر النقي عن رواية هذيل عن أبي قيس (1/ 284): " ثم =

ص: 438

. . . . . . . . . . . . . . . . .

= إنهما لم يخالفا مخالفة معارضة، بل روايا أمراً زائداً على ما رووه بطريق مستقل غير معارض، فيحمل على أنهما حديثان. اهـ

ومع كونه طريقاً مستقلاً فقد أعله الأئمة بالمخالفة، وإليك النقول عنهم:

قال أبو داود في السنن (159): كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.

وذكر البيهقي بسنده أن عبد الرحمن بن مهدي، قال لسفيان: لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هذيل ما قبلته منك. فقال سفيان: الحديث ضعيف، أو واه أو كلمة نحوها.

وساق البيهقي بسنده عن محمد بن يعقوب، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: حدثت أبي بهذا الحديث، فقال أبي: ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس، وقال أبي: إن عبد الرحمن بن مهدي أبى أن يحدث به، ويقول: هو منكر.

وساق البيهقي أيضاً بسنده عن علي بن المديني أنه قال: حديث المغيرة بن شعبة في المسح، رواه عن المغيرة أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، ورواه هذيل بن شرحبيل، عن المغيرة إلا أنه قال: ومسح على الجوربين، وخالف الناس.

وروى البيهقي أيضاً من طريق المفضل بن غسان، قال: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس.

وقال النسائي في السنن الكبرى (1/ 83) قال أبو عبد الرحمن: ما نعلم أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.

فهذا عبد الرحمن بن مهدي وأحمد وابن معين ومسلم وأبو داود والنسائي رجحوا ضعفه للمخالفة مع اختلاف الطريق، ولم يخرجه البخاري مع أنه على شرطه، فيظهر أنه لعلة المخالفة.

قال النووي في المجموع بعد أن نقل عن الأئمة المتقدم ذكرهم تضعيفهم للحديث (1/ 500): " هؤلاء هم أعلام أئمة الحديث، وإن كان الترمذي قال: حديث حسن فهؤلاء مقدمون عليه، بل كل واحد لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة

اهـ

فلم يمنع من إعلال الحديث مع كونه طريقاً مستقلاً، ونرجع لحديثنا فمع هذا الاختلاف لايمكن للباحث أن يجزم بصحة إسناده، مع أن القول بالتحريم يفتقر إلى إسناد =

ص: 439

وأجيب بأجوبة:

= صحيح خال من النزاع؛ لأن الأصل الحل، ولا ننتقل عنه إلا بدليل صحيح صريح خال من النزاع، وأما الذين يرون في مثل هذه المسائل أن الاحتياط التحريم فلم يحسنوا؛ لأن الاحتياط أن يتورع المجتهد عن الجزم بتحريم شيء على الناس بمجرد الشك ولكن لا بد في ما يختاره المجتهد لغيره من اليقين أو غلبة الظن بأن مثل هذا حرام، وأما ما يختار الإنسان لنفسه من باب الاحتياط فالباب واسع، وقد يلزم الإنسان نفسه ما لا يلزمه أهله وولده فضلاً عن الناس، والله أعلم.

[تخريج الحديث]

الحديث رواه أبو داود (4212) حدثنا أبو توبة، ثنا عبيد الله، عن عبد الكريم الجزري.

وأخرجه النسائي في السنن الصغرى (5075) وفي الكبرى (9346) قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي، عن عبيد الله، وهو ابن عمرو به.

وأخرجه أبو يعلى في مسنده (2603) حدثنا زهير، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيد الله، يعني بن عمرو به.

وأخرجه البيهقي في السنن (7/ 311) من طريق عمرو- يعني ابن خالد- أنا عبيد الله ابن عمرو به.

وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (6414) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان، عن هلال بن العلاء الرقي، ثنا أبي وعبد الله بن جعفر، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري به.

وأخرجه أبو عمر الداني في السنن الواردة في الفتن (319) من طريق أحمد بن زهير، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي به.

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12254) حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، ثنا أبي ح

وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا جندل بن والق، قالا: ثنا عبيد الله بن عمرو به. ومن طريق عبيد الله بن عمرو أخرجه البغوي في شرح السنة (3180).

ص: 440

الأول: ضعف الحديث لأن في إسناده اختلافاً، وقد ناقشت هذا في التخريج.

قال أبو حفص الموصلي: قد ورد: " يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد، لا يريحون رائحة الجنة، ولا يصح في هذا الباب شيء غير قوله في حق أبي قحافة: " وجنبوه السواد " والجواب عنه من وجهين: ثم ذكرهما

(1)

.

الجواب الثاني:

أن الوعيد الشديد ليس على الصبغ بالسواد، وإنما هو على معصية أخرى لم تذكر، كما قال الحافظ ابن أبي عاصم في كتاب الخضاب له

(2)

، وابن الجوزي كما سيأتي عنه، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد، وقد عرفت وجود طائفة قد خضبوا بالسواد في أول الزمان وبعده من الصحابة والتابعين وغيرهم رضي الله عنهم، فظهر أن الوعيد المذكور ليس على الخضاب بالسواد؛ إذ لو كان الوعيد على الخضب بالسواد لم يكن لذكر قوله في آخر الزمان فائدة، فالاستدلال بهذا الحديث على كراهة الخضب بالسواد ليس بصحيح.

قلت: قد يكون فائدة ذكر آخر الزمان أنه يكثر فيه، وينتشر، بخلاف ما وجد في العصر الأول، فإن الصبغ من آحادهم، وعلى كل حال هذا تأويل للنص والذي ينبغي على طالب العلم أن يترك تأويل النصوص وحملها على خلاف الظاهر، وإذا كنا نعيب على أهل البدع تأويل نصوص الصفات،

(1)

جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب (ص: 477).

(2)

ذكره عنه ابن حجر في الفتح (10/ 354).

ص: 441

فكيف نسمح لأنفسنا أن نقبل به هنا، وما الفائدة من ذكر هذا الخبر إذا كان على معصية لم تعلم، ويكون الخبر لغواً لا فائدة فيه؛ لأننا لا نعلم جرمهم لنتقيه، غاية ما فيه أن في آخر الزمان قوماً لايريحون رائحة الجنة، ثم القاعدة الأصولية: أن الحكم إذا رتب على وصف فإنه يدل على أن الوصف علة في الحكم، فلو قال قائل: إن قوله تعالى: {والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}

(1)

.

لو قال: إن الجلد ليس على الزنا، وإنما هو على معصية أخرى لم تذكر هل يمكن أن يقبل ذلك منه؟

الثالث: أن المراد بالخضب بالسواد في هذا الحديث الخضب به لغرض التلبيس والخداع، لا مطلقا جمعاً بين الأحاديث المختلفة، وهو حرام بالاتفاق

(2)

.

قال ابن الجوزي: إنما كرهه - يعني الصبغ بالسواد - قوم لما فيه من التدليس، فأما أن يرتقي إلى درجة التحريم إذا لم يدلس، فيجب به هذا الوعيد، فلم يقل بذلك أحد، ثم نقول على تقدير الصحة يحتمل أن يكون المعنى: لا يريحون ريح الجنة لفعل صدر منهم أو اعتقاد، لا لعلة الخضاب، ويكون الخضاب سيماهم، فعرفهم بالسيما، كما قال في الخوارج: سيماهم التحليق، وإن كان تحليق الشعر ليس بحرام

(3)

.

(1)

النور، آية:2.

(2)

تحفة الأحوذي (5/ 359،360).

(3)

الموضوعات (3/ 230).

ص: 442

الجواب الرابع عن الحديث:

لقد صبغ جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسواد، أيكون الصبغ متوعداً عليه بأنه لا يريح رائحة الجنة، ثم هؤلاء يصبغون؟!!، ولا ينقل إنكار من الصحابة رضوان عليهم، وهم أكمل الأمة في النصح والعلم والقيام بالواجب، لا يخافون في الله لومة لائم.

وأجيب:

بأننا إنما نحتاج إلى الرد إلى أقوال الصحابة وأفعالهم فيما لم يرد فيه نص، أما ما رود فيه نص فلا يحتاج الأمر إلى الرجوع إلى أفعال الصحابة، قال تعالى:{فإن تنازعتم في شيء فروده إلى الله والرسول}

(1)

، فإذا كانت السنة واضحة صريحة فلا ترد إلى غيرها.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك مسائل كثيرة خالف فيها بعض الصحابة النص المتفق عليه، ومع ذلك لم يقدح هذا في النص، أرأيت إلى لبس خاتم الذهب جاء فيه النص واضحاً بتحريمه، ومع ذلك جاء عن عدد من الصحابة كانوا يلبسون خاتم الذهب، فهل كان ذلك علة في رد النص؟

وقد يقال: إن الرجوع إلى فهم الصحابة يتعين لفهم النص، وفهمهم أولى من فهم غيرهم، فيحمل على أن النهي للكراهة لمخالفتهم النهي، لكن يشكل عليه قوله في الحديث:" لا يرح رائحة الجنة " لا يقال مثل هذا في المكروه، والله أعلم.

(1)

النساء، آية:59.

ص: 443

الجواب الخامس:

أن العقوبة الواردة في الحديث مبالغ فيها، وقد يكون من أسباب ضعف الحديث أن يرتب على العمل اليسير ثواب عظيم، أو عقاب كبير كما ذكر ذلك العلماء، وهذا يقال هنا لأن الإسناد ليس من القوة

(1)

، فالتحريم نحتاج للقول به إلى إسناد صحيح خال من النزاع؛ لأن الأصل الحل، ولا ننتقل عنه إلا بدليل صحيح صريح خال من النزاع.

وأجيب:

بأن الشرع هو الذي يقدر أن الذنب يسير أو عظيم، ولذلك ورد وعيد

(1)

قال ابن القيم في المنار المنيف: سئلت هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟

فأجاب رحمه الله: هذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه، ويحبه، ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم كواحد من أصحابه.

فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به، وما لا يجوز مما لا يعرفه غيره، وهذا شأن كل متبع مع متبوعه؛ فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم، والله أعلم. المنار المنيف (ص: 43) فلا يقطع بضعف الحديث لمجرد عظم الثواب أوالعقاب إلا من الجهبذ البصير بالعلل من أئمة علل الحديث كأحمد بن حنبل رحمه الله، ويحيى بن معين، وابن المديني والبخاري ونحوهم.

ص: 444