الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: الكُحول:
طَهَارَةُ الاسْبِرْتُو وَنَجَاسَتُهُ
(966) السؤال: الاسْبِرْتُو هل هو نَجِسٌ أم لا؟ وإذا كان نَجِساً فما العِلَّة في نَجاسَتِه
؟
الجواب: أمَّا الاسبرتو فيُتَّخذ من أشياء كثيرة؛ مثل القَصَب والبَنْجَر.
ونهاية ما يُقال فيه: إنَّه إن كان مُسْكِراً، أو لم يكن أصله النيِّئُ من ماء العِنَب، يجري فيه الخلاف الذي ذُكِرَ في الأَشْرِبة المُحرَّمة غير الخَمْر؛ ففي (الدُّرِّ) من باب الأنجاس -بعد الكلام على الخَمْر- ما نصُّه:«وفي باقي الأَشْرِبة روايات التغليظ، والتخفيف، والطهارة، ورجَّح في (البحر) الأوَّل، و (النهر) الأوسط» . انتهى
[فتاوى دار الإفتاء المصرية (3/ 825 - 826)]
* * *
(967) السؤال: قد اختَلَفَ عُلماء المَنْصورَة في نجاسة الاسْبِيرْتُو مِنْ عَدَمِه؛ فبعضُهم يحُكمُ بنجاسَتِه، والبعضُ الآخرُ يحكمُ بطهارَتِه. وقد اشتدَّ بينهم الخلاف في ذلك، ولا ندري أيُّهما أصوَبُ في الحُكم
؛ فلَجَأْنا إلى فضيلتكم راجين التَّفضُّل بفتوى فضيلتكم في هذه المسألة شرحاً على هذا؛ للوقوف على الحقيقة في هذا الموضوع.
الجواب: نُفِيد أوَّلًا: إنَّ الكُؤل -الاسبيرتو- ليس بخَمْرٍ حتَّى يكون نَجِساً نجاسةَ العَيْن، ولا هو شيئا من الأشْرِبَة المُسْكِرَة غير الخَمْر التي اختلفوا في نجاستها وطهارتها، بل هو سُمٌّ زُعافٌ مثل سائر السُّموم، ولم يَقُلْ أحدٌ من العُلماء بنجاسةِ السُّمِّ؛ وإنَّما حَرُمَ تناول السُّمِّ؛ لأنَّه مُهْلِكٌ. هذا إذا جَهِلْنا مصدر الاسبيرتو، ومن أيِّ شيءٍ استحضروه.
ونُفِيد ثانياً: إنَّ العُنْصر الفَعَّال المُوجِب للإسْكار في جميع المُسْكِرات
على اختلاف أنواعها هو الكُؤل، وأنَّ التَّخَمُّر لا يمكن حصوله إلَّا إذا كان في العَيْن المُتخَمِّرة خَميرةٌ تُحدِثُ التَّخمُّر مع مادَّة سُكَّريَّة، وأنَّ الخالي من المادَّة السُّكَّريَّة لا يمكن تَخمُّرُه مهما طال زمن مُكْثِه؛ كالحَنْظَل.
أمَّا ما كان فيه مادَّة سُكَّريَّة فيَتَخَمَّر، وإن تَخمَّر فهو عبارة عن استحالة المادَّة السُّكَّريَّة إلى ما يُسمَّى بالكُؤل، وإلى حمض كَرْبونيك؛ فيصير مُسْكِراً بسبب هذا الكُؤل؛ لأنَّه هو المُحدِثُ للإسْكار. وقد أثبتوا أنَّ الطَّبْخَ بالنَّار يُعدِمُ الكُؤل، فإذا عَلِمْتَ أنَّ سبب الإسْكار هو العُنصر المُسمَّى كُؤلاً -اسبيرتو-؛ فنقولُ: إنَّهم إذا استخرجوه من الأشْرِبة المُسْكِرَة، أو من بعض الحُبوب أو الأخشاب، فهو بانفراده لا يُسْكِرُ، لكنَّه يُؤذي؛ فإذا شَرِبَهُ صِرْفاً إمَّا أن يقع في سُباتٍ، وإمَّا أن يَذْهَب عَقْلُه، فإذا أُريدَ تحويلُه للإسْكار مَزَجوه بثلاثة أمثاله ماءً، ثمَّ اسْتَقْطَروه، وهو العَرَقُ المعروف الشَّائع بَيْعُه في أكثر الحانات.
ونُفيد ثالثاً: إنَّهم كانوا يستخرجون الاسبيرتو من الخَمْر، ومن كُلِّ الأشربة المُسْكِرَة، ولمَّا كَثُرَ استعمالُه في الطِّبِّ والصَّنائع، واتَّسعَت تجارتُه، صاروا يَستحضِرونَه من الفواكه والخُضْراوات والبُقول والحُبوب، بل ويَستَحضِرونَه أيضاً من الأخشاب.
وعلى ذلك نقول: ما كان مُستَحضَراً من الخَمْر أو من الأشْرِبَة المُسْكِرَة غير الخَمْر يُعطَى حُكمَها نجاسةً وطهارةً.
وما كان مُستَحضَراً من الثِّمار والحُبوب والأخشاب فهو طاهِرٌ، وهذا الصِّنف هو الرَّائِج والغالِب استعمالُه في المتاجِر على ما بَلَغَنا ممَّن بحثوا عنه.
بقي ما لو أضافوا الاسبيرتو على الأدوية، وعلى الرَّوائح العِطريَّة كالكُلونْيا؛ لإصلاحها؛ فهل يُعْفَى عنه؟
فنقول: أمَّا الاسبيرتو المأخوذ من الأشياء الطاهرة؛ كالحُبوب والأخشاب؛ فالأدوية والرَّوائح العِطريَّة المخلوطة به طاهرةٌ، وأمَّا الاسبيرتو المستخرجُ من الأشياء المُتخَمِّرَة -وهي الخُمور-؛ فإنْ تَلاشَى فيها أو تَحَوَّل من طَبْعِه؛ فالظَّاهِرُ أنَّه لا بأس به؛ يدلُّ على ذلك ما نقله في (التتارخانيَّة) عن (المحيط) قال ما نصُّه:«أبو يوسُفَ عن أبي حنيفةَ [في] رَجُلٍ اتَّخذَ [مُرِّيًّا] من سَمَكٍ ومِلْحٍ وخَمْرٍ، قال: إذا صار [مُرِّيًّا] فلا بأس به، بالأثر الذي جاء عن أبي الدَّرداء. وأبو يوسُف رحمه الله يقول كذلك إلَّا في خصلةٍ واحدةٍ؛ أنَّ السَّمَك إذا كان هو الغالب، والخَمْر قليلٌ، وأراد أن يتناول شيئاً، [ليس له ذلك]، وهو كالخُبْز إذا عُجِنَ بالخَمْر، و [إن] كان الخَمْر غالباً، [وتحوَّلت] الخَمْر عن طَبْعِها إلى [المُرِّي] فلا بأس بذلك» .
ومن هذا الذي ذكرناه يُعلَم أنَّ الاسبيرتو في الغالب إنَّما يُؤخَذ من غير الأشْرِبَة المُحرَّمة عند الحنفيَّة، أو من الأشْرِبَة ممَّا هو طاهرٌ كالأخشاب -كما مرَّ تفصيلُه-، وأنَّ ما وضع في مثل الكُلونيا ونحوها صار مُستَهلَكاً فيها، وتحوَّل إلى شيء آخر؛ وحينئذٍ لا يَشكُّ أحدٌ في طهارتها؛ فالرَّوائح العِطريَّة التي يُوضَع فيها الاسبيرتو، وهي نظيرُ ما يُستهلَكُ من النَّجاسات في المَصْبَنَة التي يُتَّخَذُ فيها الصَّابون، كما أنَّه ليس كُلُّ مُتخَمِّرٍ عند الحنفيَّة نَجِساً؛ بل الذي يَنْجُسُ بالتَّخَمُّر عندهم وعند مَنْ وافَقَهُم من الأئمَّة: