الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتوفَّى سنة 974 هجريَّة تحدَّث في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) في الجزء الأوَّل منه (ص 212) عن الحشيش والأَفْيون والبَنْج وجَوْزَة الطِّيب، وأشار إلى أنَّ القات الذي يُزرَع باليمن ألَّف فيه كتاباً عندما أرسل أهلُ اليمن إليه بثلاثة كتب، منها اثنان في تحريمه وواحد في حِلِّه، وحذَّر منه ولم يجزم بتحريمه، وقال عن جَوْزَة الطِّيب:
عندما حدث نزاع فيها بين أهل الحَرَمَيْن ومصر، واختلفت الآراء في حِلِّها وحُرْمَتها طُرِح هَذا السؤال: هل قال أحدٌ من الأئمَّة أو مقلِّديهم بتحريم أَكْل جَوْزَة الطِّيب؟ ومُحصِّل الجواب، كما صرَّح به شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، أنَّها مُسْكِرة، وبالغ ابن العِمَاد فجعل الحشيشةَ مَقِيسَةً عليها، وقد وافق المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة على أنَّها مُسْكِرة، فتدخل تحت النصِّ العامِّ (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)، والحنفيَّة على أنَّها إمَّا مُسْكِرة وإما مخدِّرة.
وكُلُّ ذلك إفسادٌ للعَقْل، فهي حَرامٌ على كُلِّ حالٍ. انظر كُتيِّب (المُخدِّرات؛ لمحمَّد عبد المقصود ص 90).
[موسوعة فتاوى دار الإفتاء المصرية وفتاوى لجنة الأزهر، رقم (311)]
* * *
(918) السؤال: لماذا تخرجُ (جَوْزَة الطِّيب) من قاعدة: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)، وهل يصحُّ وضع القليل منها مع الطعام لإصلاحه أو تطييبه
؟
الجواب: الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا رسول الله.
جَوْزَة الطِّيب اسمُها العِلْمِيُّ اللَّاتينيُّ هو (Myristica fragrans)، تتبع الفصيلة البسباسة، وتعتبر من نباتات المناطق الحارَّة، موطنها الأصلي ماليزيا.
وقد اتَّفق العُلماء والأطبَّاء على أنَّها من المُخدِّرات التي تؤثِّر في العَقْل، لكنَّه تأثيرٌ تخديريٌّ وليس مُسْكِراً، ولا يؤثِّر القليل منها. كما يقول الدكتور محمَّد علي البار في كتابه «المخدِّرات» (ص 61):«يحتوي الزيت الطيَّار الموجود في البذرة على مادَّة (الميريستسين myristicin)، وهي مادَّة مُنوِّمة إذا أُخِذَت بكمِّيَّات كبيرةٍ، ومُفتِّرة بكمِّيَّات أقلَّ من ذلك، وإذا أكثر الشخص من استعمالها أثَّرت على الكَبِد تأثيراً سُمِّيًّا قد يكون قاتلاً، وتُسبِّب الاعتماد النَّفْسي عليها إذا تكرَّر استخدامها» .
لذلك اتَّفق الفقهاء على أنَّ الكثير من جَوْزَة الطِّيب مُخدِّر مُحرَّم، إلَّا أنَّهم اختلفوا في حكم القليل منها:
فذهب الحنفيَّة وبعض الشافعيَّة وبعض المالكيَّة إلى حرمته، دون التفريق بين القليل والكثير، مستدلِّين بحديث:(مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) رواه أبوداود، وحديث أمِّ سَلَمَة رضي الله عنها قالت:(نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ) رواه أبو داود، وحسَّنه الحافظ ابن حَجَر وغيره. والمُفَتِّر: كُلُّ شَرابٍ يُورِثُ الفُتور والخَدَر.
وذهب الشافعيَّة والمالكيَّة إلى تقسيم المُسْكِرات إلى صنفين:
الأوَّل: مائعٌ كالخَمْر والنَّبيذ، فحكموا بنجاسته واستقذاره، وحَرَّموا قليله وكثيره.
والثاني: جامدٌ كجَوْزَة الطِّيب والزَّعفران والبَنْج، حكموا بطهارته وعدم استقذاره، وعدم مضرَّة القليل منه، فأباحوا ذلك القليل المُستخدَم في إصلاح الطعام، والذي لا يصل إلى حَدِّ الإسْكار، وحَرَّموا استخدامها بكمِّيَّة تضرُّ بالإنسان، أو بالكمِّيَّة التي تُسْكِر، بل ذهب بعض المالكيَّة إلى جواز أَكْل القليل من جَوْزَة الطِّيب منفردةً، فهم لا يُحرِّمونها من جهة
العَيْن، وإنَّما من جهة المضرَّة عند استخدام الكثير منها.
جاء في (حاشية الشرواني): «ما حُرِّم من الجمادات لا حَدَّ فيها وإن حُرِّمَت وأَسْكَرَت، بل التعزير؛ لانتفاء الشِّدَّة المُطْرِبَة عنها، كالجَوْزَة
…
فهذا كما ترى دالٌّ على حِلِّ القليل الذي لم يصل إلى حَدِّ الإسْكار كما صرَّح به غيره. وممَّا يدلُّ على حِلِّه عبارة الشارح: أمَّا الجامد فطاهرٌ، ومنه جَوْزَة الطِّيب؛ فيَحْرُم تناول القَدْر المُسْكِر من كُلِّ ما ذُكِر، كما صرَّحوا به. وعبارة الكُرْدِيِّ: أمَّا القَدْر الذي لا يُسْكِر فلا يَحرُم؛ لأنَّه طاهرٌ غير مُضرٍّ ولا مُستقذَرٍ» انتهى.
ولما سُئِلَ الإمامُ الرَّمْلِيُّ فقيه الشافعيَّة -كما في (الفتاوى) -: عن أَكْل جَوْزِ الطِّيب هل يجوز أو لا؟ أجاب رحمه الله بقوله: «نعم يجوز إن كان قليلًا، ويَحرُم إن كان كثيراً» .
وجاء في (مواهب الجليل) من كتب المالكيَّة: «الجَوْزَة من المُفسِدات، قليلها جائزٌ، وحكمها الطهارة، وقال البُرْزُليُّ: أجاز بعض أئمَّتنا أَكْل القليل من جَوْزَة الطِّيب لتسخين الدِّماغ، واشترط بعضهم أن تختلط مع الأدوية. والصواب العموم» .
وعليه يظهر أنَّ المالكيَّة والشافعيَّة قد فرَّقوا بين الخَمْر وجَوْزَة الطِّيب من عدَّة وُجوهٍ:
أوَّلاً: النجاسة؛ فهم لا يرونها نَجِسَةً مُستقذَرَة كالخَمْر.
ثانياً: العُقوبة؛ فمن استخدم الجَوْزَة بمقدارٍ يضرُّ بنفسه لا يُقام عليه حَدُّ شارب الخَمْر، بل يُعزَّر.
ثالثاً: حكم بيعها؛ فبيعها حلالٌ، ويَحِلُّ ما يرتبط بها من زراعة وصناعة، ولا يشملها لَعْن الخَمْر.
رابعاً: التأثير؛ فجَوْزَة الطِّيب مُفَتِّرة (يُخدِّر الكثير منها)، وليست مُسْكِرة، ومن أطلق عليها أنَّها مُسْكِرة إنَّما أراد به المعنى العام لهذه الكلمة، وهو التخدير