الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرير.
[فتاوى نور على الدرب - ابن عثيمين (11/ 193 - 194)]
* * *
لُبْسُ سَاعَةٍ صُنِعَتْ بَعْضُ أَجْزَائِهَا مِنَ الذَّهَبِ
(1165) السؤال: عندي ساعةٌ أَخْبَرَتْني وَكالَتُها أنَّ الماكينة التي بداخِلها تشتمل على قطعةٍ ذَهَبيَّةٍ. والسؤال: هل يجوزُ لي لُبْس هذه الساعة؟ وجزاكم الله خيراً
.
الجواب: إذا كانت هذه القطعة الذَّهَبيَّة موجودةٌ، ويمكن فَصْلُها عن الساعة أو استبدالها، فإنَّه لا يجوز لُبْسُها قبل الفَصْل أو الاستبدال. أمَّا إذا لم يمكن فَصْلُها أو استبدالها فإنَّه يجوزُ لُبْسُها، والله تعالى أعلم.
وتوصي اللَّجنة بعدم الإسراف في مثل هذه الأمور، وبتوجيه الأموال إلى ما فيه حاجة ونَفْع الإنسان.
[مجموعة الفتاوى الشرعية الكويتية (27/ 383)]
* * *
اسْتِعْمَالُ الذَّهَبِ الأَبْيَضِ للرِّجَالِ
(1166) في الأَوَّل من يوليو 2002 م عقد مجلس الفتوى الوطني الماليزي الجلسة (52) للمباحثة في حُكْم استعمال الرَّجُل الذَّهَب الأبيض
. أصدر المجلس فتواه بتحريم استعمال الذَّهَب الأبيض على الرَّجُل.
[قرارات مذاكرة لجنة الفتوى بالمجلس الوطني للشؤون الإسلامية الماليزية (ص 114)]
* * *
لُبْسُ الذَّهَبِ وَالحَرِيرِ وَمَا فِي مَعْناهُمَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
(1167) السؤال: هل يجوزُ للرِّجال والنِّساء
…
لُبْسُ
…
الحرير والذَّهَب والفِضَّة والنُّحاس والحديد، وغيره؛ كالنَّظَّارات والسَّاعات والسَّلاسِل
والأَسَاوِر والخواتِم وغيرها، أو لا؟
الجواب:
…
أمَّا التزيُّن بلُبْس الحرير والأشياء المصنوعة بالذَّهَب والفِضَّة والنُّحاس والحديد وغيره، إلى آخر ما جاء في السؤال؛ فنقول:
أمَّا الحرير وما أشبَهَه كالاسْتَبْرَق والدِّيباج؛ فقد رخَّص فيه الشَّرْع للنِّساء دون الرِّجال؛ جاء في البخاريِّ (باب لُبْس الحرير [وافتراشه للرِّجال] وقَدْر ما يجوز منه)، قال العَيْنِيُّ:(للرِّجال) قَيْدٌ يُخرِجُ النِّساء، وعن أبي عُثمان النَّهْدِيِّ:(أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ بِأَذْرَبِيجَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا. وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الإِبْهَامَ، قَالَ فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي الأَعْلَامَ)، قال العَيْنِيُّ: هذا الحديث حُجَّةٌ للجمهور بأنَّ الحرير حَرامٌ على الرِّجال. وقال النَّوويُّ: الإجماعُ انعقد على ذلك. وحَكَى القاضي أبو بَكْرِ ابن العَرَبيِّ في المسألة عشرة أقوال.
وسبب كثرة الأقوال كثرة الرِّوايات. والنَّاظرُ إلى جُمْلَتِها والتَّوفيق بينها يترجَّحُ عنده القول بالحُرمَة؛ فعن عبد الله بن عمر قال: (رَأَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنِ اسْتَبْرَقٍ، فَأَتَى بِهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ اشْتَرِ هَذِهِ، فَالْبَسْهَا لِوَفْدِ النَّاسِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ، قَالَ: فَمَضَى لِذَلِكَ مَا مَضَى، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَيْهِ بِحُلَّةٍ، فَأَتَاهُ بِهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ، وَقَدْ قُلْتَ فِي مِثْلِ هَذَا مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِهَا لِتُصِيبَ بِهَا مَالًا)، وكان عبد الله بن عمر يكره العَلَم في الثَّوب من أجل هذا الحديث.
وعن عبد الله بن عمر قال: (أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعَرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مَكْفُوفَةٌ بِحَرِيرٍ، أَوْ قَالَ: مُزَرَّرَةٌ بِدِيبَاجٍ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُغْضَباً، وَأَخَذَ
بِمَجَامِعِ جُبَّتِهِ فَجَذَبَهَا بِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْكَ ثِيَابَ مَنْ لَا يَعْقِلْ).
وعن أبي شيخٍ الهُنَّائِيِّ قال: (كُنْتُ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ؛ هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ).
وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ، وَلَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ يَلْبَسُهُ أَهْلُ الجَنَّةِ وَلَا يَلْبَسُهُ)، وغير هذا كثير من الأحاديث المتواترة في النَّهي عن لُبْس الحرير.
وخَصَّصوا النَّهي بالرِّجال دون النِّساء لأحاديث أُخَر وردت في ذلك غير ما قدَّمناه؛ ومنها ما رُوِيَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيراً فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَباً فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي). وعن ابن عمر وزيد بن أَرْقَم مثله.
وعن أنس بن مالك قال: (رَأَيْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بُرْدٌ سِيَرَاءُ مِنْ حَرِيرٍ)، ومعنى سِيَراءُ: مُضَلَّعٌ بالقَزِّ.
وهذا الذي قرَّرناه من إباحة لُبْس الحرير للنِّساء أو تحريمه على الرِّجال هو قول أبي حنيفة، وأبي يوسُف، ومحمَّد رحمهم الله تعالى. وحكى النَّوويُّ الإجماع عليه؛ فيجب التَّعويل عليه في مثل هذا المقام.
وأمَّا استعمال آنية الذَّهَب والفِضَّة؛ فنقول: جاء في الصَّحيح عن البراء بن عازبٍ قال: (نَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَبْعٍ: نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ -أَوْ قَالَ: حَلَقَةِ الذَّهَبِ-، وَعَنِ الحَرِيرِ، وَالاسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ، والمِيثَرَةِ الحَمْرَاءِ، وَالقَسِّيِّ، وَآنِيَةِ الفِضَّةِ، وَأَمَرَنَا بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِبْرَارِ المقْسِمِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ).
وعن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه (نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ)، [وقال عمروٌ: أخبرنا شُعبَة عن قتادة:] سَمِعَ النَّضْرَ سَمِعَ بشيراً مثله.
قال العَيْنِيُّ: وأمَّا السَّبعةُ التي نهانا عنها؛ فأوَّلُها آنية الفِضَّة، والنَّهْي فيه نَهْي تحريم، وكذلك آنيةُ الذَّهَب، بل هي أَشَدُّ، قال أصحابنا: لا يجوز استعمال آنية الذَّهَب والفِضَّة للرِّجال والنِّساء؛ لما في حديث حذيفة عند الجماعة: (وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا) الحديث، وقالوا: وعلى هذا المَجْمَرَة، والمِلْعَقَة، والمِدْهَن، والمِيل، والمِكْحَلَة، والمِرْآة، ونحو ذلك؛ فيستوي في ذلك الرِّجال والنِّساء؛ لعُموم النَّهي، وعليه الإجماع.
ويجوز الشُّرْب في الإناء المُفَضَّض، والجلوس على السَّرير المُفَضَّض إذا كان يَتَّقي مَوْضِع الفِضَّة؛ أي يتَّقي فَمُه ذلك، وقيل: يتَّقي أَخْذَه باليَد. وقال أبو يوسُف: يُكرَه. وقول محمَّدٍ مُضطرِبٌ.
ويجوز التَّجمُّل بالأواني من الذَّهَب والفِضَّة بشرط ألَّا يريد التَّفاخر والتَّكاثر؛ لأنَّ فيه إظهار نعم الله تعالى.
الثَّاني: خاتَم الذَّهَب؛ فإنَّه حرامٌ على الرِّجال، والحديث يدلُّ عليه.
ومن النَّاس من أباح التَّخَتُّم بالذَّهب؛ لما في (شرح الآثار) بإسناده إلى محمَّد بن مالكٍ قال: (رَأَيْتُ عَلَى البَرَاءِ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: قَسَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَلْبَسَنِيهِ، فَقَالَ: الْبَسْ مَا كَسَاكَ اللهُ عز وجل وَرَسُولُهُ).
والجواب عنه: أنَّ التَّرجيح للمُحَرَّم، وما رُوِيَ من ذلك كان قبل النَّهْي.
وأمَّا التَّختُّم بالفِضَّة فإنَّه يجوز؛ لما رُوِيَ عن أنسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَماً مِنْ فِضَّةٍ لَهُ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، وَنَقَشَ عَلَيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ). رواه الجماعة.
والسُّنَّة أن يكون قَدْر مثقالٍ فما دونه. والتَّخَتُّم سُنَّةٌ لمن يحتاج إليه؛
كالسُّلطان والقاضي ومن في معناهما، ومن لا حاجة له إليه فترْكُه أفضل. اهـ.
وجاء في (سنن النسائي) تحت عنوان: (تحريمُ الذَّهَب على الرِّجال): عن زُرَيرٍ أنَّه سَمِعَ عليَّ بن أبي طالبٍ يقول: (إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيراً فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَباً فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِيٍ)، وعن أبي موسى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا)، وعن أبي قِلابَة عن معاوية (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعاً، وَعَنْ رُكُوبِ المَيَاثِرِ)، وعن أبي شَيْخٍ أنَّه سمع معاوية -وعندَه جَمْعٌ من أصحاب محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قال:(أَتَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعاً؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ). وفي شرحه (زَهْرُ الرُّبَى) للسيوطيِّ قوله: (إِلَّا مُقَطَّعاً) أي: مُكَسَّراً مَقْطوعاً، والمراد الشَّيء اليسير مثل السِّنِّ والأَنْف، والله أعلم.
وفي (شرح معاني الآثار) لأبي جعفر الطَّحاويِّ؛ قال أبو جعفر: قد اختَلَف النَّاس في الرَّجُل يتحرَّك سِنُّه فيريد أن يَشُدَّها بالذَّهَب؛ فقال أبو حنيفة: ليس له ذلك، وله أن يَشُدَّها بالفِضَّة. وقال أصحابُ الإِملاء؛ منهم: بِشْرُ ابن وليدٍ عن أبي يوسُف عن أبي حنيفة: أنَّه لا بأس أن يَشُدَّها بالذَّهَب. وقال محمَّد بن الحسن: لا بأس أن يَشُدَّها بالذَّهَب، وقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَرْفَجَة أن يَتَّخِذ أَنْفاً من ذَهَبٍ؛ رُوِيَ عن عبد الرحمن بن طَرَفَة عن جَدِّه عَرْفَجَة بن أَسْعَدٍ (أَنَّهُ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الكِلَابِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَاتَّخَذَ أَنْفاً مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفاً مِنْ ذَهَبٍ، فَفَعَلَ). فقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَرْفَجَة بن أَسْعَدٍ أن يتَّخِذ أَنْفاً من ذَهَبٍ إذا كانت تُنْتِن الفِضَّة، فلمَّا كان ذلك كذلك
في الأَنْف، كان كذلك في السِّنِّ، لا بأس بِشَدِّها بالذَّهَب إذا كان لا يُنْتِن، فيكون النَّتَن الذي من الفِضَّة مُبيحاً لاستعمال الذَّهَب، كما كان النَّتَن الذي يكون منها في الأَنْف مُبيحاً لاستعمال الذَّهَب مكانها، فهذه حُجَّةٌ. اهـ.
فعُلِمَ من الأحاديث التي ذكرناها وتضمَّنت النَّهي عن الأَكْل في آنية الذَّهَب والفِضَّة أنَّ النَّهي عامٌّ للرِّجال والنِّساء والصِّبيان، وأنَّ المراد بالأَكْل والشَّراب ما يَعُمُّ ما هو في معناهما ممَّا يتعلَّق بمَنفَعَة البَدَن، وأنَّ المراد بآنية الذَّهَب والفِضَّة كُلُّ ما اتُّخِذ منها وكان في معنى الآنية؛ كالمِبْخَرة، والمِكْحَلة، وغيرهما ممَّا قدَّمناه.
وقد انعقد الإجماع على ذلك، ولم يخالف ذلك إلَّا الشَّوكانيُّ؛ حيث قال بحِلِّ استعمال الفِضَّة للرِّجال والنِّساء على وجه الإطلاق؛ عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام -كما رواه أبو داود-:(عَلَيْكُمْ بِالفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا)، وفضلاً عن كون الشَّوكانيِّ لم يبلغ مرتبة الاجتهاد؛ فإنَّ الإجماع قد انعقدَ قبله، فقوله خارقٌ له، فلا يُقْبَل.
وهذه الأحاديث عامَّة للرِّجال والنِّساء، وخاصَّة بالأَكْل والشُّرْب وما في معناهما، في آنيةِ الذَّهب والفضَّة وما في معناها.
وهناك أحاديث أُخرى جاء فيها صريحاً تحريم استعمال الذَّهب والفضَّة على وجه العموم للذُّكور فقط، بلا فَرْقٍ بين أن يكون الاستعمال أَكْلاً وشُرْباً وما في معناهما، في آنية الذَّهب والفضَّة وما في معناها، أو غير ذلك من طرق الاستعمال؛ فهي عامَّةٌ من هذا الوجه، وخاصَّة بالتَّحريم على الذكور فقط، وبالحِلِّ للنِّساء فقط؛ فحصل التَّعارض من بعض الوجوه بين هذه الأحاديث وبين تلك الأحاديث؛ فنَظَرْنا في ذلك فوجدنا أنَّ كُلًّا من العموم والخصوص بالنظر للرِّجال مُتَّفقان في الحُكم؛ وهو التَّحريم،
فقلنا بعموم التَّحريم إلَّا ما استُثني من الذَّهَب؛ وهو خاتَم الذَّهَب عند من يقول بحِلِّه بناء على الأحاديث التي عمل بها، واتِّخاذ السِّنِّ والأَنْف من الذَّهَب، وشَدُّ السِّنِّ به عند محمَّد بالأحاديث التي أَخَذ بها. وأمَّا بالنَّظر إلى النساء فوجدنا أنَّ الخصوص في كُلٍّ من تلك الأحاديث معارِضٌ للعُموم بها مع اختلاف الحُكمِ بالحِلِّ والحُرمَة؛ فتوفيقاً بين الأحاديث رجعنا إلى القاعدة الواجب العمل بها عند التعارض؛ وهي: أَنَّ (الخاصَّ يُقدَّمُ على العامِّ عند جهل التاريخ) -كما هنا-، ويعتبر مخصِّصاً اتِّفاقاً بين الحنفيَّة والشافعيَّة.
وبناءً على ذلك قالوا بحُرمَة الأَكْل والشُّرْب وما في معناهما، في آنية الذَّهْب والفِضَّة وما في معناها، على النِّساء والرِّجال، وخصَّصوا إباحته للنِّساء من الذَّهب والفضَّة بالمُحَلَّى؛ حتَّى لا تتعارض الأحاديث، وعمَّموا النهي بالنِّسبة للرِّجال وجعلوه شاملاً لما كان أَكْلاً وغيره، إلَّا ما استُثني من استعمال الذَّهَب من التَّختُّم به عند القائل بالحِلِّ، وإلَّا عند محمَّدٍ القائل بجواز اتِّخاذ السِّنِّ والأَنْف من الذَّهَب وشَدِّ السِّنِّ به، وإلَّا ما استُثني من استعمال الفِضَّة من الخاتَم وحِلْيَة السَّيْف وسائر آلات الحَرْبِ.
فتلخَّص من هذا: أنَّ كُلَّ استعمالٍ للذَّهَب والفِضَّة يرجع إلى منفعة البَدَن؛ فهو حَرامٌ على الذُّكور والإناث، وكُلَّ ما كان حُلِيًّا ونحوه منهما؛ فهو حلالٌ للإناث دون الذُّكور.
ومن هنا يُعلَم حُرمَة استعمال الذُّكور دون الإناث ساعة الجَيْب واليَد، وأَسْوِرَتها، وسِلْسِلَتها، والكَتِينَة
(1)
، والنَّظَّارات، ويدَ العَصا والخَتْم، ونحو ذلك، من الذَّهَب أو الفِضَّة؛ لأنَّ كُلَّ ذلك من قبيل التَّحلِّي، وليس في
(1)
الكتينة: مصطلح يُطلق باللغة الدارجة على الهيكل الخارجي لساعة اليد والجيب.
استعماله منفعةٌ تعود إلى البَدن؛ فهي من الحُلِيِّ لا من الأواني.
ويُكرَه الجُلوس على كُرسِيِّ الذَّهَب والفِضَّة، والرَّجل والمرأة في ذلك سواء، كما يُكرَه النَّظَر في المِرْآة المُتَّخَذة من الذَّهَب والفِضَّة، والكتابة بالقَلَم المُتَّخَذ من الذَّهَب والفِضَّة، أو من دَواةٍ كذلك، ويستوي فيه الذَّكَر والأُنثَى.
وأمَّا اتِّخاذ شيءٍ من الذَّهَب والفِضَّة واقتناؤه للتَّجمُّل بدون استعمال، فلا بأس به؛ لما قدَّمنا عن (عمدة القارئ) أنَّه يجوز التَّجمُّل بأواني الذَّهَب والفِضَّة بشرط ألَّا يريد التَّفاخر والتكاثر؛ لأنَّ فيه إظهار نعم الله تعالى؛ وذلك للحديث الصحيح:(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ).
والحاصل: أنَّ الأئمَّة الأربعة وأكثر العُلماء قائلون بحُرْمَة استعمال الذَّهَب والفِضَّة للرِّجال على أيِّ وجهٍ كان استعماله، إلَّا ما كان استعماله من الذَّهَب في السِّنِّ والأَنْف، فقد خالف في تحريمه الإمام محمَّد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة، وقد رجَّح قوله الإمام أبو جعفر الطَّحاويُّ، واستدلَّ بما تقدَّم.
أمَّا النُّحاس والحديد فلا بأس باستعمالهما في منافع النَّاس بما جَرَت به العادة، إلَّا الخاتم منهما؛ فإنَّه مَكْروهٌ أو حَرامٌ؛ على اختلاف أقوال العُلماء في ذلك.
جاء في (الهداية) ما نصُّه: «وفي (الجامع الصغير): ولا يتختَّم إلَّا بالفِضَّة. وهذا نصٌّ على أنَّ التَّختُّم بالحَجَر والحديد والصُّفْر والنُّحاس الأصفَر حَرامٌ، وَرَأَى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رَجُلٍ خاتَم صُفْرٍ فقال:(مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رَائِحَةَ الأَصْنَامِ)، ورأى على آخرَ خاتَم حديدٍ فقال:(مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ).
ومن الناس من أطلق عبارة الحَجَر