الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى مادَّةٍ أخرى بالمعالجة الكيميائيَّة أو بغيرها، فلا مانع من استخدامها في الحَقْن؛ لأنَّها حينئذٍ تكون قد استحالت من طبيعتها الخنزيريَّة إلى طبيعةٍ أخرى جديدة، والاستحالة أحد وسائل طهارة الأَعْيان النَجِسَة؛ وأصل ذلك ما تقرَّر من أنَّ الخَمْر إذا تخلَّلت بنَفْسِها طَهُرَت، وقيس عليها غيرها. راجع:(المجموع 2/ 596، ط. مكتبة الإرشاد)، و (بدائع الصنائع 10/ 452، ط. دار الكتب العلمية)، و (مواهب الجليل 1/ 317، ط. دار الفكر).
أمَّا إذا كانت هذه المادَّة كما هي لم تتغيَّر، فإنَّ جواز استخدامها مُرْتبطٌ بعدم وجود بديل متوافر لها، فإن لم يوجد لها بديلٌ طبِّي، أو وُجِد، ولكنه لم يتوافر لديكم فلا مانع من استخدامها؛ لأنَّ (الضرورات تُبيح المحظورات)، وقد قال تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، وقال:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173]، وينبغي التنبُّه إلى أنَّ (الضرورة تُقَدَّر بقَدْرِها)، فلا يزيد على ما تندفع به الضرورة؛ لأنَّ الضرورة أصلٌ لإباحة المحظور، فإذا زال الأصل زال الفَرْع، وعاد المحظور غير مباح، فلو لم يجد المريض بُدًّا من تناول الدَّواء المشتمل على مادَّة «الهيبارين» المُسْتَخْلَصَة من الخنزير فله ذلك بقَدْر ما يَدْفعُ عنه المرض، لا يزيد عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[مواقع دار الإفتاء المصرية (رقم 2904)]
* * *
زِرَاعَةُ بَنْكِرْيَاسِ خِنْزِيرٍ لِعِلَاجِ مَرْضَى السُّكَّرِ
(1051) السؤال: يفكِّر بعض العُلماء في نَقْل بَنْكِرْياسٍ من خنزير بدل بَنْكِرْياس إنسانٍ؛ من أجل علاج مَرْضَى السُّكَّر؛ فما رأى الدِّين في ذلك
؟
الجواب: على الرغم من قول جمهور الفقهاء بنجاسة الخنزير، وقول بعضهم بطهارته، إنَّهم متَّفقون على أنَّ مَيْتَة الحيوانات نَجِسَة، وهي التي لم تُذْبَح ذَبْحاً شرعيًّا، أو كان أَكْلُها حَراماً حتَّى لو ذُبِحت؛ كالحِمَار مثلاً. والنَّجاسَةُ تشمل كُلَّ جُزءٍ من أجزاء المَيْتَة، غير أنَّ جِلْد المَيْتَة يَطْهُر بالدِّباغ، إلَّا جِلْد الكَلْب والخنزير عند الجمهور.
ورأى داود الظاهري وأبو يوسف من الحنفيَّة تعميم الطهارة بالدَّبْغ لكُلِّ الحيوانات؛ لعموم الأحاديث الواردة في ذلك.
أمَّا غير الجِلْد من المَيْتَة فلا يطهر بالدِّباغ، ولا بأيَّة مادَّة أخرى، ويبقى على نجاسته. كما اتَّفق الفقهاء على أنَّ ما يُؤخَذ من الحيوان حال حياته له حكم مَيْتَتِه، مع استثناء شَعْر وصُوف وَوَبَر مأكول اللَّحم؛ فهي طاهرةٌ؛ قال تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]، وجاء في الحديث الذي رواه الحاكم وصحَّحه:(مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَيْتَتِهِ).
ومن هنا نقول: إنَّ الجزء الذي يُنْزعُ من الخنزير لوَصْله بجسم الإنسان نَجِسٌ باتِّفاق الفقهاء، سواء نُزِع منه وهو حيٌّ -لأنَّ ما قُطِعَ من الحيِّ فهو كميتته، ومَيْتتُه نَجِسَة باتَّفاق-، أو نُزِعَ منه بعد موته، فهو نَجِسٌ أيضاً، وإذا كان رأي داود وأبي يوسف أنَّ جِلْدَه يَطْهُر بالدِّباغ، فأيُّ جزءٍ آخر غير الجِلْد لا يَطْهُر بالدِّباغ.
وإذا كان الأمر كذلك -وهو الاتفاق على نجاسة ما يؤخذ من الخنزير حيًّا أو ميتاً-؛ فهل يجوز نَقْل جزءٍ منه إلى جسم الإنسان للعلاج؟
سبق القول في جَبْرِ عَظْم الإنسان بعَظْم نَجِسٍ؛ وخُلاصَتُه: أنَّ فقهاء المالكيَّة والحنابلة والشافعيَّة قد
صرَّحوا بأنَّ مداواة الإنسان بشيءٍ نَجِسٍ جائزٌ عند الضرورة التي صَوَّروها بعدم وجود شيءٍ طاهرٍ، ولو فُرِضَ أنَّه لا توجد ضرورة وحصلت المداواة بالنَّجِس، وكان قَلْعُه فيه ضررٌ، لا يُنْزعُ وتصحُّ الصلاة به.
وهناك قولٌ بأنَّ الجزء النجس إذا اكْتسى لحماً لا يُنْزع وإن لم يُخَفْ الهلاك.
كما أنَّ الحنفيَّة قالوا: إذا قَضَتِ الضرورة بِوَصْل العَظْم المكسور بعَظْمٍ نَجِسٍ فلا حَرَج ولا إثم، ما دام يتعذَّر نَزْعُه إلَّا بضَررٍ.
بعد عرض هذه الأقوال (المُلَخَّصَة من بحث الشيخ جاد الحق علي جاد الحق) أقول: زَرْعُ بَنْكِرياس خنزير مكان بنكرياس الإنسان؛ لأنَّه علاجٌ فعَّالٌ لمرضٍ منتشرٍ لا يقومُ غيرُه الآن مقامه، لا بأس به. والرأيُ القائلُ بالجواز وعدم النَّزْع إذا اكْتَسَى العَظْمُ لَحْماً يُؤيِّد ما أقول، وبخاصَّة أنَّ البَنْكِرياس سَيُزرع في باطن الجسم لا في ظاهره، وباطن الجسم مملوءٌ بما نَحْكُم عليه بالنجاسة لو خرج إلى الظاهر؛ كالبَوْل والبُرَاز والدَّم، ونُصَلِّي ونحن حاملون لذلك؛ لأنَّنا لا نستغني عنه بالطبيعة، فكيف لا يكون ما يُزْرَع في الدَّاخل من الشيء النَّجِس كهذه الأشياء؟ وإذا تَحدَّث البعض [عن] الحكم وقال: تجوز الصلاة مع الوَصْل بالعَظْم النَّجِس، ورَتَّب الحكم على النجاسة، فإنَّ من ابتلع شيئاً نَجِساً محتاجاً إليه في العلاج كانت صلاته صحيحة، ولا حاجة إلى تطهير شيءٍ، اللَّهُمَّ إلَّا الفَمَ الذي ابتلع منه الدَّواء وما وقع على ظاهر الجسم، بصَرْف النظر عن كون الابتلاع حَراماً أو حلالًا، حسب الحاجة والضرورة وعدمها؛ لأنَّ الابتلاع أَكْلٌ أو شُرْبٌ، يُنْظَر فيه إلى المادَّة إن كانت حَراماً أو حَلالًا. ولو دَخَلَت المادَّة النَجِسَة إلى الجسم بغير طريق الأَكْل والشُّرْب