الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ)، والدُّخان فيه إضاعة للمال واستهلاك لمبالغ طائلة بلا فائدة.
4 -
قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه، فقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الضرر؛ سواء كان ضرراً جِسْمِيًّا، أو ماديًّا، أو فِكْريًّا، والدُّخان ضارٌّ بكلِّ ذلك.
5 -
وفي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه: (فَإِنَّ المَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) أخرجه مسلم، وفي الحديث أيضاً أنَّه قال:(مَنْ آذَى مُسْلِماً فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ) رواه الطبراني في (الأوسط)، والمُدخِّنُ يؤذي الناس برائحته؛ سواء وقت التدخين أو بعد التدخين.
6 -
إذا اعتبر البعض أنَّ الدُّخان معصية لكنَّه صغيرة من الصغائر؛ فالجواب: أنَّ الصغيرة يكون لها حُكم الكبيرة بواحدٍ من الأشياء التالية:
أ - الإصرار عليها.
ب- التهاون بها والاستخفاف، وعدم المبالاة بفعلها.
ج- الفرح والسرور بها.
مِنْ كُلِّ هذا يظهر أنَّ الدُّخان حَرامٌ، ومن ابتُلِيَ به فعليه أن يُقْلِع عنه ويتوب، ويعترف بخطئه؛ لعلَّه أن يُرْزَق التوبة، لا أن يُدافِع عن خطئه ويُفتي بإباحة ما قام الدليل على تحريمه، وقد كان أحد إخواننا مُبْتَلًى به، وإذا سُئِل عنه قال: هو حَرامٌ، فرزقه الله التوبة عنه.
[فتاوى الشيخ نوح علي سلمان - دائرة الإفتاء الأردنية (رقم 2487)]
* * *
(931) السؤال: ما حُكمُ شُرْب الدُّخان والاتِّجار به والمعاونة عليه
؟
الجواب: أمَّا الدُّخان؛ فشُرْبه والاتِّجار به والإعانة على ذلك، فهو حَرامٌ لا يَحِلُّ لمسلم تعاطيه شُرْباً واستعمالاً واتَّجاراً، على من كان
يتعاطاه أن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً، كما يجب عليه التوبة من جميع الذنوب، وذلك أنَّه داخل في عموم النصوص الدالَّة على التحريم، داخلٌ في لفظها العامِّ، وفي معناها، وتلك المضارَّة الدِّينيَّة والبَدَنيَّة والمالِيَّة التي يكفي بعضها في الحكم بتحريمه، فكيف إذا اجتمعت؟
أمَّا المضارة الدِّينيَّة ودلالة النصوص على منعه وتحريمه؛ فمن وجوه كثيرة؛ منها قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وقوله:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقوله:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فهذه الآيات وما أشبهها حَرَّم الله بها كُلَّ خبيثٍ أو ضارٍّ، فكُلُّ ما يُستخبَث أو يضرُّ، فإنَّه لا يَحِلُّ، والخبيثُ والضرر يُعرَف بآثاره وما يترتَّب عليه من المفاسد، فهذا الدُّخان مفاسُده وأضرارُه كثيرة محسوسة، كُلُّ أحدٍ يعرفها، وأهلُه من أعرف الناس بها، ولكن إرادتهم ضعيفة، ونفوسهم تغلبهم مع شعورهم بالضرر، وقد قال العُلماء: يَحْرُم كُلُّ طعامٍ أو شَرابٍ فيه مَضرَّة.
ومن مضارِّه الدِّينيَّة: أن يُثْقِل على العبد العبادات، والقيام بالمأمورات، خصوصاً الصيام، وما كَرَّهَ العبدَ بالخير فإنَّه شَرٌّ، وكذلك يدعو إلى مخالطة الأراذل، ويُزهِّد في مجالسة الأخيار، كما هو مشاهد، وهذا من أعظم النقائص أن يكون العبدُ مَأْلَفاً للأشرار، متباعداً عن الأخيار، ويترتَّب على ذلك العداوة لأهل الخير، والبغض لهم، والقدح فيهم، والزهد في طريقهم، ومتى ابتُليَ به الصغار والشباب، سقطوا بالمَرَّة، ودخلوا في مداخل قبيحة، وكان ذلك عنواناً على سقوط أخلاقهم، فهو باب الشرور الكثيرة، فضلاً عن ضرره الذاتي.
وأمَّا أضراره البَدَنيَّة؛ فكثيرة جدًّا؛ فإنَّه يُوهِنُ القوَّة ويُضْعِفُها، ويُضْعِفُ
البَصَر، وله سريانٌ ونُفوذٌ في البدن والعُروق، فيُوهِنُ القُوَى، ويمنع الانتفاع الكُلِّيَّ بالغذاء، ومتى اجتمع الأمران؛ وهما: إضعاف القُلْب والصَّدْر، والكَبِدِ والأَمْعاء شيئاً فشيئاً، ثمَّ ينشأ عن ذلك الأمر الثاني: وهو سدُّ منافذ الغذاء؛ لانشغالها بما يتراكم عليها من الدُّخان المستمرِّ، متى اجتمع الأمران، نشأ عنهما أمراض عديدة؛ منها: إضعاف عروق القَلْب المؤدِّي إلى الهلاك، والأمراض العَسِرة، ومنها السُّعال والنَّزْلات الشديدة التي ربما أدَّت إلى الاختناق وضعف النَّفْس، فكم له في هذا من قتيل أو مُشرف على الهلاك، وقد قرَّر غير واحد من الأطبَّاء المعتبرين أنَّ لشُرْب الدُّخان الأثر الأكبر في الأمراض الصَّدْريَّة، وهي السُّلُّ وتوابعه، وله أثرٌ محسوسٌ في مرض السرطان، وهذه من أخطر الأمراض وأصعبها. فيا عجباً لعاقل حريص على حفظ صحَّته، وهو مقيمٌ على شُرْبه مع مشاهدة الأضرار أو بعضها، فكم تلف بسببه خَلْقٌ كثيرٌ، وكم يمرض منهم أكثر من ذلك، وكم قويت بسببه الأمراض البسيطة حتَّى عظمت، وعزَّ على الأطبَّاء دواؤها، وكم أسرع بصاحبه إلى الانحطاط السريع في قوَّته وصحَّته، ومِنَ العجب أنَّ كثيراً من الناس يعتنون بإرشادات الأطبَّاء في الأمور التي دون هذا بكثير، فكيف يتهاونون بهذا الأمر الخطير؟! ذلك لغلبة الهَوَى، واستيلاء النَّفْس على إرادة الإنسان، وضعف إرادته عن مقاومتها، وتقديم العادات على ما تُعْلَم مضرَّته، ولا تستغرب حالة كثير من الأطبَّاء الذين يُدخِّنون وهم يعترفون بلسان مقالهم أو لسان حالهم بمضرَّته الطبِّيَّة، فإنَّ العوائد تسيطر على عَقْل صاحبها، وعلى إرادته، ويشعر كثيراً أو أحياناً بالمضرَّة وهو مقيمٌ على ما يضرُّه، وهذه المضارُّ التي أشرنا إليها مع ما فيها من تسويد الفم
والشفتين والأسنان، ومن سرعة بلائها وتحطيمها وتآكلها بالسوس، ومن انهيار الفم والبلعوم ومداخل الطعام والشراب، حتَّى يجعلها كاللَّحم المنهار المحترق تتألَّم ممَّا لا يُتألَّم منه، وكثير من أمراض الالتهابات ناشئة عنه، ومن تتبَّع مضارَّه البدنيَّة وجدها أكثر ممَّا ذكرنا.
وأمَّا مضارُّه المالِيَّة؛ فقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن إضاعة المال، وأيُّ إضاعةٍ أبلغ من صرفه في هذا الدُّخان الذي لا يُسْمِنُ ولا يُغْني من جوع، ولا نفع فيه بوجهٍ من الوجوه؟! حتِّى إنَّ كثيراً من المنهمكين فيه يَغْرَمون فيه الأموال الكثيرة، وربما تركوا ما يجب عليهم من النفقات الواجبة، وهذا انحرافٌ عظيمٌ وضررٌ جَسيمٌ؛ فصَرْف المال في الأمور التي لا نَفْع فيها منهيٌّ عنه، فكيف بصَرْفه في شيء مُحقَّق ضرره؟
ولمَّا كان الدُّخان بهذه المثابة مُضِرًّا بالدِّين والبَدَن والمال، كانت التجارة فيه مُحرَّمة، وتجارته بائدة غير رابحة، وقد شاهد الناس أنَّ كُلَّ مُتَّجر فيه وإن استُدْرِجَ ونَمَا في وقت مؤقَّت، فإنَّه يُبتلَى بالقِلِّة في آخر أمره، وتكون عواقبه وخيمة.
ثمَّ إنَّ النَّجْديِّين -ولله الحمد- جميع علمائهم متَّفقون على تحريمه، والعوامُّ تبعٌ لعُلمائهم ليسوا مستقلِّين، وليس لهم أن يخرجوا عن أقوال عُلمائهم، وهذا واجبهم؛ كما قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، ولا يَحِلُّ للعوامِّ أن يتأوَّلوا ويقولوا: إنَّه يوجد من عُلماء الأمصار من يُحِلُّه ولا يُحرِّمه، وما نظير هذا التأويل الفاسد الجاري على ألسنة بعض العوامِّ تبع الهوى لا تبع الحقِّ والهُدى، إلَّا كما قال بعضهم: يوجد بعض عُلماء الأمصار لا يوجبون الطمأنينة في الصلاة، فلا تنكروا علينا إذاً اتباعهم، أو يوجد من يُبيح رِبا الفَضْل فلنا أن نتَّبعهم،
أو يوجد من لا يُحرِّم أَكْل ذوات المَخالب من الطَّير، فلنا أن نتَّبعهم. ولو فُتِحَ هذا الباب، فُتِحَ على الناس شرٌّ كثير، وصار سبباً لانحلال العوامِّ عن دِينهم، ولكن كُلُّ أحدٍ يعرف أنَّ تتبُّع مثل هذه الأقوال المخالفة لما دلَّت عليه الأدلَّة الشرعيَّة، ولما عليه أهل العِلْم، من الأمور التي لا تَحِلُّ ولا تجوز، والميزان الحقيقيُّ هو ما دلَّت عليه أصول الشرع وقواعده، ولما يترتَّب على الأمور من المضارِّ والمفاسد المتنوِّعة، فكُلُّ أمرٍ فيه ضررٌ على العبد في دِينِه أو بَدَنِه أو مالِهِ من غير نفع، فهو مُحرَّمٌ، فكيف إذا تنوَّعت المفاسد وتجمَّعت؟! أليس من المتعيِّن شرعاً وعَقْلاً وطِبًّا تركها والتحذير منها، ونصيحة من يقبل النصيحة؟ فالواجب على من نصح نفسه وصار لها عنده قَدْر وقيمة، أن يتوب إلى ربِّه من شُرْبِه، ويعزم عزماً جازماً مقروناً بالاستعانة بالله، لا تردُّد فيه ولا ضعف عزيمة، فإنَّ من فعل ذلك أعانه الله على تركه، وهوَّن عليه ذلك، وممَّا يهوِّن الأمر أن يعرف أنَّ من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، وكما أنَّ ثواب الطاعة الشاقة أعظم ممَّا لا مشقَّة فيه، فكذلك ثواب ترك المعصية إذا شقَّ عليه الأمر وصعب؛ أعظم أجراً، وأكثر ثواباً، فمن وفَّقه الله وأعانه على ترك الدُّخان، فإنَّه يجد مشقَّة في أوَّل الأمر، ثمَّ لا يزال يَسْلُو شيئاً فشيئاً حتَّى يُتمَّ الله نعمته عليه، ويَغْتَبِط بفضل الله عليه وحفظه وإعانته، وينصح إخوانه بما نصح به نفسه، والتوفيق بيد الله، ومن عَلِمَ اللهُ من قَلْبِه صِدْق النيَّة في طلب ما عنده بفعل المأمور وترك المحظور، يَسَّره لليُسرى، وجَنَّبه العُسرى، وسَهَّل له طُرُق الخير كُلَّها، فنسأل الله الذي بيده أَزِمَّة الأمور أن يأخذ بنواصينا ونواصي إخواننا إلى الخير، وأن يحفظنا وإيَّاهم من الشرِّ، إنَّه جَوَادٌ كريمٌ رؤوفٌ رحيمٌ، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وسلَّم.