الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن تيمية عنها: إنَّ فيها من المفاسد ممَّا ليس في الخَمْر، فهي أَوْلَى بالتحريم.
أمَّا ابن القيِّم فإنَّه يُسمِّي المُخدِّرات، باللُّقْمَة الملعونة، ويقول عنها: إنَّها لُقْمَة الفِسْق والفجور التي تُحرِّك القَلْب الساكن إلى أخبث الأماكن.
أمَّا من استحلَّ الحشيش أو المُخدِّرات على وجه العموم؛ فإنَّ الإمام ابن تيمية يقول عنه: من استحلَّها وزعم أنَّها حلال فإنَّه يُستتاب، فإن تابَ، وإلَّا قُتِل مُرتدًّا، لا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين.
[فتاوى عبد الحليم محمود (2/ 226 - 227)]
* * *
تَعَاطِي الحَشيش وَالمُخَدِّراتِ
(909) السؤال: هل يَحرُمُ تعاطي الحَشيش والمُخَدِّرات في الدِّين الإسلاميِّ
؟
الجواب: لا جِدالَ عند العُقلاء في أنَّ الحَشيشَ المعروف بين الناس شيءٌ يُحرِّمه الإسلام؛ يَحرُم تعاطيه واستعمالُه بكُلِّ الصُّورِ المختلفة المعروفة عند مُدْمِنيه، وقد جاء تحريمُ الحشيش بالقياس، وبالنصِّ، وبغيرهما من الأدلَّة والبراهين.
أمَّا القياس؛ فلأنَّ الحشيش كالخَمْر في التأثير، وفي عِلَّة التَّحريم، وهناك خطأٌ شائع بين النَّاس في فهم المقصود من معنى الخَمْر؛ فهم يَقْصُرونها على ذلك السائل الذي يُشَرَبُ، مع أنَّ الخَمْرَ -لغةً وشَرْعاً-: هي كُلُّ ما خامَرَ العَقْل؛ أي خالَطَه وغَطَّاه وسَتَرَه، ولا يتقيَّد ذلك بنوعِ المادَّة التي يُتَّخَذُ منها ذلك المُخامِرُ السَّاتِرُ؛ فقد يكون من العِنَب، أو الحِنْطَة، أو العَسَل، أو التَّمْر، أو الحَشِيش، أو أيِّ نوعٍ من الزُّروع أو سواها. وسيِّدنا عمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه يقول:(الخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ). وما دام الشيء يُخامِرُ العَقْل بالمعنى السابق؛ فإنَّه يكونُ
مُسْكِراً، والحديث النَّبويُّ يقول:(أَنَا أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ)، ويقول:(كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ). والحشيش فيه هذا المعنى؛ ولذلك يَحرُم كحُرْمَة الخَمْر.
ولا يمنعُ من هذا أنَّ الحشيش شيءٌ جامدٌ غير سائلٍ؛ لأنَّ الإسلام لا ينظر هنا إلى أنَّ الخَمْر سائلٌ يُشْرَب، أو أيُّ شيءٍ يُؤكَل، أو أيُّ شيءٍ يُدَخَّن، أو شيء يُحْقَنُ، بل كُلُّ ما أثَّر في العَقْل حتَّى أخرجَهُ عن اتِّزانِه واعتدالِه، وسَتَرَه عن تفكيره ووعيه المألوف، يَدخُل تحت مفهوم الخَمْر، فالإسلام لا ينظر إلى ذلك الشيء المُخامِر، بل ينظر إلى أَثَرِه وعاقِبَتِه.
وجاء تحريم الحشيش بالنصِّ أيضاً؛ فقد روى الإمام الجليل أحمد بن حنبل رضي الله عنه في (مُسنَدِه) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم (نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ)، والمُفَتِّر: هو كُلُّ ما يورِثُ الفُتور والخَدَر في الأعضاء والأطراف. والثابت المشاهد أنَّ الحشيش يُوجِدُ هذا الفتور في الجسم بشكل واضح ملموس، فلو فرضنا جدلًا أنَّ الحشيش لا يدخل تحت مفهوم الخَمْر، لدَخَل تحت مفهم المُفَتِّر، ولا يستطيع مكابرٌ حينئذٍ أنْ يُكابِرَ في هذا، أو يدَّعي بعدَه أنَّ الحشيش ليس بحَرامٍ.
ولقد أجمع فقهاء الإسلام على تحريم المُخَدِّرات كُلِّها، وفي طليعتها الحشيش، وذكر الإمام ابن حجرٍ أنَّ «شُرْبَ المُخَدِّرات من كبائر الذُّنوب» . كما قرَّر الفقهاء حُرْمَةَ الاتِّجار في هذه المُخَدِّرات.
وجاء في كتب مذهب الحنفيَّة أنَّه «يحرُمُ أَكْلُ البَنْج والحشيش والأَفْيون؛ لأنَّها مُفسِدَةٌ للعَقْل، وتَصُدُّ عن ذِكْر الله تعالى وعن الصلاة، ويجبُ تعزيرُ آكِلِها بما يَرْدَعُه» . أي: تجبُ معاقبتُه بما يراه وليُّ الأمر، حتَّى يُقلِعَ عن تعاطيها.
والمراد مِنْ أَكْل البَنْج هنا هو تعاطيه في غير العمليَّات الجِراحيَّة اللَّازمة؛
لأنَّه يُباحُ في مثل هذه العمليَّات؛ إذ تدعو إليه الضرورة.
قال ابن تيمية عن المُخَدِّرات: إنَّ فيها من المفاسد ما ليس في الخَمْر؛ فهي أَوْلَى بالتحريم، ومن استحَلَّها وزعم أنَّها حلالٌ؛ فإنَّه يُستتاب، فإن تاب، وإلَّا قُتِلَ مُرتدًّا، لا يُصَلَّى عليه، ولا يُدْفَن في مقابر المسلمين.
وقال الإمام ابن القيِّم: «يدخُلُ في الخَمْر كُلُّ مُسْكِر، مائعاً كان أو جامداً، عصيراً أو مطبوخاً، واللُّقْمَةُ الملعونة -يقصد الحشيش- لُقْمة الفِسْقِ والفُجور التي تُحرِّكُ القلبَ الساكن إلى أخبث الأماكن» .
والمُخَدِّرات لها أضرارٌ صحِّيَّة، وعَقْليَّة، وروحيَّة، وأدبيَّة، واقتصاديَّة، واجتماعيَّة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ)، ولذلك تَحرُمُ المُخَدِّرات، وفي طليعتها الحشيش؛ بقاعدة دَفْع الشَّرِّ وَسَدِّ ذَرائِع الفَسادِ، حتَّى ولو لم يَرِدْ نَصٌّ بتحريمها.
كما أنَّ المُخَدِّرات تقتل حوافز العمل، وتُغْري بالكَسَل، ونحن لم نَنْسَ كيف كان شعب الصِّين فَريسَةً للأَفيون، وكيف تعطَّلت حوافز العمل فيه بسبب هذا المُخَدِّر، وكيف نهض نهضة العِمْلاق حين ترك هذا الأَفْيون اللَّعين.
والمُخَدِّراتُ -وفي طليعتها الحشيش- تُذْهِبُ بنَخْوَة الرِّجال، وبالمعاني الفاضلة في الإنسان، وتجعلُه غيرَ وَفيٍّ إذا عاهد، وغير أمينٍ إذا أؤتُمِنَ، وغير صادقٍ إذا حَدَّثَ، وتُميتُ فيه الشعور بالمسؤوليَّات، والشعور بالكرامة، وتملؤه رُعْباً ودَناءَةً، وخيانةً لنفسه ولمن يُعاشِر؛ فيصبح عضواً موبوءاً فاسداً، يجب علاجه وإبعاده.
[يسألونك في الدين والحياة (2/ 284 - 287)]