الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معه الحواسُّ فلا يخلو: إمَّا أن يحدث معه نشوةٌ وسرورٌ وقوَّةُ نَفْس عند غالب المتناول له أو لا، فإن حدث ذلك فهو المُسْكِر، وإلَّا فهو المُفْسِد؛ فالمُسْكِر هو المُغيِّب للعَقْل مع نَشْوَةٍ وسرورٍ؛ كالخَمْر والمِزْر، .. والمُفْسِد هو المشوِّش للعَقْل مع عدم السرور الغالب، كالبَنْج والسَّيْكَران.
(1)
اهـ.
وعليه: فلا يُحدُّ متناول المُخدِّرات، بل يُعزَّرُ بحسب ما يراه القاضي مُحقِّقاً للمصلحة المجتمعيَّة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[موقع دار الإفتاء المصرية (رقم 3453)]
* * *
قِيَاسُ المُخَدِّرَاتِ عَلَى الخَمْرِ
(904) السؤال: هل المُخدِّرات التي اكتشفت بعد الخَمْر تُعطَى حُكمَها
؟
الجواب: من المعلوم من الدِّين بالضرورة أن الخَمْر المُتَّخَذة من عصير العِنَب مُحرَّمة ومن أكبر الكبائر، ويكفر مُستحِلُّها، ويُحدُّ شاربُها، والنصوص في ذلك كثيرة، منها: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90 - 91]، وقوله صلى الله عليه وسلم:(وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري ومسلم.
والعِلَّة أو الحِكْمة في تحريمها صيانة العَقْل الذي كَرَّم الله به الإنسان وجعله مناط التكليف، وبالتعدِّي على العَقْل أمكن التورُّط في فعل المنكرات والاستجابة للشهوات كما نصَّت عليه الآية السابقة، والحديث الذي رواه الحاكم وصحَّحه:(اجْتَنِبُوا الخَمْرَ؛ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ)، والذي رواه
(1)
السيكران: نبتٌ دائم الخُضْرة يُؤكَلُ حَبُّه. وقيل: هو البَنْج. انظر: القاموس المحيط (ص 524)، المعتمد في الأدوية المفردة للتركماني (ص 182).
ابن حِبَّان في صحيحه: (اجْتَنِبُوا أُمَّ الخَبَائِثِ)، وفيه أنَّها حملت على القتل والزِّنى.
ومن أجل خطورتها حَرَّم الإسلام الاشتراك فيها بأيِّ نوع من الاشتراك، وجاء في ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالمُشْتَرَى لَهُ) رواه ابن ماجه، والترمذي -واللفظ له-، وقال: حديث غريب؛ أي رواه راوٍ واحدٌ فقط. قال الحافظ المنذري: ورواته ثقات.
حتَّى الجلوس مع شاربي الخَمْر منهيٌّ عنه؛ قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140]،، وقد قرأ هذه الآية عمر بن عبد العزيز عندما أمر أن يُحَدَّ جماعة كانوا في مجلس خَمْر، فقالوا له: إنَّ فلاناً لم يشرب لأنَّه صائم، فقال ابدؤوا به. يقول القرطبيُّ في تفسير هذه الآية: فكُلُّ من جلس في مجلس معصيةٍ ولم يُنكِر عليهم، يكون معهم في الوِزْر سواء، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم حتَّى لا يكون من أهل هذه الآية.
ومثل الخَمْر في الحُرْمة كُلُّ ما اشترك معها في مخامرة العَقْل -أي تغطيته- من أيَّة مادَّة كانت؛ روى البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه أنَّه قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنْ العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالعَسَلِ، وَالحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ).
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم حَرَّم كُلَّ مُسكِرٍ دون قَصْرِه على مادَّةٍ معيَّنةٍ؛ روى البخاري أنَّ أبا موسى الأشعري رضي الله عنه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن البِتْع والمِزْر، فقال:
(كلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، والبِتْع نَبيذُ العَسَل، والمِزْر نَبيذُ الشَّعير. وروى مسلم أنَّه صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأشربة التي تُنتبذُ من العَسَل والذُّرَة والشعير، فأجاب:(كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)، ويدخل في ذلك الموادُّ الطبيعيَّة والمُصنَّعة.
وتغيير اسم المشروب المُسْكِر لا يُغيِّر من الحُكم كما لا تُغيِّره المادَّة المُسْكِرة، فالعبرة بالمُسمَّيات لا بالأسماء، وقد ورد في ذلك حديثٌ رواه ابن ماجه وابن حِبَّان في صحيحه:(يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالمَعَازِفِ وَالقَيْنَاتِ -المُغنِّيات-، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ، وَيَجْعَلُ اللهُ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ)، ويستوي في الحكم كُلُّ وسائل التناول للمُسْكِر، من شُرْبٍ، أو أَكْلٍ، أو شَمٍّ، أو تَدْخين، أو حَقْن، أو غير ذلك.
والحشيش، وإن كان لم يعرف في العالم الإسلامي إلَّا حوالي القَرْن السادس أو السابع الهجري عند ظهور التَّتار، إلَّا أنَّه كان معروفاً في التاريخ القديم في الشرق والغرب، ولمَّا عَرَفَه المسلمون، ولمسوا آثاره طبَّقوا عليه عموم الحديث الذي حَرَّم كُلَّ مُسْكِر، وكذلك عموم قول أمِّ سَلَمَة رضي الله عنها:(نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ)، كما رواه أبو داود في سُننه. فهو مُحرَّم إمَّا بالنصَّ وإمَّا بالقياس، وقد نقل الإجماع على حُرْمَتِه غير واحد من الأئمَّة؛ منهم: القَرَافي وابن تيمية، وقد جمع بعض الباحثين القُدامى نحو مائة وعشرين مضرَّة دِينيَّة وبَدَنيَّة في الحشيش، ولهذا أكَّد ابن تيمية حُرْمَته وقال: إنَّ مُسْتحِلَّه يكْفُر، وصرَّح في كتابه (السياسة الشرعيَّة) بأنَّه أخبث من الخَمْر من جهة أنَّه يُفسِد العَقْل والمزاج حتَّى يصير في الرَّجُل تخنُّث، وهو داخلٌ فيما حَرَّمه الله ورسوله من الخَمْر والمُسْكِر لفظاً ومعنًى. وابن القيِّم في كتابه (زاد المعاد) قال: إنَّ الخَمْر
يدخل معها كُلُّ مُسْكِر، مائعاً كان أو جامداً، عصيراً أو مطبوخاً.
وإذا كانت هذه المُسْكِرات أو المُخدِّرات أو المُفتِّرات مُحرَّمة كالخَمْر، فإنَّ عقوبتها المنصوص عليها في الأحاديث تشملها أيضاً، وهي عقوبة أُخرويَّة شديدة، والقليل من المُسْكِر حَرامٌ كما نصَّ عليه الحديث الذي رواه النسائي وأبو داود، وقال الترمذي: إنَّه حسن: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ). وفي رواية للنسائي: (أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ). وإسناده صحيح.
فمن شرب المُسْكِر -وهو مسلمٌ بالغٌ عاقلٌ مختارٌ عالمٌ بأنَّه مُسْكِر، وعالمٌ بتحريمه- وجب عليه الحدُّ، سواء سَكِرَ أم لا، والحدُّ الأدنى في العقوبة أن يُجلَدَ أربعين؛ كما رواه مسلم من فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وروى مسلم أيضاً أنَّ عبدَ الله بن جعفر جَلَدَ الوليدَ بين يدي عثمان، وعليٌّ يَعُدُّ حتَّى بلغ أربعين، فقال: أمسك، ثمَّ قال: (جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، [وَعُمَرُ]
(1)
ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ)، فإذا رأى الإمام أن يبلغ بالحدِّ ثمانين فعل؛ لما رواه مسلم عن عمر جعله ثمانين، وقال عليٌّ لعمرَ:(إِذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى المُفْتَرِي ثَمَانُونَ)، فأخذ به عمر ولم ينكره أحد. واتَّفق الصحابة على ذلك، فالعقوبة مقرَّرة بصَرْف النظر عن الخلاف في كون الحدِّ أربعين وما زاد على ذلك فهو تعزير.
والعقوبة لا تُنفَّذ حال السُّكْر حتَّى يحسَّ بها، ولو نفذت حال السُّكْر، قيل يُعتَدُّ بها، وقيل لا يُعتَدُّ. (كفاية الأخيار - ج 2 ص 116).
وعقوبة الحدِّ مقرَّرة لمن شرب الخَمْر، أمَّا من تعاطى غيرها من المائعات أو الجوامد فعقوبته الحدُّ؛
(1)
في أصل الفتوى (عثمان).