الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّدَاوِي وَاتِّخَاذُ العَقَاقِيرِ مِنَ الحَيْوَانَاتِ المُحَرَّمَةِ
(1048) السؤال: هل استعمال العقاقير المُسْتَخْلَصَةِ من الثِّيران أو الأغنام مسموحٌ بها إذا لم تكن هذه الحيوانات مذبوحةً بالطريقة الحلال؟ وهل مسموحٌ باستعمال الأدْوية المُسْتَخْرَجَة من الخنازير
؟
الجواب: إن كان هذا الدَّواء قد استحال من مادَّة أخرى، فهو مباحٌ دون النظر إلى مصدره، وأمَّا ما بقي على طبيعته؛ فإن كان مأخوذاً من حيوان مأكول اللَّحم، وهو ذَبْح المسلمين أو أهل الكتاب، فهو مباحٌ كذلك. أمَّا إذا تأكَّدنا أنَّه من خنزير، أو من حيوانٍ غير مأكول اللَّحم، أو من حيوان مأكول اللَّحم ولم يُذبحْ ذَبْحاً شرعيًّا، فهذا لا يجوز استعماله إلَّا في حالة الضرورة وبقَدْرِها. والله أعلم.
[الدرر البهية من الفتاوى الكويتية (11/ 304)]
* وانظر: فتوى رقم (139)
* * *
اسْتِخْدَامُ أَنْسِجَةٍ مِنَ الخِنْزِيرِ فِي تَجَارُبَ عِلْمِيَّةٍ عَلَى حَيْوَانَاتٍ أُخْرَى
(1049) السؤال: نرجو التكرُّم بإفادتنا عن وجود أيِّ مانع دِينِيٍّ أو أخلاقيٍّ في استخدام مادَّتَي:
(UBM (Urinary Bladder Matrix أو
(SIS (Small Intestine Submucosa
وهما عبارةٌ عن ألياف من النسيج الضامِّ بعد نَزْع الخلايا منها، من مصدر حيوان الخنزير، على حيوانات التجارب (الأرنب)؛ حتَّى يتسنَّى لنا دراسة تأثير هذه الموادِّ من ناحية تجديد الأنسجة الحَيَّة، عِلماً بأنَّ هذه التجارب تُجرَى كخطوة أُولَى لاستخدام مثل هذه الموادِّ من مصدرٍ حيوانيٍّ آخر
غير الخنزير؛ لعلاج الإنسان بدلًا من مصدر الخنزير المتاح حاليًّا في الأسواق الأمريكيَّة.
الجواب: يقول الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13]، ويقول عَزَّ مِن قائلٍ كريم:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، فهاتان الآيتان وغيرهما من النصوص الشرعيَّة تبينان -ضمن ما تُبيِّنان- أنَّ الله تعالى الذي خلق الإنسان لعبادته وعمارة أرضه، وأكرمه بأن خلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، قد سَخَّر لهذا المخلوق الفريد من أجل هذه المُهمَّة النَّبيلة والوظيفة الخطيرة كُلَّ ما في السماوات وما في الأرض، أي: ذلَّلَها وطَوَّعها وقادها له بإذنه سبحانه وتعالى، سواء في ذلك الحيوان والجماد وغيرهما.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن الخسيس من مخلوقات الله تعالى تكون أَوْلَى في التسخير والتذليل لابن آدم من غيرها من المخلوقات، ومن ذلك: الخنزير الذي هو نَجِسٌ كُلُّه عند جماهير العُلماء؛ فإذا كانت هناك فائدة مَرْجوَّة لعموم البشريَّة من عمل تجارب مَعْمَلِيَّة عليه أو على أنسجته، وهذه الفائدة غير متوفِّرة في غيره، أو متوفِّرة ولكن بدرجة أقلّ من تلك المُحَصَّلة من التجارب على الخنزير، فإنَّ هذا قد يَرْقَى بالجواز إلى الاستحباب أو الوجوب.
والإسلام قد حَضَّ على العِلْم، ومَدَح العُلماء في غير ما آية وحديث؛ منها: قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وقوله سبحانه:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22]، وقوله عَزَّ مِن قائلٍ كريم:{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
[يونس: 101]، وقوله صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم:(مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الأَرْضِ، وَالحِيتَانُ فِي جَوْفِ المَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رواه أبو داود والترمذي عن أبي الدَّرْداء رضي الله تعالى عنه، ولا يُتَصَوَّر الحكم على الشيء إلَّا بعد تَصَوُّرِه، وهذا لا يكون إلِّا بالعِلْم، فمعرفة هذا الحيوان وغيره للاستفادة منه في بعض الأوجه، أو للحَذَر في بعضها الآخر، لا يكون إلَّا بالاحتكاك به ومباشرته. ولو لم تكن هناك غايةٌ من التعامل مع الخنزير في المَعْمَل سوى معرفة بعض حِكَم تحريمه من قِبَلِ الشَّرْع الشريف لَكَفَت غايةً نبيلةً تجعل إخضاعه للمَعْمَل وتجاربه مشروعاً.
وعليه؛ وفي واقعة السؤال: لا مانع شرعاً من إجراء التجارب المذكورة في السؤال للغرض المُنَوَّه عنه، مع البُعْد ما أمكن عن ملامسته مباشرةً حالَ رُطوبتِه أو رُطوبة اللَّامس بغير حائل؛ وذلك لكونه نَجِساً عند جماهير العُلماء -كما سبق ذِكْرُه-؛ والتَّضَمُّخُ
(1)
بالنجاسة بدون حاجةٍ غير جائزٍ، فإذا لَزِمَ الأَمر بملامسته فليُقَلَّد مذهبُ الإمام مالكٍ في طهارته؛ خروجاً من الحَرَج والضِّيق. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[موقع دار الإفتاء المصرية (رقم 3403)]
* * *
(1)
التضَمُّخ: التلطُّخ بالطِّيب وغيره والإكثار منه. النهاية في غريب الحديث (3/ 208).