الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند الحاجة والضرورة؛ وذلك لأنَّ هذه النسبة قليلةٌ فيها، ثمَّ هي مُسْتهلَكة في ذلك الدَّواء؛ كالنَّبيذ الذي صُبَّ عليه ماء كثير أزال تأثيره، ولأنَّ الأدْوية علاج أمراضٍ لا تُؤْكَل ولا تُشْرَب، والوعيد في الخَمْر وَرَدَ على الشُّرْب، ولأنَّها في هذه الحال لا تتَّصفُ بالإسكار، ولو كانت تُخدِّر العضو أو الجسم فهي كالبَنْج ونحوه، ولأنَّها لا يُتَلَذَّذ بها، بخلاف المُسْكِرات فإنَّها تُشْربُ للتَّلذُّذ، وتَهْواها النفوس وتَطْرَب لها، ويحصل بها نَشْوَةٌ وارتياحٌ والْتذاذٌ، وليس كذلك هذه الأدْوية التي تُجْعَل فيها هذه المادَّة حتَّى تحفظ عليها وظيفتها، وتمنعها من التعفُّن والتغيُّر، فإن وُجِدَ ما يقوم مقامها غيرها، فلا أرى استعمالها إلَّا عند الضرورة، والله أعلم.
[الفتاوى الشرعيَّة من المسائل الطبية لابن جبرين (1/ 26) - (الموقع)]
* * *
الاضْطِرَارُ إِلَى الخَمْريَّات فِي الحَاجِيَّاتِ وَالمُعَالِجَاتِ
(1038) السؤال: هل ثَبَتَ عندكم أنَّ المسلمين عُموماً والمِصْرِيِّين خُصوصاً مضطرُّون إلى الخَمْريَّات في الحاجيَّات والمعالِجَات
؟ بَيِّنُوا لنا حقيقة الاضطرار وعموم البَلْوَى والتعامل على ما في كُتُب الأصول مثل (الموافقات) و (إرشاد الفحول).
الجواب: قد ثبت عندنا أنَّ المسلمين الذين يعيشون في البلاد التي نعرفها كمِصْرَ وسُوريَّة والآستانة لا يستغنون عن الأطبَّاء والجرَّاحين الذين يُداوون أمراضهم ويُؤاسون جُروحَهم، وأنَّ جميع الأطبَّاء والجرَّاحين يَصِفون الأدْوية المُسْتَحْضَرَة بالسبيرتو أو الدَّاخل في تركيبها، ويستعملونه في التطهير من السُّموم، وما يُسمُّونه ميكروبات الأمراض؛ لأنَّه قاتل لها. ويقولون: إنَّه
ضروريٌّ في بعض ما ذُكِرَ، وحَاجِيٌّ عمَّت به البَلْوى في بعض؛ فتطهيرُ الأيدي والآلات والأواني من بعض السُّموم والميكروبات الضارَّة قَطْعاً لا ظنًّا قد يكون بالسبيرتو، وقد يكون بمحلول السُّلَيماني
(1)
مثلاً، ولكن محلول السليماني لا يصلح لشيء من المَعْدنيَّات، وإنَّما يصلحُ للزُّجاج والفخَّار. والصيادلة يؤيِّدون الأطبَّاء بجَزْمِهم بأنَّ كثيراً من الأدْوية التي يَصِفونَها لا يمكن تحضيرها إلَّا بالسبيرتو؛ فهو إذاً ضروريٌّ في بعض الأشياء، وحَاجِيٌّ في بعضٍ آخر، وكذلك الصِّناعات فهو في بعضها ضروريٌّ، وفي بعضها حاجِيٌّ، وفي بعضها كَماليٌّ للزِّينة، وإن شئتَ قُلتَ تَحسينيٌّ، كما هو اصطلاح الشَّاطبيِّ في (الموافقات)، والشَّوكانيِّ في (إرشاد الفُحول) وغيرهما. فإنْ كنتم تعنون بالخَمْريَّات ما يدخله السبيرتو الذي سَمَّيتوه خَمْراً، فإنَّ من القَطْعيِّ المعلوم عندنا بالضَّرورة أنَّه ممَّا عمَّت به البَلْوَى في الضَّروريَّات والحاجيَّات والتَّحسينات، التي ترجع إليها أصول الأحكام الشرعيِّة كُلُّها على الوجه الذي شرحه الإمامُ الشاطبيُّ في (الموافقات)، وإنَّ في منع النَّاس منه وتحريمه عليهم حَرَجاً عظيماً وقَطْعاً لمعايش مَن لا يُحْصَى من النَّاس، ولكن هذه الأشياء التي نقول إنَّها قد عَمَّت بها البَلْوَى، ليست من الأشربة المُسْكِرة، ولا من ذَرائِع السُّكْر في شيءٍ، ولا وَجْه لتسميتها بالخَمْريَّات ....
[فتاوى محمَّد رشيد رضا (4/ 1730 - 1731)]
* * *
(1)
محلول السُّلَيماني: مادَّة بيضاء ثقيلة اسمها الكيماوي (كلوريد الزئبقيك) تتركَّب من الزئبق والكلور، وهي سُمٌّ ناقع، يُستعَمل في الطبِّ، وبخاصَّة في الجراحة، وسُمِّي (السُّليماني) نسبة إلى مُصنِّعه. (موقع علوم العرب - شبكة الانترنت).