الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طبِّيَّةٍ؛ لأنَّها أجزاءُ إنسانٍ، وبَيْعُها فيه امتهانٌ لإنسانيَّة الإنسان، ويُنافي التكريم الإلهيَّ له. والبديلُ هو التبرُّع بها للجهات الطبِّيَّة المُعتَمَدَة المُخَوَّلة بالإشراف على هذا الموضوع، مع فَرْض الرَّقابَةِ المُستَمِرَّةِ؛ كي لا يصبح الأمر غِطاءً لتجارةٍ مُحرَّمَةٍ. والله أعلم.
[فتاوى دائرة الإفتاء الأردنية (رقم 2796)]
* * *
التَّدَاوِي بِأَبْوالِ الإِبِلِ
(1081)
السؤال: هل صحيحٌ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لبعض المَرْضى أن يشربوا أبْوَال الإبل، وإذا صحَّ فكيف يتَّفِق ذلك مع قوله:(لمْ يَجْعَلِ اللهُ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا)؟
الجواب: روى البخاري ومسلم أنَّ ناساً من قبيلة عُكْل أو عُريْنَة قَدِموا المدينة فمَرِضوا؛ لعَدَم ملاءَمَة جَوِّها لهم، فوَصَفَ لهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يخرجوا منها إلى المَراعِي، وأنْ يَشْرَبوا من أبوال الإبل وألْبانها، ففعلوا فصَحَّت أجسادُهم.
وروى مُسلمٌ عن طَارِق بن سُوَيْدٍ الحَضْرَمِيِّ أنَّه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بِأَرْضِنَا أَعْنَابًا نَعْتَصِرُهَا فَنَشْرَبُ مِنْهَا، فقَالَ: لَا، فَرَاجَعَهُ وَقَالَ: إِنَّا نَسْتَشْفِي لِلْمَرِيضِ، فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشِفَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ). وروى البخاري أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا). وروى ابن ماجه (أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى أُمَّ سَلَمَةَ تَغْلِي نَبِيذاً لِتُدَاوِي بِهِ ابْنَتَهَا، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا). وروى الترمذي أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (يَا عِبَادَ الله تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً)، وفي رواية لأبي داود:(فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِالمُحَرَّمِ). ورُوِي أيضاً النهي عن الدَّواء الخبيث، والخَمْر أمُّ الخبائث.
إزاء هذه النصوص تحدَّث العُلماء عن التَّداوي بالمُحرَّم، وبخصوص
الخَمْر: اتَّفق العُلماء على أنَّه لا يجوز شُرْبُها إلَّا للضرورة القُصْوى؛ كإنقاذ حياته من الموت لشِدَّة العَطَش، أو من لُقْمَةٍ غُصَّ بها في حَلْقِه، ولا يجد شيئاً حلالًا أو أخفَّ حُرْمةً يَرْوِيه أو يمنع الغُصَّة؛ وذلك قياساً على ما نُصَّ عليه من تحريم المَيْتَة والدَّم ولحم الخنزير وغيرها، ثمَّ قال تعالى في الآية نفسها:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3]، وهي الأصل الذي أخذت منه القاعدة المعروفة:(الضَّرورات تُبِيحُ المَحْظورات).
أمَّا استعمال الخَمْر في غير ذلك؛ فالجمهور على مَنْعِه، حتَّى لو تَعيَّنت الخَمْر ولا يوجد غيرها من الحلال؛ بناءً على ظاهر الأحاديث التي نَصَّت على حُرْمَتِها مُطْلَقاً، ولا يقاس التَّداوي بها على شُرْبها للعَطَش أو الغُصَّة؛ لأنَّ فائدتها فيهما محقَّقة، أمَّا في غيرهما فمظنونةٌ غير مقطوع بها، وأجاز بعضُهم التَّداوي بها عند الضَّرورة؛ قياساً على أَكْل المَيْتَة والدَّم ولحم الخنزير، بشرط أن يخبر بذلك طبيبٌ مسلمٌ عَدْلٌ، وألَّا يُوجَدَ دواءٌ حلالٌ أو شيءٌ أخفُّ حُرْمَةً يقوم مقام الخَمْر.
سُئِلَ ابن تيمية عن التَّداوي بالخَمْر فقال ما نصُّه: «وأمَّا التَّداوي بالخَمْر فإنَّه حَرامٌ عند جماهير الأئمَّة؛ كمالك وأحمد وأبي حنيفة، وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي» . انتهى.
ولو خُلِطَت الخَمْر بالماء أو أُضِيفَ المُخدِّرُ إلى مادَّة أخرى، فالتَّناول والتَّداوي حَرامٌ.
أمَّا العقوبة بالحَدِّ فتكون إذا غَلَبَ المُخَدِّرُ أو تَساوَى مع ما أُضِيفَ إليه، فإن كان أقلَّ فلا يُعاقَبُ بالحَدِّ إلَّا عند السُّكْر (مجلة الأزهر- المجلد الثالث ص 490 - 491).
أمَّا التَّداوي بالنَّجِس غير الخَمْر، وتناول النَّجِس حَرامٌ؛ فقد قال العُلماء: إنَّه لا يجوز إلَّا عند الضرورة، أمَّا عند
الاختيار، وتوافر الدَّواء الحلال، فلا يجوز. والحديث الذي ذَكَرَ أنَّ الخَمْر ليست دواءً ولكنَّها داءٌ، وأنَّ الله لم يجعل شفاء أُمَّتِي فيما حَرَّم عليها، هو خاصٌّ بالخَمْر.
أمَّا المُحرَّمات الأخرى؛ فيجوز أن يكون فيها الشفاء، ويمكن التَّداوي بها عند الضرورة؛ فقد روى ابن المُنْذِر عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:(إنَّ فِي أَبْوَالِ الإِبِلِ شِفَاءً لِلذَّرِبَةِ بُطُونُهُمْ)؛ أي الفاسدة مَعِدَتُهم؛ ولعلَّ ذلك لما ترعاه من الشِّيح
(1)
، والقَيْصوم
(2)
، ونباتات البادية التي تُعالَجُ بها بعضُ الأمراض، ومع ذلك لا يُعالَجُ بها إلَّا عند الضرورة، كما رَخَّصَ الرسول صلى الله عليه وسلم للزُّبَير بن العَوَّام بلُبْس الحرير؛ لوجود حِكَّة في جسده.
وكُلُّ هذا الخلاف في التَّداوي بالبَوْل بناءً على القول بنجاسته، وهو ما ذهب إليه الشافعي وغيره من القول بنجاسة الأبْوال والأرْواث كُلِّها، سواء أكانت من مأكول اللَّحم أم من غيره، مُحتَجِّين بعموم الحديث الصحيح الذي أخبر عن عذاب المَيِّت؛ لأنَّه كان لا يَسْتَبْرئُ من بَوْلِه، ووَضَعَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم على قَبْرِه جَريدَةً؛ لعلَّ الله يُخَفِّف بها من عذابه.
لكن ذهب فريقٌ من العُلماء إلى أنَّ أبوال الإبل وغيرها من مأكول اللحم طاهرةٌ، وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السَّلف، مُحتَجِّين بهذا الحديث، وهو عامٌّ ليس خاصًّا بالقوم الذين مَرِضُوا في المدينة؛ لعدم الدَّليل على الخصوصيَّة. وأَرَى أنَّ التَّداوي بالخَمْر ممنوعٌ؛ فليس فيها شفاءٌ، والحلال متوفِّرٌ، أمَّا المُحرَّمات الأخرى فلا مانع من التَّداوي بها إذا لم يوجد الحلال أو ما هو أخفُّ حُرْمَةً.
(1)
الشِّيح: نبتٌ رائحته طيِّبة وطعمُه مُرٌّ، وهو مرعى للخيل والنَّعم. انظر: القاموس المحيط (ص 227)، تاج العروس (6/ 511).
(2)
القَيْصوم: نبتٌ طيِّب الرائحة. لسان العرب (2/ 486).