الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأمره. فأسرع إلى ابنا فقدم عينا له فأخبره أنهم غارون ولا جموع لهم فسار إليهم فشن عليهم الغارة فقتل من أشرق له سبي من قدر عليه وحرق منازلهم ونخلهم وحرثهم وأجال الخيل في عرصاتهم وكان أسامة على فرس أبيه سبحة بفتح المهملة وسكون الموحدة وقتل قاتل أبيه ثم أسرع السير فورد وادي القرى في تسع ليال ثم قصد في السير حتى أتى المدينة ولم يصب أحد من الصحابة وخرج أبو بكر وأهل المدينة يتلقونه سرورا بسلامتهم. وللحفاظ العراقي:
(آخر من بعثه أسامة
…
لأهل أبنى لم يرم مقامه)
(حتى قضى النبي قبل سفره
…
رد أسامة بجمع عسكره)
(بعثه الصديق حتى أزهقا
…
قاتل أبيه وسبى وحرقا)
(واختلفوا في عدها فالأكثر
…
عند قدر ما عددت منها قصر)
(ولابن نضر عالم جليل
…
بل فوق سبعين وفي الإكليل)
أن البعوث عدها فوق المائة
…
ولم أجد ذا لسواه ابتدأه)
ولم يرم بكسر الراء أي لم يبرح من مقامه بالجرف، وأزهق بالزاء قتل، وقصروا بشد الصاد لم يزيدوا بل نقصوا؛ فقد حكي النووي الاتفاق على أن السرايا ست وخمسون والإكليل للحاكم، قوله ابتدأه أي بل ابتدأه بالهمز قبل الهاء، وحمله بعضهم على أنه أراد بضم المغازي إليها وعليه فلا غرابة ولا استبعاد- انظر المناوي. وفي المواهب فجميع سراياه وبعوثه نحو ستين ومغازيه سبع وعشرون، وفي الفتح أن السرايا تقرب من سبعين، انتهى والله أعلم. وهنا انتهي الكلام على ما شاء الله أن أتكلم عليه من بعوثه عليه الصلاة والسلام وذكرته في شرح قول الناظم:
(وضعفها البعوث دون مين)
وها أنا أشرع إن شاء الله تعالى في شرح ما بعده وهو قوله:
(وقيل في النضير مع واد القرى
…
قاتل
والغابة أيضا ذكرا)
المجرور متعلق بقوله بعده قاتل ومع بسكون العين وهو قليل والغابة
مرفوع على الابتداء على حذف مضاف أي وقتال الغابة ذكر أيضا كما ذكر القتال فيما مر يعني أن بعض أهل السير ذكر أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قاتل في هذه الغزوات الثلاث: غزوة النضير وغزوة وادي القرى وغزوة الغابة أي قاتل أصحابه الذين هم معهم لا أنه باشر بنفسه الكريمة القتال فيها كما مر، ومر أنه لم يباشر قتل أحد بيده إلا أبي بن خلف، لعنه الله، أما غزوة واد القرى فقد مر الكلام عليها في محلها وهي بعد غزوة خيبر ومر فيها عن الواقدي أنه بارز من يهود فيها رجلا فقتله الزبير ثم آخر فقتله الزبير أيضا، ثم آخر فقتله علي، ثم آخر فقتله أبو دجانة حتى قتل منهم أحد عشر مبازرة وأصيب فيها مدعم صاحب الشملة، أما غزوة بني النضير وهم قبيلة كبيرة من اليهود ينتسبون إلى هارون عليه السلام فذكرها ابن إسحاق بعد أحد وبير معونة وعليه فهي في ربيع الأول سنة أربع، وعن عروة أنها كانت على رأس ستة أشهر من بدر قبل وقعة أحد ومال إليه السهيلي وسببها كما قال ابن إسحاق عن عامر بن الطفيل لما قتل أهل بير معونة اعتق عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه رقبة كانت على أمه فرجع عمرو المدينة فقتل في رجوعه رجلين من بني عامر كان لهما عهد من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يشعر به، وظن أنه ظفر بثأر بعض أصحابه فأخبره عليه السلام بذلك فقال لأدينهما أي لأعطين ديتهما لما بيننا وبينهما من العهد، وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد فخرج عليه السلام إلى بني النضير يستعينهم في دية العامريين فقالوا له نعم يا أبا القاسم اجلس نعينك حتى تطعم وترجع بحاجتك، فجلس عليه السلام إلى ظل جدار من جدرهم فخلى بعضهم ببعض والشيطان لا يفارقهم فائتمروا بقتله وقالوا إنكم لم تجدوه على مثل هذه الحالة وكان معه نحو العشرة من أصحابه أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة وابن عوف والزبير وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة، وقالوا من رجل يعلو على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فيقتله ويريحنا منه، فقال عمرو ابن جحاش بفتح الجيم وشد
الحاء المهملة آخره شين معجمة أنا لذلك فصعد ليلقي عليه الصخرة، فقال سلام بالتشديد عند ابن الصلاح وغيره ورجح الحافظ التخفيف ابن مشكم كمنبر لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه، فجاءه عليه السلام جبريل فأخبره بما أرادوا فقام صلى الله تعالى عليه وسلم مظهرا أنه يقضي حاجته وترك أصحابه ورجع إلى المدينة واستبطأه أصحابه فقاموا في طلبه حتى انتهوا إليه فأخبرهم بما أرادت اليهود من الغدر به. قال غير واحد نزل فيهم:{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم} فأمر صلى الله تعالى عليه وسلم بالتهيء لحربهم والسير إليهم واستعمل ابن أم مكتوم إماما بالصلاة بأهل المدينة ولم يستعمل على أمرها أحدا لقربها فإن بينهما ميلين كما قال الزرقاني فحاصرهم ست ليال وقيل عشر يوما وجمع بينهما بأن حصار الستة كان وهم مصرون على الحرب وما زاد أخذوا فيه في أسباب الخروج، ولما تمنعوا في الحصار في حصونهم قطع النخل وحرقها فنادوا يا محمد قد تنهى عن الفساد فوقع في نفوس المسلمين شيء من الكلام حتى نزل:{ما قطعتم من لينة} إلى قوله {وليخزي الفاسقين} ، واللينة أنواع التمر كلها ما عدى العجوة والبرني وقيل النخل اللينة كرام النخل، وقيل أرداه وقيل النخلة لا ثمر لها قيل وجملة ما قطع وحرق ست نخلات وبعث رأس المنافقين عبد الله بن أبي وهو من عوف من الخزرج إلى بني النضير حين هموا بالخروج أن أثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فقتل سيدهم كعب بن الأشرف، فلم ينصروهم، وفيهم نزل:{ألم تر إلى الذين نافقوا} إلى قوله {كمثل الذين من قبلهم} ، فسألوه عليه السلام أن يجليهم عن أرضهم ويكف عن دمائهم ولابن سعد أنهم لما هموا بغدره بعث إليهم محمد بن مسلمة أن أخرجوا من بلدي فلا تساكنوني فيها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا فمن رأى منكم بعد ذلك ضربت بالبناء
المفعول عنقه، فمكثوا أياما يتجهزون فأرسل إليهم ابن أبي أن أقيموا في حصونكم فإن معي ألفين من قومي من العرب يدخلون حصونكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع حيي فأرسل مع أخيه جدي بضم الجيم وفتح الدال وشد التحتية إنا لن نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك، فسار عليه الصلاة والسلام في أصحابه إليهم وركب على حمار وعلي يحمل رايته فلما رأوهم قاموا على حصونهم ومعهم النبل والحجارة ولم تعنهم قريظة ولا ابن أبي ولا غطفان وقال ابن مشكم وكنانة لحيي أين الذي زعمت؟ قال ما أصنع هي ملحمة كتبت علينا فحاصرهم صلى الله تعالى عليه وسلم وقال لهم أخرجوا منها ولكم دماؤكم، وما حملت الإبل إلا الحلقة بإسكان اللام أي الدرع، وقيل السلاح كله، فكانوا يخربون بيوتهم لينقذوا ما استحسنوا منها ثم أجلاهم وحملوا النساء والصبيان واحتملوا أمتعتهم على ستمائة بعير فلحق أكثرهم بخيبر وذهب بعضهم إلى الشام وحزن عليهم المنافقون حزنا شديدا وقبض عليه السلام الأموال فوجد من السلاح خمسين درعا وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفا، قال السهيلي ولم يختلفوا أن أموالهم كانت خاصة به عليه الصلاة والسلام وأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب وأنه لم يقع قتال، وفي المواهب أنها كانت حبسا أي وقفا لنوائبه عليه السلام، ولم يسهم منها لأحد، لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب وإنما قذف في قلوبهم الرعب وأجلوا عن منازلهم ولم يكن ذلك عن قتال من المسلمين لهم فقسمها عليه السلام بين المهاجرين ليرفع بذلك مؤنتهم عن الأنصار إذ كانوا قد قاسموهم في الأموال والديار غير أنه أعطي أبا دجانة وسهل بن حنيف لحاجتهما وأعطى سعد بن معاذ سيف الإسلام بن أبي الحقيقي بالتصغير وكان سيفا له ذكر عندهم- انتهى. وقوله لنوائبه جمع نائبه فكان ينفق منها على أهله ويزرع تحت النخيل ويدخر قوت أهله سنة من الشعير والتمر لأزواجه وبني عبد المطلب وما فضل جعله في السلاح، والكراع بضم الكاف وخفة الراء
جماعة الخيل، وقوله لم يوجفوا أي لم يتحركوا ويتعبوا، قال:
(مذاويد بالبيض الحديث صقالها
…
عن الركب أحيانا إذا القوم أوجفوا)
وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال للأنصار ليست لإخوانكم من المهاجرين أموال فإن شئتم قسمت هذه وأموالكم بينهم جميعا، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه خاصة، فقالوا بل أقسم هذه فيهم، وأقسم لهم من أموالنا ما شئت؛ فنزلت {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ، وقال أبو بكر الصديق جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار، فو الله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي وهو بالمعجمة والنون:
(جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت
…
بنا نعلنا في الواطيء فزلت}
(أبوا أن يملونا ولو أن أمنا
…
تلاقي الذي لاقوه منا لملت)
انتهى من الزرقاني. وما ذكره الناظم من حصول القتال في هذه الغزوة أشار به الله أعلم إلى ما نقله العلامة الزرقاني عن السبل من أنه عليه السلام لما سار إليهم حمل قبة من خشب عليها مسوح وأمر بلالا فضربها في موضع المسجد الصغير الذي بفناء بني خطمة ودخلها صلى الله تعالى عليه وسلم وكان عزوك اليهودي أعسر راميا فيرمي فيبلغ القبة فحولت إلى مسجد الفضيخ بفاء مفتوحة فضاد فخاء معجمتين بينهما تحتية ساكنة فتباعدت من النبل ففقد علي في ليلة قرب العشاء فقال الناس يا رسول الله ما نرى عليا، فقال دعوه فإنه في بعض شأنكم، فعن قليل جاء برأس عزوك، فقد كمن له حين خرج يطلب غرة من المسلمين وكان شجاعا راميا فشد عليه فقتله وفر من كان معه، وبعث عليه السلام خلفهم أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة فأدركوا اليهود الذين فروا من علي فقتلوهم وطرحوا رؤسهم في بعض الآبار-انتهى وفي المناوي بعضه. وقد مر عن السهيلي ما يفيد الاتفاق على أنه لم يقع فيها قتال، وروى عبد بن حميد أن هذه الغزوة كانت صبيحة قتل كعب بن الأشرف وروى ابن إسحاق أن بني النضير خرجوا ومعهم الدفوف والمزامير