الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وكان منديل له ليمسحا
…
به على الوجه المنير الأصبحا)
المنديل بالكسر والفتح وكمنبر ما يتمسح به والمنير المضيء المشرق والأصبح الحسن، وهو نعت مقطوع عن التبعية مفعول فعل محذوف تقديره أعني، ومعنى البيت أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم من جملة ما كان عنده من اللباس منديل يمسح به وجهه الشريف. وفي العيون وكان له منديل يمسح به وجهه انتهى.
(صلى عليه ربنا) أي أولاه رحمة يقارنها تعظيم، والرب المالك (وسلما) أي أمنه من كل ما يخاف، (وآله وصحبه وكرما) أي أعطاه وإياهم كل كمال يناسبهم.
(بيان بعض معجزات المصطفى
…
صلى الله ربنا وشرفا)
أي هذا الباب يذكر فيه بعض ما أظهره الله تعالى على يديه من المعجزات ووقع تصديقاً له من خوارق العادات:
وهو أمر كثير لا تحيط به الأفهام، ولا تضبطه المحابر والأقلام، صلى الله تعالى عليه وسلم، عدد ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون. والمعجزة في الأصل اسم فاعل من الإعجاز وهي لفظ أطلق على الآية الدالة عن صدق النبي. قال اليوسي والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية أو للمبالغة كعلامة وتسميتها معجزة مجاز، لأن المعجز في الحقيقة هو الله، وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها. وهي أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على يد مدعي الرسالة مقارناً لدعوى الرسالة متحد به قبل وقوعه غير مكذب، سالم من المعارضة وعبر بأمر دون فعل، لشمول ما كان عدمياً كعدم الإحراق بالنار وخرج بالخارق للعادة ما كان موافقاً لها. وبقوله على يد مدعي الرسالة، الكرامة، لأنها على يد مدعي الولاية واحترز به أيضاً عن أن يتخذ الكاذب معجزة نبي قبله معجزة له لأنه لم تظهر على يده، والتحدي هنا عبارة عن قول الرسول: أية صدقي أن يكون كذا .. وهو في الأصل طلب المعارضة في
الحداء بالضم أي الغناء للإبل، يكون حاد عن يمين القطار وحاد عن يساره، يستحدي كل منهما صاحبه، أي يطلب حداءه. ثم توسع فيه واستعمل في كل مباراة، يقال تحديث فلاناً، إذا نازعته الغلبة، وخرج بقيد التحدي الآيات الإرهاصية بكسر الهمزة نسبة للمصدر. يقال أرهصت الحائط ورهصته إذا جعلت له رهصاً أي أساساً كما في حاشية اليوسي وذلك كشق الصدر وإظلال الغمامة ونحوهما مما وقع له صلى الله تعالى عليه وسلم قبل النبوءة إرهاصاً أي تأسيساً لنبوءته.
وفي المنح المكية أن قيد التحدي لا يخرج المتأخر عن التحدي لأنه يلزم عليه إخراج أكثر آياته صلى الله تعالى عليه وسلم كنبع الماء ونطق الحصا والجذع، مع أن اصطلاح السلف على إطلاق المعجزة على كل خارق، وليس بسحر انتهى.
واحترز بقولي غير مكذب بأن يقول آية صدقي أن ينطق هذا الجماد بتكذيبه ويقيد عدم المعارضة من السحر فإنه يمكن الإتيان بمثله وهذا مبني على دخول السحر في الخارق، وقال السنوسي ومن المعتاد السحر وإن كان سببه العادي نادراً خلافاً لمن جعل السحر خارقاً، وقال ابن أبي شريف الحق أن السحر ليس من الخارق، وإن أطبق القوم على عده منه، لأنه يترتب على أسباب كلما باشرها أحد خلقه الله تعالى عقبها كترتيب شفاء المريض على تناول الأدوية الطبية فإن هذا غير خارق.
(منها) من معجزاته صلى الله تعالى عليه وسلم (القرآن) بنقل حركة الهمزة إلى الراء قبله، وحذف الهمزة مبتدأ وخبره المجرور قبله، (المعجز) لجميع البلغاء أو الفصحاء أي المظهر لعجزهم عن أي يأتوا بمثل أقصر سورة منه كالكوثر أو قدرها، (الذي بهر) أي أغلب، وفي القاموس بهر كمنع غلب ضوءه ضوء الكواكب وفاعل بهر قوله (إعجازه) والمفعول قوله (كل العقول) جمع عقل وهو نور روحاني تدرك به العلوم الضرورية والنظرية، (وقهر) موافق في المعنى لبهر، ومعنى البيت أن من معجزاته صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن الذي بهر إعجازه كل أهل العقول وقهرهم فلم يقدروا على حصر وجوه إعجازه مع عدهم
لكثير منها كحسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته، ووجوه إيجازه، وبلاغته الخارقة لعادة العرب، ونصاعة ألفاظه، وتوافق مقاطع آياته وتناسب كلماته، وما احتوى عليه من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الداثرة والمواعظ والحكم والأحكام وضرب الأمثال وإفحام الخصوم وروعة القلوب التي تلحق عند سماعه والهيبة التي تعتري عند تلاوته وكون قارئه لا يمله وسامعه لا يمجه، بل الانكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وغيره من الكلام ولو بلغ في الحسن ما بلغ يمل مع الترديد ويعادي إذا أعيد وحسبك بقاؤه على مر الدهور محفوظاً من كيد الكافرين وتحريف الملحدين وهو الأنيس في الخلوات والوسيلة الكبرى في الأزمات أمتنا الله تعالى على الإيمان به ووفقنا لاجتناب ما نهى عنه وامتثال ما أمر به.
والقرآن هو اللفظ المنزل على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم للإعجاز بسورة منه المتعبد بتلاوته، قاله في جمع الجوامع، فخرج باللفظ المنزل الأحاديث غير الربانية فلم ينزل لفظها بل معناها والتورية والإنجيل مثلاً، ويقيد الإعجاز الأحاديث الربانية، كأنا عند ظن عبدي بي الخ .. والمتعبد بتلاوته أبداً ما نسخت تلاوته أي نحو الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتت. قال عمر فإنا قد قرأناه انظر المحلي.
فائدة:
قال بعض القراء القرآن العظيم له أنصاف باعتبارات فنصفه بالحروف النون من نكرا في الكهف، والكاق من النصف الثاني ونصفه بالكلمات الدال من قوله والجلود في الحج، ولهم مقامع من النصف الثاني ونصفه بالآيات: يأفكون من سورة الشعراء، وقوله فألقي السحرة من النصف الثاني، ونصفه بالسور آخر الحديد والمجادلة من النصف الثاني انظر الإتقان.
(فلم يجئ بمثله ولن يجي
…
إنس ولا جن
…
)
هذا بيان لكونه معجزاً والفعلان يتنازعان فيما بعدهما وكأنه يقول إنما حكمنا بإعجاز القرآن لأنه لم يجئ فيما مضى إنس ولا جن بما يماثل ما تحدى به وهو أقصر سورة منه ولا يجيئون به فيما يأتي ولون كان بعضهم لبعض ظهيرا أي معينا
…
((
…
) وكم من مزعج
…
لهم مقرع على
…
الإتيان به .. )
المزعج المحرك، والمقلق قال في القاموس زعجه كمنعه أقلقه، وقلعه من مكانه كأزعجه والتقريع التعنيف، واغلاظ القول والضمير المجرور بمثل القرآن مع أنهم وجدوا ما يحملهم على الإتيان به من حضهم على ذلك وتعنيفهم، قال تعالى {فاتوا بسورة من مثله فاتوا بسورة من مثله} ، {فاتوا بعشر سور مثله} ، {قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} ، قال القاضي في الشفا فلم يزل يقرعهم، صلى الله تعالى عليه وسلم، أشد التقريع وتوبخهم غاية التوبيخ ويسفه أحلامهم ويحط أعلامهم، ويشتت نظامهم ويذم آلهتهم وآباءهم ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته محجمون عن مماثلته، مخادعون أنفسهم بالتشغيب. وقولهم إن هذا إلا سحر يؤثر، وسحر مستمر وإفك افتراه وأساطير الأولي، والرضى بالدنية، كقولهم قلوبنا غلف وفي أكنة مما تدعونا إليه، وفي آذاننا وقر، (وهم)، أي العرب الذين بعث فيهم النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، (فرسان هذا الشأن) يعني به فصاحة الكلام وبلاغته فقد أوتوا من فصاحة اللسان ما لم يؤت إنسان وخصوا من البلاغة والحكم بما لم يخص به غيره من الأمم.
(قد متطوا منه جواد السبق)
يعني أن العرب قد امتطوا من هذا اللسان كل فرس جواد يسبق الخيل
عند الرهان اتخذوه مطية فهم يتصرفون فيه كيف شاءوا ويتوصلون به إلى ما أرادوا (وأحرزوا) أي حازوا وأخذوا عنانه أي الجواد (في النطق) أي الكلام، جعل الكلام جواداً يمتطى وأضاف إليه العنان لأنه يضاف للخيل، وأخبر أنهم ملكوا مقود ذلك الجواد في حال تكلفهم بزمام البلاغة والفصاحة بأيديهم لكنهم لما سمعوا القرآن لم يخف على أهل الميز منهم أنه ليس من نمط فصاحتهم ولا جنس بلاغتهم، فانقادوا إليه مذعنين من بين مهتد ومفتون وعجزوا عن معارضته وصرحوا بجحده كما قال (بل خسروا) بكسر الراء أي انعقدت ألسنتهم عن مباراته (بل خسروا) بكسر الراء أي انعقدت ألسنتهم عن مباراته (وهم ألد اللد) الألد الخصم الذي لا يريع إلى الحق جمعه لد بضم اللام والجملة حالية واللد مضاف إليه ما قبله أي والحال أنهم أشد لدداً ممن يوصف باللد، (إلا عن الدعوى) أي إلا عن مجرد دعوى المعارضة مع العجز بقلوبهم لو نشاء لقلنا مثل هذا، وقد قال لهم الله:{ولن تفعلوا} فما فعلوا وما قدروا، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة الكذاب، كذف عواره لجميعهم وسلب ما ألفوه من فصيح كلامهم (ومحض الجحد) أي الإنكار المحض، أي الخالص فهو من إضافة الصفة للموصوف، فقالوا والعياذ بالله تعالى إن هذا إلا إفك افتراه. وقالوا أساطير الأولين وغير ذلك. وفي الشفا في وصف العرب: وأتوا من ذرابه اللسان ما لم يوت إنسان، ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب، يؤتون منه على البديهة بالعجب، ويدلون به إلى كل سبب، فيخطبون في المقامات وشديد الخطب، ويرتجلون فيه بين الطعن والضرب، ويمدحون ويقدحون، ويتوسلون ويتوصلون، ويرفعون ويضعون، فيأتون من ذلك بالسحر الحلال، ويطوقون من أوصافهم أجمل من سمط اللئال ويجرئون الجبان، ويبسطون يد الجعد البنان، ويصيرون الناقص كاملاً، ويتركون النبيه خاملاً، منهم البدوي ذو اللفظ الجزل، والقول الفصل، ومنهم الحضري ذو البلاغة البارعة، والألفاظ الناصعة والكلمات الجامعة، وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجة البالغة، والقوة الدامغة، والقدح الفالج، والمهيع الناهج، لا يشكون أن الكلام طوع مرادهم. والبلاغة ملك قيادهم. قد حووا
فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كل باب من أبوابها، وعلوا صرحاً لبلوغ أسبابها، وتقاولوا في القل والكثير، وتساجلوا في النظم والنثير، فما راعهم إلا رسول كريم بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. أحكمت آياته، وفصلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتظافر إيجازه وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وهم أفسح ما كانوا في هذا الباب مجالاً، وأشهد في الخطابة رجالاً، وأكثر في السجع والشعر سجالاً، وأوسع في الغريب واللغة مقالاً، بلغتهم التي بها يتحاورون، ومنازعهم التي عنها يتناضلون، صارخاً بهم في كل حين، ومقرعاً لهم بضعاً وعشرين عاماً على رؤوس الملأ أجمعين، أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدها فاتوا بسورة من مثله إلى قوله ولن تفعلوا انتهى. المراد منه قوله وتظافر إيجازه وإعجازه، بالظاء المشالة كما في النسخ المصححة أي تعاون وتصحف على الدلجي فقال إنه بالضاد ومقرعاً بفتح القاف وكسر الراء المشددة أي موبخاً قاله ابن سلطان. (فعند ذاك أمر القرآن أن تضرب الأعناق والبنان) الإشارة راجعة إلى اتضاح صدق رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، بالآيات الدالة على تصديقه وتضرب بالبناء للمجهول ونائبه الأعناق جمع عنق وهو الجيد والبنان قيل هي المفاصل وقيل الأصابع ومعنى كلامه أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، أقام بمكة بعد بعثته ثلاث عشرة لم يشتغل إلا بتقدير أدلة ما أوتي به من توحيد الله وإرساله هو إليهم وترديد ذلك في المحافل عليهم وإقامة البراهين لديهم فأتاهم بما لا يعده البشر من المعجزات التي لم تبق معها شبهة لمنصف ولا معاند فلما اتضحت لهم رسالته وصدقه، صلى الله تعالى عليه وسلم، وكذبوه عناداً أمره الله تعالى بالهجرة والسيف فقام بما أمره الله تعالى به وجاهدهم أشد الجهاد فقتل الرجال وسبي النساء والأولاد ودوخ البلاد وشهر الإسلام وكسر الأصنام، جزاه الله عنا أفضل ما جازى به
نبياً عن قومه. قال تعالى {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} ، قال الوالد حفظه الله تعالى في الريان الأعناق جمع عنق وهي الرقبة والخطاب قيل للملائكة فيكون متصلاً بما قبله وقيل للمؤمنين فيكون منقطعاً عما قبله، قال ابن الأنباري ما كانت الملائكة تعرف تقاتل بني آدم فعلمهم الله ذلك وفوق قيل صلة أي اضربوا الأعناق وقيل على حقيقتها وأراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق، وقيل أراد المفصل بين الرأس والعنق لأنه مذبح وكل بنان يعني كل مفصل وقيل هي أطراف أصابع اليدين، قال البغوي قال عطية يعني كل مفصل وقال ابن عباس وابن جريج والضحاك يعني الأطراف جمع بنانة، قال ابن جزي البنان قيل المفاصل وقيل الأصابع وهو أشهر في اللغة، وفائدة ذلك أن المقاتل إذا ضربت أصابعه تعطل عن القتال فأمكن أسره. وقيل أنه تعالى أمرهم بضرب أعلى الجسد وأشرفه وهو الرأس وبضرب البنان وهو أضعف الأعضاء فيدخل في ذلك كل عضو في الجسد. (لله ما حواه) القرآن العظيم أي جمعه (من عجائب) تبيين لما أي من الأمور التي يتعجب منها، (جلت) أي عظمت (عن الحصر) بالعد، (ومن غرائب) قريب مما قبله كإخباره عن الأمم السالفة كأمة نوح وعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم فإن معرفة ذلك لا تكاد تحصل للأفراد، من علماء أهل الكتب فضلاً عمن كان أمياً لم يتعاط كتاباً قط ولم يعان دراسة من قوم ليس لهم كتاب ولم يبعث فيهم نبي بعد إبراهيم وإسماعيل وكإخباره عن المغيبات الآتية فبعضها شوهد فيما مضى كقوله تعالى {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين} (الآية){وعدكم الله مغانم كثيرة} (الآية) وقوله تعالى {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} أي الروم من بعد غلبة الفرس لهم سيغلبون الفرس وسبب نزولها أن الفرس لما غلبوا الروم فورد مكة خبرهم فرح المشركون وقالوا للمسلمين نحن وفارس أميون لا كتاب لنا وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن عليكم، ونزلت الآية إلى قوله {في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} إلى قوله:{غافلون} . فقال أبو
بكر لا يقرن الله عيونكم فوالله لتظهرن الروم على فارس في بضع سنين وقال أبي بن خلف كذبت اجعل بيننا وبينك أجلاً فراهنه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعل الأجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، بذلك فقال البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده أي في الإبل وماده في الأجل يجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبي بعد قفوله من أحد بجرح من النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، بسرف كافراً وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية فأخذ أبو بكر القلائص من ورثة أبي فأمره عليه السلام أن يتصدق بها وبه أخذ أئمتنا الحنفية جواز العقود الفاسدة في دار الحرب وأجاب الشافعية بانه كان قبل تحريم القمار والله تعالى أعلم. انتهى من شرح على القاري للشفا.
ومما أخبر به ولم يأت بعد ولكنه يأتي بلا شك الساعة وأشراطها. وفي الإضاءة:
(وما احتوى عليه من أبناء
…
غيب بتصريح أو الإماء)
أي الإشارة، ففيه من هذا أمور تكثر، والبعض بالفيض عليها يعثر، ومنه ما ابن برجان أظهر، في أخذ بيت المقدس المطهر، من قوله بضع سنين قبل أن يكون ثم كان طبقاً في الزمن، أي والبعض يطلع عليها أي على أخذ المغيبات التي اشتمل عليها بطريق الإشارة بسبب الفيض الإلهي عليه وهي طريقة أرباب القلوب نفعنا الله تعالى ببركتهم ويعثر هذه مقتضى القاموس أنه من باب كتب وما أشار إليه من عجائب ما اتفق وهو أن ابن برجان في تفسير سورة الروم ذكر أن بيت المقدس يبقى بيد اليوم لما تغلبوا عليه سنة اثنين وتسعين وأربعمائة بعد حصارهم شهراً أو نصفاً وقتلوا أكثر من سبعين ألفاً منهم جمع من العلماء والزهاد وهدموا المساجد وجمعوا من هناك من اليهود وحرقوهم فأخذ ابن برجان رضي الله تعالى عنه من قوله تعالى في بضع سنين أنه يبقى بأيديهم إلى سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة ثم يغلبون
ويخرجون منها وتصير دار إسلام إلى آخر الأبد، فبقيت في أيديهم إلى أن أخذها السلطان صلاح الدين منهم، سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وكانت مدة بقائه بأيد الروم إحدى وتسعين سنة، ووجه أخذه لذلك أن الباء اثنان والضاد تسعون والعين سبعون والسين ثلاثمائة والنون خمسون والياء عشر والنون خمسون والياء عشر والنون خمسون ومجموع ذلك اثنان وسبعون وخمسمائة فأخذ هو هذا العدد وأضاف إليه معنى البضع وجعله عشرة احتياطاً أو زاد المجرورة بفي فصار مجموعه اثنين وثمانون وخمسمائة وهي غاية غلبهم عليه فأخذ ولله الحمد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ومات هو رضي الله تعالى عنه قبل أخذه من الروم بدهر، وهو قد مات في أيام المقتفي وكانت وفاة المقتفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة فشوهد ما أخبر به ابن برجان بعد موته بدهر، على وفق ما أخبر به انتهى، نقله ابن الأعمش عن السيوطي وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: جميع العلم في القرآن لكن، تقاصر عنه إفهام الرجال، وسئل بعض الحكماء، من بعض العلماء ما في كتاب الله تعالى من علم الطب؟ فقال كله في نصف آية هي قوله تعالى كلوا واشربوا ولا تسرفوا فقال صدقت نقله ابن سلطان على القاري (لو لم يجئ) رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، (بآية) أي معجزة تدل على صدقه، صلى الله تعالى عليه وسلم، (سواه) أي غيره والضمير عائد على القرآن وجواب لو كفاه إلا أنني اعترضت بينهما جملة "صلى عليه ربنا" أي مالكنا نحن جميع الحوادث، (كفاه) عما عداه من المعجزات وقد ذكروا أن في القرآن نحواً من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف وقيل غير ذلك وعدد إنا أعطيناك عشر كلمات وقد تحدى بأقصر سورة وإذا قسم القرآن على نسبة إنا اعطيناك كان أزيد من سبعة آلاف جزء كل واحد منها معجز بنفسه بوجهين: بلاغته اي ما فيه من مراعاة الوجوه التي يطابق بها اللفظ، مقتضى الحال فهي من جهة المعنى والثاني نظمه أي كونه أعلى نسق لا يشبهه غيره من الكلام نظماً وسجعاً ونثراً وتناسب كلماته وإيتاء كل كلمة منه لا يستحقه وتنزيلها في محل لا يليق به غيرها ابن عطية
الذي عليه الجمهور في وجه إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وذلك أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علماً وأحاط بالكلام كله، فإذا كرتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظه تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك، والبشر يعتريهم الجهل والنسيان، انتهى المراد من الزرقاني. وبيان القسمة المتقدمة أن سبعين ألفاً إذا قسمت على عشرة خرج لكل واحد منها سبعة آلاف فإذا قسمت السبعة آلاف خرج لكل واحد منها لسبعمائة فيصير الحاصل أن كل جزء سبعة آلاف وسبعمائة والنيف يختلف الخارج بحسب الخلاف في عدده انتهى ومنه أيضاً: وفي المواهب بعد كلام وإنما المعجز ربط المعاني بصور الكلم القائم من نظم الحروف (لكنه) صلى الله تعالى عليه وسلم أتى من عند الله تعالى تصديقاً (بما أعيا البشر) البشر محركة الإنسان وهو مفعول أعيى أي أتعبهم إحصاءه وفاتهم عدة (من معجزات بينات) المجرور مبين لما يعني أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، جاء من المعجزات أي الخوارق الدالة على صدقه الظاهرة لكل أحد بما بلغ من الكثرة مبلغاً لا تقدر الإنس أن تحصيه بالعد قال اليوسي في حواشي الكبرى لا يخفى أن لنبينا، صلى الله تعالى عليه وسلم، معجزات لا تنحصر ولا يدرك قعر بحرها وقد اشتمل القرآن على أن نيف وأربعة عشر ألفاً ذكر بعضهم أنه وقف في بعض الكتب المدونة في هذا العلم الشريف من الآيات على ما انتهى إلى مئتي ألف بل تنيف، ومصنفه مع ذلك مصرح بالاعتذار انتهى. وقال المناوي في شرح العراقي وهو أكثر الأنبياء معجزة فقيل أنها تبلغ ألفاً وقيل ثلاثة آلاف سوى القرآن فإن فيه نحو ستين ألف معجزة انتهى المراد منه وقوله (كالقمر) مثال لبعض معجزاته، صلى الله تعالى عليه وسلم، يعني أن من معجزاته صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر له فرقتين لما كذبه كفار قريش وسألوه آية تصدقه وذلك قبل الهجرة بنحو خمس سنين كما نص عليه القرآن وتواترت به الأحاديث كما حققه السبكي وغيره، وأجمع عليه المفسرون وأهل السنة ولم يقع انشقاقه لغيره، صلى الله تعالى عليه وسلم، قاله الهيثمي في
شرح الهمزة وقال القاضي في الشفا أخبر الله تعالى بوقوعه بلفظ الماضي وإعراض الكفرة عن آياته وأجمع المفسرون على وقوعه كما في الصحيح عن ابن مسعود انشق القمر على عهد رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال، صلى الله تعالى عليه وسلم، اشهدوا والجبل حراء وفي رواية أنس حتى رأوا حراء بينهما وقوله فرقيتن الخ روي باللام أيضاً أي فلقتين وروي أنهم لما رأوه قالوا هذا سحر ابن أبي كبشة قال ابن مسعود فقال انظروا يأتيكم به السفار فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال فجاء السفار فأخبروهم بذلك فقالوا هذا سحر مستمر أي قوي من المرة وهي القوة أو دائم مطرد فيدل على أنهم رأوا قبلها آيات متتابعة وقوله ابن أبي كبشة بفتح الكاف وسكون الموحدة ومعجمة قيل أحدج أجداده لأمه قالوه عداوة لأن عادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض وقيل أبوه من الرضاعة كذا في الزرقاني ونقل البيهقي عن الحليمي أن من الناس من قال إن المراد بقوله تعالى {انشق القمر} سينشق قال الحليمي فإن كان كذلك فقد وقع في عصرنا مشاهدة الهلال ببخارى في الليلة الثانية منشقاً نصفين عرض كل منهما عرض القمر ليلة أربع أو خمس ثم اتصلا وصار في شكل أترجة إلى أن غاب، قال وأخبرني من أثق به أنه شاهده في ليلة أخرى قاله المناوي.
(وغسل قلبه وشق الصدر
…
وحشوه بسر أي سر)
هذه الثلاث بالجر عطف على قوله كالقمر والسر الأمر الخفي وأي صفة لما قبله ويعني أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، من معجزاته شق صدره الشريف وغسل قلبه المنيف وحشو ربه اللطيف له بما لا يعلمه إلا هو من أنوار النبوءة والحكمة وتقدم الكلام على هذا مستوفى في صدر الكتاب ومر أنه لم يجد لذلك الشق مسا أي ألماً، أما شقه عند حليمة فرواه ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر كما مر والراجح أنه وقع وهو ابن أربع سنين خلاف ما مر للناظم وأما شقه للبعث عند نزول اقرأ