الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيده لو لم ألتزمه أي أعتنقه لم يزل هكذا أي باكياً إلى يوم القيامة تحزناً على رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، أي إظهاراً للحزن الزائد على الصبر على فراقه، صلى الله تعالى عليه وسلم، فأمر به، صلى الله تعالى عليه وسلم، فدفن تحت المنبر وفي طريق فدفنت فأراد الخشبة، وما أحسن قول بعض أرباب الحال:
(الصبر يحمد في المواطن كلها
…
إلا عليك فإنه مذموم)
وفي رواية أنه عليه السلام دعاه فجاء يخرق الأرض بضم الراء وكسرها أي يشقها فالتزمه أي اعتقنه توديعاً ثم أمره فعاد إلى مكانه. وفي حديث بريدة أنه عليه السلام قال له إن شئت أردك إلى الحائط الذي كنت فيه ينبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد لك خوصك وثمرك، والخوص بضم الخاء ورق النخل وإن شئت أغرسك بكسر الراء في الجنة فيأكل أولياء الله تعالى من ثمرك. ثم أصغى له النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، يستمع ما يقول، فقال
بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله
تعالى وأكون في مكان لا أبلى فيه بفتح الهمزة واللام أي لا افنى فسمعه أي كلام الجذع من يليه اي من يقرب من النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، قيل وممن سمعه ابن عمر قال غاب الجذع فلم ير بعد ذلك. فقال، صلى الله تعالى عليه وسلم، قد فعلت. اختار دار البقاء على دار الفناء. فكان الحسن البصري إذا حدث بهذا بكا وقال يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، شوقاً إليه فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه انتهى من الشفا وشرحه.
قال القاري وما أحسن قول من قال:
(وألقي حتى في الجمادات حبه
…
فكانت لإهداء السلام له تهدى)
(وفارق جذعاً كان يخطب عنده
…
فأن أنين الأم إذ تجد الفقدا)
(يحن إليه الجذع يا قوم هكذا
…
أما نحن أولى أن نحن له وجدا)
(إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة
…
فليس وفاء أن نطيق له بعدا)
انتهى منه.
قال الهيثمي بعد الكلام على قصة الجذع وذلك يدل على أن الله خلق فيه الحياة والشوق لأن مذهب الأشعري أن الإدراك شرطه الحياة ولذا عامله النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، معاملة الحي بالتزامه كما يلتزم الغائب أهله انتهى.
وقال القاضي عياض اختلف أئمة النظر في هذا الباب فمن قائل يقول هو كلام يخلقه الله تعالى في الشاة الميتة أو الحجر أو الشجر وحروف وأصوات يحدثها الله تعالى فيها دون تغيير أشكالها عن هيآتها وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن والقاضي أب بكر؛ وذهب آخرون إلى إيجاد الحياة أولاً ثم الكلام بعدها وحكى هذا عن شيخنا أبي الحسن وكل محتمل والله تعالى أعلم.
إذا لم نجعل الحياة شرطاً لوجود الحروف والأصوات إذ لا يستحيل وجودها بمجردها مع عدم الحياة، أما إذا كانت عبارة عن الكلام النفسي فلابد من شروط الحياة إذ لا يوجد كلام النفس إلا من حي وأحال الجبائي من بين سائر الفرق وجود الحروف والأصوات إلا من حي والتزم ذلك في الحصى والذراع والجذع انتهى.
وفي المواهب والحنين صوت المتألم المشتاق عند الفراق وإنما يشتاق إلى بركة رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، ويأسف على مفارقته أعقل العقلاء والعقل والحنين بهذا الاعتبار يستدعي الحياة وهذا يدل على أن الله عز وجل خلق فيه الحياة والعقل والشوق ولهذا حنّ وأنّ، فإن قلت مذهب الشيخ الأشعري أن الأصوات لا يستلم خلقها في المحل خلق الحياة ولا العقل أجيب بأنه كذلك إلا أن الشوق إنما يكون شوقاً معنوياً عقلياً ومذهب الشيخ أن الذكر المعنوي والكلام النفسي يستلزمان الحياة استلزام العلم لها. ولله در القائل:
(وحن إليه الجذع شوقاً ورقة
…
ورجع صوتاً كالعشار مرددا)
(فبادره ضماً فقر لوقته
…
لكل امرئ من دهره ما تعودا)
ومردداً بفتح الدال صفة صوتاً وبكسرها حال من فاعل رجع، وقر سكن وقوله لكل امرئ الخ. يعني أنه أمر مطرد في كل من اعتاد أمراً وانقطع
عنه فإنه يتألم لفراقه تألم من فارقته أحبته، فلما ضمه سكن وفرح كمقيم ورد عليه أحبته المسافرون سفراً طويلاً قاله الزرقاني. والعشار جمع عشراء وفي القاموس أنها من النوق التي مضى من حملها عشرة أشهر أو ثمانية وهي كالنفساء من النساء انتهى.
فائدة:
أشبه الأقوال بالصواب أن صانع المنبر النبوي اسمه ميمون، وهو مولى امرأة من الأنصار كما في الصحيح وقيل مولى سعد بن عبادة فكأنه في الأصل مولى امرأته ونسب إليه مجازاً، أو اسمها فتيهة أسلمت وبايعت. وأما أن صانعه تميم الداري أو بأقول باللام آخره أو الميم الرومي أو صباح بفتح المهملة وخفة الموحدة أو قبيصة أو مينا بكسر الميم أو صالح مولى العباس أو إبراهيم أو كلاب مولى العباس فلا اعتداد بها لوهائها كما بسطه في فتح الباري قاله الزرقاني.
(وكم عمى وعمه اذهبتا
…
عن أعين وعن قلوب حتى)
(أدركت الأبصار والبصائر
…
ما لم تكن تكنه الضمائر)
العمى ذهاب البصر كله والعمه بالتحريك التردد في الضلال والبصائر جمع بصيرة وهي نور القلب والضمائر والقلب والضمير في الأصل داخل الخاطر وكم للتكثير مفعول أذهبت والخطاب له، صلى الله تعالى عليه وسلم، والأعين جمع عين وهي الباصرة والمعنى وأذهبت يا رسول الله العمى عن الأعين والتردد في الضلال عن القلوب إذهاباً كثيرا حتى أدركت الأبصار أي العيون التي كانت متصفة بالعمى من المحسوسات ما لم تكن تظن أهل العقول أنها تدركه، وأدركت أهل البصائر من العلوم والمعارف بعد أن كانت متصفة بالضلال ما لم يكن يخطر في البال أنها تدركه وهذا كله ببركتك يا رسول الله صلى الله تعالى عليك وسلم.
(والمرء في ميزانه اتباعه
…
فاقدر إذا قدر النبي محمد)
روي النسائي عن عثمان بن حنيف قال يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال انطلق وتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك أن يكشف لي عن بصري اللهم شفعه في.
قال فرجع وقد كشف الله عن بصره، قاله في الشفا والنسائي بالقصر ويمد، وحنيف بالتصغير وعثمان هذا شهد أحداً وما بعده وهو أخو سهل وعبادة وهذا الحديث رواه الترمذي وصححه والبيهقي والحاكم وصححاه وابن ماجة قاله على القاري وذكر العقيلي عن حبيب بن فديك ويقال فريك أن اباه ابيضت عيناه فكان لا يبصر بهما شيئاً فنفث رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، في عينيه فأبصر، فرأيته يدخل الخيط في الإبرة وهو ابن ثمانين قاله في الشفا. وحبيب بفتح المهملة وروي بضم المعجمة مصغراً وفديك بالدال المهملة والتصغير كما رواه البيهقي والطبراني وبالثاني وهو الراء المهملة رواه ابن أبي شيبة وروي أنه عليه السلام سأله عما أصابه قال كنت أقود جملاً فوقعت رجلي على بيض حية فعميت. وقوله يدخل الخيط الخ .. في رواية وإن عينيه لمبيضتان، قاله علي القاري، وفي الزرقاني أن فديكاً هذا من بني سلامان وقال بعد ذكر القولين المتقدمين فيه ما نصه وقيل فويك بالواو، قاله البغوي والأزدي وابن شاهين والمستغفري وابن عبد البر وغيرهم. وقال ابن فتحون رأيته في كتب ابن أبي حاتم وابن السكن بالواو وقال الزرقاني بعد قول المواهب وإن عينيه لمبيضتان وهذا أعظم في المعجزة، انتهى.
ويناسب هذا وإن لم يكن فيه إذهاب العمى ما روي أنه عليه السلام قال في غزوة خيبر لأعطين الراية غداً لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فتشوق الناس لذلك فسأل عن علي فقيل به رمد، فدعاه فجاء وإنسان يقوده لشدة الرمد ففتح عينيه وتفل فيهما وقال خد الراية وامض بها يفتح الله عليك فبرئتا لما خالطهما ريقه الشريف الذي هو الشفاء الأكبر، فذهب بتلك الراية ففتح الله على يديه
وكان يضرب بعينيه المثل من حدة الإبصار ويبصر كما يبصر العقاب وفي رواية البيهقي فما رمدتا حتى مضى، والطبراني عن علي فما رمدت ولا صدعت منذ دفع المصطفى إلى الراية يوم خيبر، وسقطت عين قتادة بن النعمان يوم أحد وقيل يوم بدر وقيل الخندق فردها المصطفى بيده فكانت أصح عينيه، فكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى وقيل أصيبت عيناه معاً فسقطتا على وجنتيه فأتى بهما النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، فأعادهما مكانهما وبصق فيهما فعادتا تبرقان، قاله الدارقطني غريب تفرد به عمار بن نضر بن مالك وهو ثقة. وأما إذهابه العمه وهو الضلال فمن المعلوم أنه لم تصل نعمة من نعم الله تعالى إلى مخلوق من هداية وغيرها إلا وهو، صلى الله تعالى عليه وسلم، أصلها ومصدرها، ومادتها.
(ما أرسل أو يرسل
…
من رحمة تصعد أو تنزل)
(في ملكوت الله أو ملكه
…
من كل ما يختص أو يشمل)
(إلا وطه المصطفى عبده
…
نبيه مختاره المرسل)
(واسطة فيها واصل لها
…
يعلم هذا كل من يعقل)
وكان عليه السلام كثيراً ما يأتيه الكافر يريد قتله فإذا دنا منه أو مسه أذهب الله تعالى عنه ما كان في قلبه، وألقى الإيمان في قلبه ببركته، صلى الله تعالى عليه وسلم، وتأمل ما وقع لفضالة بفتح الفاء بن عمير يوم الفتح حين هم أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت، فلما دنا منه قال أفضالة؟ قال نعم يا رسول الله. قال ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال لا شيء. كنت أذكر الله. فضحك عليه السلام ثم قال استغفر الله ثم وضع يده المباركة على صدره. فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله تعالى شيئاً أحب إلي منه، وقد مر هذا.
وتأمل ما وقع لأبي محذورة حين سمعه المصطفى يحكي الأذان متلاعباً به في فتية من قريش، فناداه، فلما قام بين يديه عليه السلام ألقى الله
تعالى الإيمان في قلبه، فتشهد ورتبه للأذان وكان حسن الصوت جداً. ومثل هذا كثير.
(وكم من الأدواء قد أبرأتا
…
في الحال بالراحة إذا لمستا)
الداء المرض جمعه أدواء وأبرأه شفاه والراحة الكف، ولمسه يلمسه ويلمسه مسه بيده قاله في القاموس، يعني وأبرأت يا رسول الله كثيراً من الأمراض حين مسسته بيدك المباركة وحصل برؤه في حال لمسك له أي في وقته فهو في المعنى مؤكد بقوله بعده إذ فمن ذلك حديث ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها به جنون فمسح النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، صدره فثع ثعة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي ذكره في الشفا وثع ثعة بمثلة وعين مهملة مشددة فيهما أي قاء مرة والجرو بتثليث الجيم ولد الكلب والسبوع وشفي بصيغة المجهول أي برئ من جنونه والحديث رواه أحمد والبيهقي وابن أبي شيبة قاله ابن سلطان.
ومن ذلك أن خبيب بن يساق بفتح الياء وفي نسخة بكسر الهمزة ويفتح أصيب يوم بدر بضربة على عاتقه حتى مال شقه فرده، صلى الله تعالى عليه وسلم، ونفث عليه حتى صح فانطلق فقتل الذي ضربه وتزوج ابنته بعد ذلك، وكانت تقول لا عدمت رجلاً وشجك هذا الوشاج، فيقول لا عدمت رجلاً عجل أباك إلى النار وخبيب بضم المعجمة مصفراً وهو خزرجي شهد بدراً وما بعده انظر الشفا وشرح القاري له ومن ذلك أن معاذ بن عمرو بن الجموح جاءه عليه السلام يحمل عاتقه يوم بدر فألصقه وبصق عليه فالتصق وتقدم ذلك مبسوطاً، ومن ذلك أن شرحبيل بضم أوله ويقال شراحيل الجعفي بضم الجيم كانت في كفه سلعة بكسر السين وتفتح وسكون اللام وهي زيادة تحدث بين الجلد واللحم كالغدة وكانت تمتعه القبض على السيف وعنان الدابة، شكاها للنبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، فمازال يطحنها بيده حتى رفعه ولم يبق لها أثر. ويطحنها بفتح الحاء أي يعالجها ورفعها أزالها من كفه انظر